بعد فترة من التردد قررت عائشة اتخاذ القرار الصعب والبحث عن دار رعاية محترمة وبأسعار معقولة تقبل بحالة شقيقتها السبعينية المريضة، لم يكن قرارا سهلا عليها فلم تكن تريد التخلي عن واجبها في رعاية شقيقتها الكبري التي لم تنجب وتعاني عدة أمراض في وقت واحد كان آخرها الزهايمر لكن ظروف سنها وتجاوزها الستين وأعباء عائلتها منعتها من الاستمرار في هذا الواجب. رضخت أخيرا لضغوط أبنائها ووافقت علي إيداع الشقيقة في إحدي دور رعاية المسنين لكن بعد شهور طويلة تجولت خلالها بين أكثر من دار رعاية رأت فيها مستوي الخدمة سيئا جدا ونظافة معدومة مع أسعار خيالية وصلت إلي سبعة آلاف جنيه، تخلت عن الفكرة بعد أن فشلت في العثور علي دار مناسبة. تقول عائشة: نصحني البعض بالاستعانة بممرضين متخصصين في رعاية كبار السن فكانت الممرضة تتقاضي 300 جنيه كل 8 ساعات وكنت أستعين باثنتين يوميا وكانت النتيجة أن صحة شقيقتي تدهورت بسبب الإهمال الذي كان يؤدي أحيانا إلي كوارث، شهور طويلة من المعاناة انتهت بإصابتها بكسر في الحوض وفاضت روحها إلي بارئها بعد معاناة طويلة. بالرغم من أن عدد المسنين وصل رسميا إلي سبعة ملايين شخص،لا يوجد لدينا ما يمكن أن نطلق عليه رعاية صحية أو طب المسنين ورغم أن الأسرة المصرية ما زالت تقوم بواجبها وتتحمل مسئولياتها تجاه كبار السن، والتفكير في إيداع المريض دار رعاية متخصصة ما زال محدودا، إلا أن الدولة لا تهتم بهذه الفئة.. سبعة ملايين شخص يعيشون ظروفا بائسة تبدأ من ضعف المعاشات، عدم وجود تأمين طبي، عدم وجود رعاية صحية أو أطباء متخصصين في طب المسنين، كما أن عدد دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن لا يزيد علي 166 دار رعاية تقبل الرجال فوق سن الستين والنساء فوق سن الخامسة والخمسين بشرط سلامتهم الصحية وتستحوذ القاهرة علي 50% منها تليها الإسكندرية، ويعاني معظمها من تردي الخدمات المقدمة ولا يختلف الأمر كثيرا في القطاع الخاص وإن كانت الخدمة تختلف بحسب السعر طبعا. د. عزة عزت أستاذ الإعلام والباحثة في الشخصية المصرية عاشت تجربة شخصية مماثلة مع زوجها المريض وهي تلاحظ أن العبء الأكبر في رعاية المسنين في مصر تتحمله النساء سواء الزوج أو الأب أو الأم وحتي في الحالات النادرة التي يتحمل فيها الرجال عبء رعاية ذويهم يكون السبب هو غياب النساء ولا يوجد أي اهتمام من جانب الدولة أو الإعلام بالتعريف بأمراضهم واحتياجاتهم الصحية والنفسية.. فالمسن المريض يصبح عصبيا وسريع الغضب لدرجة أنه قد يسئ إلي من يقدم له الخدمة حتي لو كان زوجة أو ابنة، وبالتالي هو يحتاج إلي صبر وطول بال وشخص يدرك كيف يتعامل معه وكيف يعتني به. د.عزة عانت أيضا سوء الخدمة المقدمة من جانب الممرضين، حتي الأطباء بعضهم يتعامل بطريقة «أنت عايز تتعالج في السن دي»!.. ولا تري بديلا غير اهتمام حقيقي من جانب الدولة فيكفي المسنين تدني معاشاتهم وعدم وجود أي حقوق أو امتيازات لهم في المواصلات العامة، الشوارع أو المستشفيات فليس أقل من توفير دور رعاية لائقة خاصة أن التقديرات تشير إلي أن أعداد المسنين ستصل إلي 20 مليون شخص عام 2030 أي بعد أقل من 15 عاما. طب للمسنين فقط د. ولاء وسام أستاذ مساعد طب المسنين بعين شمس تعترف بأن هذا الفرع من الطب يعتبر حديثا في مصر ولا يوجد عدد كبير من الأطباء يهتمون به، لأن المسن عادة لا يعاني مرضا واحدا بل عدة أمراض، فطب المسنين يدرب الطبيب علي التعامل مع أمراض المسن جملة واحدة حتي لا يتداخل التشخيص ولا تتعدد الأدوية كما يحتاج إلي نوع خاص من التمريض، بالإضافة إلي طبيعته النفسية، حتي المسن السليم الذي لا يعاني أمراضا صحية حادة، له طبيعة وإحتياجات معينة في نمط حياته من أجل الحفاظ علي صحته. وبدلا من أن يلجأ المسن إلي أكثر من تخصص يجب أن يعتمد علي طبيب متخصص في طب المسنين، حيث يجري له فحص شامل لكل أجهزة جسمه، ويحدد المشاكل الصحية لكل حالة، ويستطيع التمييز بين التغيرات الطبيعية التي تحدث في الجسم نتيجة التقدم في السن والتغيرات المرضية.. لكن للأسف ما زال هذا الفرع من الطب لا يشهد إقبالا من الأطباء وهو موجود فقط في جامعة عين شمس كما يقوم مركز طب المسنين في الجامعة بتدريب العاملين في مجال التمريض من أجل الرعاية المنزلية للمرضي. رعاية بالمحبة بعض منظمات المجتمع المدني أيضا اهتمت بهذا الموضوع، السيدة ماري إسحاق مديرة جميعة الرعاية بالمحبة تقول إنها تعاني قلة إقبال الشباب علي العمل في هذا المجال رغم ارتفاع المرتبات بسبب النظرة الاجتماعية وأغلب الشباب رغم تلقيهم التدريب اللازم من خلال الجمعية وتوظيفهم فإنهم يهربون في أقرب فرصة حتي لو كان براتب أقل.