تقرير إخباري: عبدالناصر سلامة: جاءت نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية مخيبة للآمال, حيث كانت تشير التوقعات إلي تجاوزها نسبة ال80% من المقيدين في جداول الانتخابات, إلا أنها لم تتم في الإجمالي إلا50%, وكانت لذلك أسبابه الواضحة: أولا: جاءت الانتخابات في توقيت حاسم بالنسبة للمزارعين في الأقاليم بصفة عامة, حيث موسم حصاد القمح, فقد امتلأت الحقول بماكينات الحصاد والدراس والتوريد دون مبالاة بالحدث, ومن هناك كانت نسبة التصويت في المدن أعلي منها في القري, بالإضافة إلي أن أهل الريف اعتادوا الذهاب إلي الانتخابات لمناصرة مرشح بعينه, تربطه بهم صلة من أي نوع, وهو ما لا يتوافر في مرشحي الرئاسة, والدليل علي ذلك أن نسبة تصويت الأقاليم في الانتخابات البرلمانية, كانت أعلي منها في الانتخابات الرئاسية. ثانيا: ليس خافيا أن هناك قوي ثورية قاطعت الانتخابات وأعلنت ذلك مبكرا, كما كشفت عملية التصويت عن مقاطعة قوي سلفية أيضا بعد خروج الشيخ حازم أبو إسماعيل من السباق, وهو الأمر الذي ألقي بظلاله علي النتيجة شبه المتدنية التي حصل عليها الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح, علي الرغم من التأييد الرسمي الذي حصل عليه من حزب النور تحديدا. وهذه القوي السلفية التي قاطعت لم تجد في أي من مرشح الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي, والدكتور أبو الفتوح تمثيلا مناسبا لتوجهاتها, حيث لم تستطع انتزاع موقف واضح من هذا أو ذاك نحو عدد من القضايا الجوهرية بالنسبة لها, والتي من أهمها تطبيق الشريعة الإسلامية. كما أن القوي الثورية التي قاطعت لم تجد هي الأخري في أي من المرشحين تمثيلا حقيقيا لأهدافها السياسية, التي غالت كثيرا في المطالب, خصوصا في التعامل مع أنصار النظام السابق, أو الدعوة إلي إنشاء محاكم ثورية, أو أن تكون هي جزءا من العملية السياسية, وهي أمور لم يتنبها أي من المرشحين الذين آثروا الاستقرار والتوجه إلي المستقبل, نزولا عن رغبة الغالبية العظمي من القوة التصويتية. ثالثا: مع استعداد طلاب الثانوية العامة وأسرهم للامتحانات الشهر المقبل, وبالتزامن مع امتحانات الجامعات, تواري اهتمام معظم الطلاب مع أسرهم بالأحداث السياسية الدائرة في البلاد الآن, ومن بينها الانتخابات, وهو أمر قد يكون منطقيا إلي حد كبير, خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الأسر المصرية خلال الأشهر الأخيرة من العام الدراسي, قد تقاطع جهاز التليفزيون تماما, ولا يعلو صوت فوق صوت الامتحانات. رابعا: يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك سلبية مازالت تخيم علي نسبة ليست قليلة في المجتمع, فلا هي تشارك في انتخابات محلية, أو برلمانية, أو رئاسية, وربما لا تشارك في انتخابات من أي نوع, وقد يرجع ذلك إلي أن التوعية التي سبقت الانتخابات, أو التوعية بصفة عامة, ليست فاعلة, أو لم تكن علي المستوي إلي الحد الذي يؤتي ثمارا مرجوة, كما أن العقود الأخيرة وما شابها من لا مبالاة وعدم اكتراث, مازالت تخيم علي أذهان الكثيرين, ناهيك عن المخاوف من حالة الانفلات الأمني التي يؤثر البعض بسببها البعد عن التجمعات بصفة عامة. خامسا: إساءة المرشحين لبعضهم بعضا, وكشف الوجه السلبي لكل منهم, جعل نسبة من الناخبين لا تري في أي منهم تمثيلا حقيقيا لطموحاتهم فآثروا عدم المشاركة, كما أن أيا من المرشحين لم يظهر في صورة المنقذ, أو الشجيع الذي يمكن أن يقود دفة السفينة إلي الأمام خلال مرحلة ربما هي الأكثر انفلاتا وخطورة في الوقت نفسه. سادسا: برغم الدور البارز الذي لعبه دور ليس قليلا من قيادات الحزب الوطني السابقين خلال هذه الانتخابات لمصلحة هذا المرشح أو ذاك, فإن نسبة ليست قليلة منهم مازالت تؤثر السلبية أو الإنزواء, خوفا من استهدافهم مستقبلا, أو تحسبا للاصطدام بهذا التيار أو ذاك, بالإضافة إلي أن هناك من بينهم من اعتزل العمل السياسي بالفعل, حتي وإن كان مجرد مشاركة في التصويت, وهي ظاهرة شائعة, سواء في مجتمع المدينة, أو القرية علي السواء. سابعا: كان لشدة الحرارة خلال يومي الانتخابات, أثرها الواضح الذي جعل بعض الناخبين يعودون أدراجهم, حتي بعد أن وصلوا إلي اللجان الانتخابية بعد الوقوف في طوابير طويلة كانت مصطنعة في بعض الأحيان لتحقيق هذا الغرض, كما كان لدمج لجان انتخابية في بعضها بعضا أثرها علي امتداد هذه الطوابير, حيث ضمت اللجنة الواحدة في بعض الأحيان ما يزيد علي الستة آلاف ناخب, وذلك بدعوي عدم استطاعة تغطية جميع اللجان بالقضاة, بعد اعتذار أكثر من800 قاضا عن المشاركة. ثامنا: كان لنقص البنزين والسولار أثره علي انشغال مواطني المحافظات بصفة خاصة, بما رأي أنه أهم من الانتخابات حيث حاجة المزارعين إلي السولار لتشغيل ماكينات الري والحصاد, كما عانت الأتوبيسات والسيارات الخاصة هي الأخري من نقص البنزين, بالإضافة إلي أزمة أنابيب البوتاجاز, ويكفي أن نشير هنا إلي أن إحدي قري الصعيد قد قاطعت الانتخابات في يومها الأول, احتجاجا علي هذه الأزمة, بل تفرغوا في الوقت نفسه إلي قطع الطريق. علي أية حال.. كان لتلك السلبيات أثرها الواضح علي نتيجة الانتخابات, بعد أن تم استبعاد نصف المجتمع من المشاركة, التي كان يمكن أن تغير وجه الانتخابات, بل وجه مصر بصفة عامة, إلا أنه علي الرغم من أن العادة قد جرت علي انخفاض نسبة التصويت في انتخابات الإعادة, فإن تغيير بعض هذه الشواهد خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة, مع حملة توعية قوية بأهمية الحدث, قد يغيران من القاعدة, ونفاجأ بنسبة تصويت أعلي في انتخابات الإعادة.