دفعني الصراع الذي أعيشه بداخلي إلي ان أفضي إليك بمشكلتي عسي أن اجد لديك حلا يريحني فأنا فتاة عمري أربعة وعشرون عاما ومن عائلة معروفة ونسكن في حي راق ومنذ طفولتي وأنا أسعي الي ان اكون مثالية في تصرفاتي ومتميزة أمام الناس في كل شيء. وأحسب انني نجحت في ذلك تماما فكنت الطالبة المتفوقة التي تحصد أعلي الدرجات والكل يتحدث عن تفوقي وجمالي الذي لم يشغلني عن دراستي وملابسي المحتشمة وروحي الوثابة وأخلاقي العالية ويقولون إنني فتاة مثالية ويرغبون في ان تكون بناتهم نسخة مني بل يحسدون من سوف ارتبط به إذ لن يري في أي عيب من العيوب المتكررة في الكثيرات مثل الأنانية وحب الذات والانصراف عن ترتيب البيت والاهتمام بالأسرة كعادة الكثيرات ولكن هناك مايجعلني علي عكس الصورة التي يرونني عليها في الظاهر. أتدري يا سيدي ما هذا السر انه كرهي الشديد لمن اعرفهم فلا أتمني لهم الخير وأبغض كل من أراه في موقف سعيد أو من التحق بنفس كليتي أو ما أشاروا إليها بأن أخلاقها عالية مثلي علي حد تعبيرهم.. نعم اكره الجميع لأنني أريد ان اكون الأولي بل قل الوحيدة التي تكتمل فيها كل الصفات وان ما عداني ليس إلا صورا مشوهة مني. فإذا وجدت زميلة ترتدي ملابس معينة لايغمض لي جفن حتي اشتري افضل منها وإذا طلبت مني والدتي بعض الوقت لتدبير ثمن ما أريد انزوي في حجرتي عدة دقائق مدعية غضبي فيهرولون إلي ويجيبون طلبي في الحال. وزد علي هذا الكره أنني قادرة علي ان اخفي مشاعري فقد اضحك في وجه شخص ما مع انني لا أطيقه وفي أحيان كثيرة انصح زميلة لي نصيحة خاطئة عن قصد حتي لاتكون افضل مني فصرت اعيش بوجهين في المجتمع. وبينما أنا علي هذه الحال تقدم لي شاب علي خلق ودين ومثقف يكبرني ببضع سنوات يعمل مهندسا ومن معارفنا وقد احببته من كل قلبي ولم اخف عنه شيئا حتي هذه الآفة التي لاحقتني وبحت له بها وقلت له انني أعاني أمرا خطيرا وهو انني لست بالمثالية التي يتصورها فإذا به ينفجر من الضحك ولم يكترث لكلامي وظن ان الأمر هزل وانني كما يشعر بي وليس كما ادعي علي نفسي. ولما اكدت له أنني بالفعل أعاني من هذه المشكلة التي استفحلت داخلي ولا أجد لها حلا اقترح علي ان أزور طبيبا نفسيا قائلا ان الطبيب النفسي مثل أي طبيب آخر يعالج امراضا جسدية وبرغم انني اعلم ذلك جيدا فإنني لم اقتنع بكلامه وقلت له انني لست مجنونة وبمرور الأيام بدأت أري تغيرا في معاملة خطيبي واخشي ان افقده كما انني ارغب في الخلاص مما أنا فيه فهل أجد لديك حلا لشخصيتي المزدوجة وأنانيتي التي لا حدود لها؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ألا تدرين ان جانبا كبيرا من الإيمان بالله يتوقف علي حب المرء للآخرين وتمنياته لهم بما يتمناه لنفسه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : لايؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. وكلما عاش الإنسان في سلام مع نفسه ورضاء واقتناع بما قسمه الله له زادت طمأنينيته وارتاح باله واصبحت حياته صافية خالية من الشوائب التي تعكر صفوه. من هنا لا تخفي صورتك لدي الآخرين لكي تصلي الي هذه المرحلة من النقاء النفسي إذ ينبغي ان تتطابق مع احساسك الداخلي..ولو انك فكرت قليلا لوجدت ان الله اسبغ عليك من نعمه الكثير فيما يتعلق بدراستك وتفوقك وجمالك الأخاذ وروحك الجميلة في عيون الآخرين فلماذا تفسدين علي نفسك هذه النعم ولاتشعرين بلذتها لمجرد انك تبغضين من حولك ولاتريدين ان يصلوا الي ما وصلت إليه؟ وحتي زميلاتك تكنين لهن ذلك الشعور الغريب فإذا لجأت إليك زميلة طالبة النصيحة بما تتوسمه فيك من صفات حميدة تغررين بها وتقنعينها بما ليس في مصلحتها عن عمد وهذا مرض نفسي اصبت به دون ان تدري واستفحل معك بمرور الأيام فالأنانية تدفعك دون ان تشعري إلي ان تسلكي هذا السلوك الغريب وإنني أسألك: من أين اكتسبت هذه الصفة الذميمة؟ هل وجدت اسرتك بهذا السلوك فتأصل فيك واصبح يلازمك حتي انك لم تستطيعي ان تذهبي إلي طبيب نفسي ولو من باب الفضفضة؟.. يجب ان تدركي أن أي علاج لن يجدي في انتشالك من هذا الاحساس سوي اصرارك علي الخلاص منه وبدء صفحة جديدة في علاقتك مع الآخرين.. صفحة يتماثل فيها ما تظهرينه للناس مع ما تشعرين به داخلك ولتعلمي انه ما استحق ان يولد من عاش لنفسه فقط وكوني ممن يجدون سعادتهم في خدمة الآخرين ومساعدة المرضي والمحتاجين والتواصل مع الأهل والأصدقاء وسوف تتخلصين من هذا الكابوس الجاثم فوق صدرك قريبا بإذن الله.