علاقتى المباشرة بنقابة الصحفيين يوم فزت بعضوية مجلسها فى عام 1986 ومن وقتها المتوتر الذى كان يخطف النوم من عينى ليلا ليسقطنى فى طاحونة الهلاك النهارى النقابى وأنا أقول فى سرى عندما تظللنى اللافتات المتصارعة، وتلاقينى السلالم الزاعقة، وتؤلمنى الصراعات الحادة: لك الله يا عضو مجلس النقابة، أينما كنت وبئس المصير فى وقت قصير. وأبدًا لن أنسى نعيم وسادة الراحة بعدما انقضت فترة المجلس وشرخ رنين التليفون هدوء فجرى مرتين متتاليتين، أولهما استطعت معها بعد صبر أيوب استخراج المفهوم من بين عشوائيات عبارات الشخط والنطر فى العبدة لله من الزميلة صاحبة الطلب العاجل للحصول مجانياً على العضوية الشرفية للنادى الكبير هى وأسرتها خاصة وأن مسكنها يقع بالقرب من ذلك النادي، وثانيهما من الزميل الذى كان قد تفضَّلَ محمودًا بمنحى صوته الكريم فى الانتخابات ذاكرًا تلك المنحة الغراّء أينما لاقانى فى صالة التحرير وأمام المصعد وتحت بئر السلم متسائلا عن نسخ الجرائد اليومية المجانية التى وعد بها رؤساء مجالس إدارات الصحف كل عضو نقابى، ولما كان هؤلاء الرؤساء قد وقعوا لىّ جميعاً بموافقتهم الكتابية على تلك المنحة لجميع الزملاء وقمت من جانبى بنشر توقيعاتهم تلك فى منشورات حملتى الانتخابية، وبالفعل قاموا بإرسالها لمدة أسبوع كامل على مبنى النقابة بأسماء وعدد الأعضاء، ولكنى فوجئت بحجبها فتوجهت من فورى لأسأل رئيس مجلس إدارة مؤسستى كبداية للدوران كعب داير عليهم جميعاً بعدها، فإذا به يواجهنى بالحقيقة الانتخابية الصادمة: «إنتِ صدقت.. الهوجة خلصت خلاص..انت مش شايفة إن المجلس تم تكوينه وانتهينا.. ثم قبل هذا وذاك من الذى سيدفع يا ست هانم التكاليف الباهظة لكل تلك النسخ من الجرائد اليومية والأسبوعية التى تحلمين بها؟!».. وأسرعت بالانقشاع من قبل أن يطلب منى شخصياً تلك التكاليف.. تبخرتُ من أمامه وأنا ألملم جراحى وركام عضويتى بعدما أسقط فى يدى لاعنة يوم مولدى خاصة أن جميع رؤساء المجالس الأخرى حذوا معى حذو المصارح الأول.. وذهبت محبطة فى محاولات استعادية لتقديم الخدمات النقابية من خلال اللجنة الثقافية التى عهدَ لى بها، وبالفعل استطعت أن أجلب للمكتبة عشرات الصناديق من نسخ الكتب المطبوعة حديثا هدية من دور النشر فى جميع المجالات، وأقمت حفلا كبيرا قدمته فرقة أم كلثوم على سطح النقابة فى مبناها القديم الجميل عندما كنا نذهب للجمعية العمومية كيوم عيد نلتقى فيه بحميمية الزملاء ونجلس دوائر مرح وحكاوى تؤكد وشائج قرابة دماء العائلة الواحدة.. عندما كانت البلاغة لغة الاستقطاب.. عندما كان المرشحون عمالقة المهنة وأقلامهم تلف بالحرير.. عندما كنا محرجين أيّاً من «اليوسفين» نمنحه أصواتنا يوسف إدريس أم يوسف السباعى فكلاهما قيمة وقامة ووجه حسن.. عاوننى على إقامة الحفل بأريحية الفنان الكاتب الدكتور فوزى فهمى رئيس أكاديمية الفنون وقتذاك، وانطلقت بعدها فى مجال كنت على اطلاع بمفرداته ومكوناته وأعلامه الثقافية، لكنى لم أمكث طويلا فى الموقع المحبب للنفس إذ أسرَّ النقيب للزميل الراحل فيليب جلاب بإبلاغى برغبته فى تنازلى عن موقعى الثقافى للزميل الراحل مجدى مهنا الذى أتى مشمّع الفتلة للنضال النقابى فأرادوا استمالته وكان ذلك على حسابى!! أجبت على كلا الزميلين زائرى تليفون الفجر بصوتى الطبيعى المجفف الذى لم يعد يحمل اعتذارا ولا امتنانا ولا ودًا ولا صبرًا ولا مواءمة ولا كظمًا للغيظ ولا ضبطًا للنفس ولا تحجيماً