فى يناير 1952 احترق جزء من مبنى صيدناوى وفقد المبنى الجميل قبتى واجهته المتميزتين وفى 3 مايو 2016 احترق أكثر من نصف واجهته ضمن سلسلة حرائق منطقة العتبة التجارية وبين التاريخين الحزينين عاش مبنى صيدناوى الذى تخطى عمره 100 عام من الإهمال والتشويه. وبينما أكد لنا محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، أن النيران لم تقترب من داخله - والعهدة عليه حتى يسمح لنا بالدخول للمبنى المغلق - فإن واقع الأمر يقول إن الإهمال قد التهم الداخل والخارج وقبل الحريق الأخير بسنوات، وإن ما يقرب من نصف مليون جنيه أنفقتها الدولة على مسابقة لتطويره قبل ست سنوات لم تكن كافية لينتبه الجميع إلى أن المبنى الشديد التميز ربما يتحول إلى مجرد أنقاض وذكرى فى كتب التاريخ. صيدناوى قصة مكان ومدينة يسرق الإهمال كل يوم جزءا من تاريخها ويلتهم القبح جزءا من جمالها. يوم 3 مايو وبينما كانت حرائق العتبة قد بدأت فى الاشتعال قفزت كتلة من اللهب لم يحدد لنا احد من أين جاءت من العمارات التى تبعد ما يزيد على 150 مترا والتهمتها النيران أم من داخل المبنى (الحكومي) بحكم ملكية الشركة القابضة للسياحة والفنادق له .. المهم اشتعلت النيران فى صيدناوى الخازندار الذى يعتبر بحكم القانون 2006 محمية تراثية، حيث تم تسجيله منذ ما يقرب من عشر سنوات ضمن مبانى الطراز المعمارى المتميز .. التهمت النيران أكثر من ثلثى الواجهة الخارجية للمبنى القابع من 103 أعوام فى ميدان الخازندار بالعتبة وعندما حاولنا الدخول للمكان لم يكن الأمر ممكنا فقد تم إغلاقه ولم يحدد بعد وقت افتتاحه، شهادة سكان المنطقة تؤكد لنا أن المبنى التاريخى هو أول ما اشتعل فى منطقة العتبة وكان هذا يوم شم النسيم وكان إجازة رسمية فلم يكن بداخله أى عمال أو موظفون، بعضهم أشار إلى أن النار أتت من داخله والبعض لم يجزموا بالأمر . سألنا المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، عن المبنى وما حدث له وإن كانت النيران قد وصلت للداخل أم لا وفأجاب: «أرسلنا اثنين من الجهاز وعاينا المكان وأكدا لنا أن النيران لم تصل للداخل وأنها لم تطل سوى واجهة المبنى فقط ولكننا بادرنا بالاتصال ومخاطبة الشركة القابضة للسياحة والفنادق مالكة المكان بما حدث لان هذا دورنا كجهاز حيث إن المبنى موضوع على قائمة مبانى الطراز المعمارى المتميز بينما لا نملك قرارا أو ميزانية إخضاعه للترميم والتى لابد أن تتم فى اقرب فرصة ممكنة، ودورنا هنا سيكون تقديم خبراتنا وشروطنا ليكون الترميم صحيحا ومتماشيا مع طراز المبنى وقيمته». قبل 6 سنوات وبالتحديد فى بداية عام 2010 طرح جهاز التنسيق الحضارى بالتعاون مع الشركة القابضة للسياحة والفنادق مسابقة لتجديد وإعادة استخدام مبنى صيدناوى ليكون مركزا ثقافيا ضخما، وبالفعل تقدم للمسابقة عدد كبير من المكاتب الهندسية والمعمارية، وتم إعلان نتيجة المسابقة التى كانت جائزتها الأولى 200 ألف جنيه والثانية 150 ألفا والثالثة 100 ألف بخلاف جائزتين تشجيعيتين قيمتهما 50 ألفا، ثم وضعت كل المشروعات فى أدراج السادة المسئولين. دكتورة جليلة القاضى أستاذة العمارة بالجامعة الفرنسية وواحدة من الذين أرخوا لمبنى صيدناوى تحكى عن المبنى وتقول: «أنشئ صيدناوى عام 1913 واستغرق بناؤه ثلاث سنوات وكان يعتبر درة المبانى معماريا وتجاريا فى عشرينيات القرن الماضى، حيث كان يقع ضمن قلب المدينة التجارية حول حديقة الأزبكية، والمبنى يعود لمدرسة الباروك المشابهة للمبانى التجارية فى باريس فى بداية القرن العشرين، وهو مبنى من ثلاثة طوابق ودور ارضى معتمد تماما على هيكل حديدى وبهوه الفسيح الذى يقع بالدور الأرضى للمبنى كان يتميز بفخامته الرائعة التى تليق بواحد من أشيك محلات القرن العشرين، كما أن سقفه مغطى بالكامل بالزجاج الملون الشديد الجمال وتبلغ مساحة المبنى نحو 2360 مترا مربعا». فى عام 1952 كما تقول كتب التاريخ تعرض صيدناوى للحريق ضمن عشرات المبانى التى التهمتها نيران حريق القاهرة الشهير، وربما كان هذا هو السبب فى سقوط القبتين الشهيرتين اللتين تميزت بهما واجهة المبنى الشديد الشياكة، حيث تظهر صور المبنى فى السبعينيات عدم وجودهما، بينما يبدوان فى الصور المتاحة فى حقبة الثلاثينيات والأربعينيات وهما نفس القبتان اللتان أعيد بناؤهما عام 1989 عند تجديد المبنى وتطويره ولكن هذه المرة بنيت القبتان بالحديد المقاوم للصدأ بدون أى اعتبار للطراز المعمارى والجمالى للمبنى. نعود للدكتورة جليلة القاضى لنكمل تفاصيل المكان وما حدث له فتقول: «المبنى رغم انه سجل ضمن مبانى الطراز المعمارى المتميز منذ بداية عمل جهاز التنسيق ورغم انه يفترض ان يتم تسجيله كأثر لمرور أكثر من مائة عام على بنائه فإنه عانى تماما الإهمال لسنوات طويلة خاصة بعد أن تعرض للتأميم عام 1961 وتحول لمبنى تابع للقطاع العام يقدم سلعا منخفضة الأسعار وخلال السنوات من عام 61 وحتى عام 89 لم يتم ترميمه او إصلاحه وأصبح يعانى بالإضافة للإهمال مشكلة المياه الجوفية التى تهدد جميع مبانى القاهرة طبعا بخلاف الأسواق العشوائية والزحام الرهيب حوله مما طمس جماله تماما وحتى عملية الترميم والإصلاح الأخيرة وان كانت عالجت مشاكله مع المياه الجوفية وإهماله داخليا إلا أنها لم تحافظ على تصميمه وطرازه المعمارى المتميز من الخارج وشوهتها إلى حد كبير، مما افقد المكان بريقه ورونقه الأساسى كجزء من قلب المدينة القديمة التى كانت البداية الحقيقية للقاهرة الحديثة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين» نعود لرئيس جهاز التنسيق الحضارى لأسأله عما يمكن أن يحدث لصيدناوى الآن وعن أين ذهبت مشروعات تطويره وتحويله لمركز ثقافى وحضارى فيجيب:«المشروعات موجودة، وهناك مشروع متميز فاز بالفعل وتمت الموافقة عليه ولكن الأمر ليس بيد جهاز التنسيق الحضارى فالمبنى مملوك للشركة القابضة للسياحة وهى من تملك قرار تنفيذ المشروع ومن تتولى تمويله ماليا. نحن كجهاز وبالتحديد فى عهد دكتور سمير غريب تولينا رعاية المسابقة ووضع كراسة الشروط، وشكلت لجنة على اعلى مستوى للتحكيم بين المتسابقين وتم اختيار مشروع متميز لإعادة استخدام المكان ولكن لا اعلم لماذا لم ينفذ ونحن الآن لدينا المشروع ونوصى بإعادة إحيائه وننتظر رد الشركة القابضة».
100 عام من الاصالة والجمال شيد الأخوان سليم وسمعان صيدناوى وهما سوريان من طائفة الروم المبنى الذى يحمل اسمهما ليكون محلا تجاريا ضخما بارتفاع 4 طوابق، وكان متخصصا فى بيع الأقمشة، والمنسوجات المصرية، والتى كانت تصنع فى الورش المملوكة لهما. كانت بداية سمعان محل صغير للخردوات فى منطقة الحمزاى بسوق الأزهر، وبعد فترة حضر إلى مصر شقيقه الأكبر سليم وشاركه فى المحل، واتسعت تجارتهما وضاق بهما الدكان الصغير، فانتقلا إلى حى الموسكى واشتريا منزلاً قديما فى ميدان الخازندار وهدماه ليشيدا مكانه دكانا كبيرا، وبعد شهرة الشابين وحسن سمعتهما توسعا فى التجارة وقاما بتحويل المحل إلى صرح كبير هو تحفة معمارية فى البناء والتصميم والديكورات، وتم افتتاح محل سليم وسمعان صيدناوى رسميا عام 1913، وكان يتميز بطرازه المعمارى الفخم وسلعه المتميزة. وظلت عائلة صيدناوى تدير المحلات التى كانت قد توسعت فروعها ووصلت الى 72 فرعا حتى تأميمها عام 1961 وتحولها لملكية وإدارة القطاع العام.