بعد انتهاء انتخابات رئاسة الجمهورية سوف تواجه الأحزاب السياسية مسئولية خوض انتخابات المحليات باعتبارها المعركة الكبري التي تستطيع من خلالها أن تبني نفسها كقوي جماهيرية. خاصة أن الأحزاب القديمة كالوفد والتجمع والناصري في أشد الحاجة إلي تجديد قواها واسترداد عافيتها واستعادة ثقة الشعب المصري التي إفتقدتها في ظل النظام السابق. كما أن الأحزاب الجديدة التي لا يعرفها الشعب المصري حتي الآن هي في أشد الحاجة إلي أن تقدم له نفسها من خلال كوادرها المحلية وبرامجها الانتخابية وشعاراتها الأساسية. هذه هي الفرصة الحقيقية أمام الأحزاب السياسية لتثبيت وجودها في المجتمع المصري, خاصة أن المنافسة في انتخابات المجالس الشعبية المحلية تدور حول 52 ألف مقعد هي إجمالي عضوية مجالس المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقري. وهناك فرصة كبيرة أمام كل حزب للدفع بأكبر عدد ممكن من قياداته المحلية للمشاركة في هذه الإنتخابات. فضلا عن أن المحليات هي المجال الحقيقي للإرتباط بالشعب المصري في مواقع السكن والعمل لأن المحليات مسئولة عن أهم ما يشغله في حياته اليومية وهي المرافق العامة كمياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والطرق وكذلك الخدمات الاساسية كالتعليم والصحة والإسكان والثقافة والتموين والشباب وغيرها وكذلك مشروعات التنمية المحلية, ومن خلال نشاط أعضاء المجالس المحلية في هذه المجالات الثلاثة سوف يتعرف عليها المواطن العادي ويمنحها ثقته بناء علي أدائها أو يحجب عنها هذه الثقة. ويمكن القول عموما إن عضوية المجالس الشعبية المحلية يمكن أن تجلب للأحزاب السياسية فوائد عديدة في مقدمتها: أن عضوية المجالس المحلية الشعبية تعطي فرصة لشرعية التحرك الجماهيري لأعضاء المجالس وما يترتب عليه من توسيع قاعدة الاتصالات وتنمية العلاقات مع المواطنين. أن عضوية المجالس المحلية هي فرصة كبيرة لاكتساب خبرة ميدانية لا نجدها في الكتب أو في المناقشات داخل إجتماعات الأحزاب بل يكتسبها الأعضاء من خلال تحركهم في المجتمع. من هنا فإن هذه العضوية تصبح فرصة كبيرة أيضا لتعزيز العلاقات مع المواطنين واكتساب الشعبية بقدر ما يحقق الأعضاء من إنجازات في مجال خدمة المواطنين. وعضوية المجالس المحلية تتيح للأعضاء التدريب علي الاحتكاك بالأجهزة التنفيذية والتعامل معها وتكوين علاقات مع الموظفين المسئولين عن الخدمات أو المرافق العامة وما توفره هذه العلاقات من فرص لتسهيل الحصول علي الخدمات للمواطنين. ومن كل هذه الفرص التي تتيحها عضوية المجالس المحلية للأحزاب السياسية وأعضائها فإنه يمكن للأحزاب السياسية أن تبني قاعدة جماهيرية واسعة للتحرك الشعبي والإرتباط بدائرة كبيرة من المواطنين. وأخيرا ولا يقل أهمية عما سبق كله أن المشاركة في عضوية المجالس المحلية تمكن الأعضاء من القيام بدور أساسي في إنتخابات مجلس الشعب, فإنتخابات المحليات هي المقدمة الحقيقية لانتخابات مجلس الشعب, وباستطاعة أعضاء المجالس الشعبية المحلية أن يقدموا خدمات جليلة ومساندة قوية للمرشحين لمجلس الشعب. لا تتوقف أهمية مشاركة الأحزاب السياسية في انتخابات المحليات علي هذه الفوائد فقط بل هناك ما يهم المجتمع كله لأن قيام حكم محلي حقيقي ووجود قيادات محلية قادرة علي مراقبة أداء الأجهزة التنفيذية في القرية والمدينة والحي السكني هو أساس بناء الديمقراطية في المجتمع لأن المجالس الشعبية المحلية ومنظمات المجتمع المدني والوحدات الأساسية للأحزاب السياسية هي القوي والمكتسبات الحقيقية لتحقيق التطور الديمقراطي في المجتمع. لأن القيادات الشعبية المحلية وقيادات الجمعيات الأهلية وأعضاء الوحدات الأساسية للأحزاب السياسية هم طليعة الشعب في تمتعه بحقوقه الأساسية في إدارة وحدات الخدمات والمرافق العامة وفي إخضاعها للرقابة الشعبية وبقدر ما يتوافر للمجتمع من قيادات محلية في هذه المجالات الثلاث يكون قادرا علي دفع التطور الديمقراطي إلي الأمام ويكون ممكنا بالفعل الانطلاق من الديمقراطية المحلية إلي الديمقراطية السياسية علي المستوي القومي. المجالس الشعبية المحلية المنتخبة هي المدارس الأولية لتعليم الممارسة الديمقراطية يتعلم فيها الأعضاء كيف يطرحون آراءهم علي الآخرين وكيف يديرون الحوار ويصلون من خلاله الي حلول وسط ويكتسبون خبرة مراقبة الأجهزة التنفيذية ومحاسبتها ويمارسون في نفس الوقت آليات العمل البرلماني مثل توجيه الاسئلة وطلبات الاحاطة والمشاركة في لجان تقصي الحقائق وفي هذا كله فرصه كبيرة لتكوين قيادات محلية سوف تتحول مع تراكم الخبرة الي قيادات اقليمية علي مستوي المحافظات تتشجع علي التقدم لانتخابات مجلس الشعب فيكسب المجتمع قيادات جديدة قادرة علي اثراء العمل الوطني. كما أن منظمات المجتمع المدني تؤدي نفس الدور تقريبا في انضاج وتربية الكوادر المحلية. من هذا كله يمكن القول إن الفراغ السياسي الذي يعانيه المجتمع المصري حاليا والذي ساهم في إجهاض ثورة 25 يناير يمكن أن تملأه الكوادر المحلية التي تستطيع أن تقوي التنظيم الحزبي وتوفر له القدرة علي كسب ملايين المواطنين لعضوية الأحزاب السياسية مما يوفر لها القدرة علي خوض المعارك السياسية علي مستوي المجتمع كله من أجل فرض إرادة الثورة بما في ذلك استيعاب شباب الثورة في عمل جماعي منظم يمكنهم من تحقيق أهداف الثورة بالاستفادة من طاقاتهم الهائلة واستعدادهم للتضحية من أجل هذه الأهداف. لقد كانت نقطة الضعف الرئيسية في ثورة 25 يناير أن الشباب الذين أشعلوا شرارتها ليسوا جزءا من البنية التنظيمية للمجتمع وكان معظمهم خارج الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني واقتصر نشاطهم علي الأعمال الاحتجاجية وعندما يندمج هؤلاء الشباب في هذه المؤسسات والمنظمات فإنهم يصبحون أقدر علي تحريك دوائر اوسع من المواطنين في العمل الثوري وتتوافر لهم الفاعلية المطلوبة لاستمرار الثورة. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر