أنا فتاة عمري ثلاثون سنة, نشأت في عائلة مرموقة, لأبوين مخلصين ربيا أولادهما علي الفضيلة, وعرفنا طريق الاستقامة منذ البداية, ولم أهتم بما يقولونه عن أنني جميلة ورشيقة وخفيفة الظل, ورحت أركز كل جهدي في الدراسة, حتي حصلت علي بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية, والتحقت بمؤسسة كبري وأقبلت علي العمل بكل همة ونشاط. وتابع رؤسائي أدائي وأثنوا علي كثيرا, وتمت ترقيتي إلي أكثر من منصب, لكن طموحي الزائد صار هو مشكلتي الكبري التي لا أجد لها حلا في مواجهة أهلي الذين تكتلوا ضدي رافضين انغماسي في العمل إلي هذا الحد القاتل من وجهة نظرهم. أتعرف السبب ياسيدي في رؤيتهم هذه؟ إنه عزوفي عن الزواج, ورفضي فكرة الارتباط حتي أحقق كل طموحاتي في العمل, ودفعني ذلك دون أن أشعر إلي كره الرجال, وكلما أبلغوني بأن عريسا تقدم لي أرفضه دون أن أراه أو أجلس معه, أو حتي أعرف بعض التفاصيل عن حياته وعمله. هل تتصور أنني لم أفكر يوما في أي علاقة عاطفية, أو أحلم ذات يوم بأن أكون عروسا وأما لها بيت وأولاد, ولم أهتم أبدا بالصداقات مع الشباب, وكنت أنفر من أي رجل يحاول الاقتراب مني, وانعكس ذلك علي شخصيتي, فمضيت في طريقي الذي رسمته لنفسي منذ البداية, ولم ألتفت إلي أحاديث أسرتي الجانبية عن أنني مريضة نفسيا, أو معمول لي عمل, وللأسف فقد أخذوا بمشورة بعض الأصدقاء بعرض حالتي علي الدجالين والمشعوذين فربما يكون هناك من عمل لي عملا لكي يوقف حالي ويجعلني أنفر من الرجال. لوم يصلوا إلي شيء وبرغم محاولاتي المستميتة لشرح وجهة نظري لهم لم يفهمني أحد, ولم يقتعنوا بأسبابي, وظلت قصتي كالبركان تثور تارة, وتخمد تارة أخري, وهناك من اتهمني اتهامات باطلة بأنني أخفي سرا خطيرا في حياتي, بل أحسست في نظرات بعضهم بأنني أداري علي مصيبة ارتكبتها تمس شرفي, وأكاد أصاب بالجنون من هول ما يدور حولي. لقد اعتدت أن أرمي كل ما أسمعه وراء ظهري, وأواصل مسيرتي, لكن ضغط أهلي وعدم تفهمهم لما أفكر فيه, وصل إلي تهديدهم لي بحرماني من العمل وإجباري علي ملازمة البيت إذا لم أقبل الزواج من شاب تقدم لي من طرفهم وليس فيه ما يعيبه. ولم يفلحوا في تضييق الخناق يضيق علي, فابتعدوا عني, وصرت معزولة عنهم, فهل أنا مخطئة؟ وهل أتخلي عن طموحاتي بعد كل هذا المشوار الطويل؟ ثم من أدراني أنني سأستريح مع العريس الذي جاءت به أمي؟ وهل سيوافق علي تأخري في عملي وانهماكي فيه؟ إنها أسئلة لم أجد إجابة عنها, فهل تشير علي بما ينقذني من الدوامة التي أعيش فيها؟ ... وأقول لكاتبة هذه الرسالة: لا تدعي طموحك في العمل والشهرة يقتل فيك هدف الزواج وتكوين أسرة, وهو ما تسعي إليه كل فتاة, وما يتطلع إليه كل أبوين لابنتهما. وليس هناك أي تعارض بين أن تعملي وتنجحي وتحققي مآربك في العمل, وأن تقيمي أسرة ناجحة ومستقرة. إنك فتاة طبيعية جدا, ومثقفة, ويتمناها كل شاب, وعدم انخراطك في علاقات عاطفية في أثناء الجامعة هو عين الصواب, لكن ليس معني ذلك أن تغلقي قلبك أمام المشاعر والأحاسيس التي تشعر بها كل بنت عندما يأتيها العريس المناسب, ولا أدري لماذا ترفضين من يتقدمون إليك دون أن تمنحي نفسك فرصة التعرف عليهم, فربما يدق قلبك لأحدهم وتجدين فيه فارس أحلامك. فالأمر يحتاج إلي التأني في اتخاذ قرار الزواج, وإتاحة الفرصة لك كاملة لكي تتبيني جوانب شخصية من يتقدم لك, ويجب أن تكون أمامكما فسحة من الوقت خلال فترة الخطبة لتقريب أفكاركما, وبعد ذلك يمكنك تحديد موقفك النهائي بالاستمرار في مشوار الزواج أو تؤجلينه إلي أن تلتقي بمن يناسبك وتتوسمين فيه زوجا تكملين معه مسيرة الحياة. وبالطبع فإنه لا يخلو إنسان من عيوب, فالمسألة نسبية, والمهم أن تكون العيوب بسيطة, ويمكن تداركها, وأن يوجد بينكما تقارب في المستوي الاجتماعي والفكري والمادي, وفوق كل ذلك الأخلاق التي جعلها رسول الله صلي الله عليه وسلم فوق كل المعايير. والرجل الصالح إذا أحب المرأة أكرمها, وإذا كرهها لم ينقصها حقها, وكذلك المرأة الصالحة تراعي ربها في زوجها, وتحرص علي إرضائه, وكما يقال دائما في نصح الزوجة: كوني له أمة.. يكن لك عبدا. أما مسألة الند فلا مكان لها في قاموس الحياة الزوجية التي تقوم علي التراحم والتواد والتعاطف. انبذي الأفكار الخاطئة واستمعي إلي نصيحة أبويك.. وفقك الله وسدد خطاك.