للانفجار، ولا تحميلا فوق قدرة الاحتمال.. أجبتهما وأنا الممتنة لانقضاء فترة مسئوليتى كنقابية عن شطحات الرغبات وغلاسة الطلبات، وقسوة اجتماعات حضر إحداها زكى بدر وزير الداخلية وقتها ليشرح لنا كمجلس نقابة الأوضاع الأمنية، وأذكر قوله أثناء إحدى المناقشات الحادة التى غادرها مجدى مهنا غاضباً بأنه لولا وجودى كسيدة وسط المجتمعين الرجال لانزلق اللسان بما لا نحمد عقباه.. أجبتهما: خلاص حصلت على الخلاص.. انتهت يا أعزائى فترة تجنيدى التى ظننتها طواعية فغدت قسرية لخدمة الزملاء.. وحرّمت يا ناس ومش حاعمل كده تانى.. عدت مخلوقة طبيعية كما بقية الخلق ليس لها أذن زيادة ولا مرارة استبن ولا كبد فوق البيعة ولا أورطى حديد ولا دماغ مصفح ولا صدر بسعة فدان.. عدت إنسانة مستأنسة غير مستنفرة ولا مصنفة ولا لىّ شِلة ولا أصفياء ولا أنا من بتوع دول ولا دول.. وعدت إلى وسادتى أكيل لها اللكمات لينخفض فى قطن تنجيدها موضع لرأس فارغ النقابية مرتب الشعر لا مستنفر البوصلات، رأس كان بالأمس القريب صندوقاً من طنين يلقى فيه كل زميل نقابى فى طريقه بشكاية برواية بمكيدة بورطة بمقلب بقصيدة بعصيدة، بنقاوة بلح، بعلبة سجائر فارغة، بفوارغ كاكولا، برقم تليفون مصدر أقيل من منصبه، بكارت رئيس مجلس إدارة أحيل إلى المعاش، ببروفة مقال فاضح غير قابل للنشر، بوجهة نظر إلحاد تزدرى الأديان، بسطور إعداد برنامج تليفزيونى صاحبه بروحين! تلك تجربتى فى نطاق مجلس كنت به من ثلاثين سنة فما بال ما يحدث الآن من معركة مجلس النقابة مع وزارة الداخلية، وما بالنا والقضية تتعلق بالعلاقة ما بين طرفى سلطة لا يمكن تجاهل دور أى منهما، وما أسهل أن تشعل معركة وما أصعب أن تنهيها، بعدما نسى كل من أدار المعركة أن الخاسر الأكبر هو الوطن، حيث لا منتصر ولا منهزم ولا رابح ولا خاسر، وإن كان كل منهما يقدم للوطن الفداء، مئات من ضباط الشرطة وجنودها يبذلون الأرواح ومع كل طلعة شمس يسقط منهم الشهداء الأبرار وكأنه أصبح روتين صباحيات الحياة الصعبة، ومن الصحفيين الشرفاء سقط الشهيد الحسينى أبوضيف وهو يفضح جرائم الإخوان وسقطت الشهيدة ميادة أشرف وهى تغطى مظاهرات عنف الإخوان.. و..عجباً من أنه بعدها تخرج أبواب القنوات المشبوهة من قلب النقابة النابض!!.. ثم إن دولة القانون تعنى الفصل بين السلطات ولا تلغى سلطة أخرى، ولا تتقاتل سلطتان كى تقضى إحداهما على الأخري، والله يمسيك بالخير يا إبراهيم نافع ويفك حصار ضائقتك فرغم أنه فى عام 1995 كان رئيسا لتحرير أكبر جريدة قومية بمفهوم لسان حال النظام، إلا أنه انحاز كصحفى ومهنى أثناء أزمة القانون رقم 93 لسنة 1995 الخاص بتغليظ العقوبات فى جرائم النشر، انحاز إبراهيم نقيب الصحفيين للمهنة ضد السلطة لكونه صحفياً حتى النخاع يدرك أهمية دور وقيمة الصحافة.. وتم إلغاء القانون وهذا لا يعنى أن الصحفيين فوق القانون إلا أن دور الصحافة يجب أن يعيه كل مسئول لتمارسه بمهنية وحرية وحرفية وأمانة وانحياز لكل المجتمع ولصالح استقرار الدولة. وللحقيقة الصادمة الآن أن القراء بالكلمات قد كفروا، وبالكتّاب قد كفروا، وبالصحافة والصحفيين وبالمانشيت والصفحة الأولى وصاحب العمود الرأسى، وبالعرض، وبالنقد، وبالتصريحات، والإعلان والنعى والكاريكاتير والصور قد كفروا.. وبجميع وسائل الإعلام قد كفروا.. وبما يحدث فى النقابة وحول النقابة قد كفروا.. ومن أعمالنا كفروا بنا، حيث لم تعد شعاراتنا بأن الصحفى ملك الشعب، وأن الكتابة ليست مجرد أكل عيش، وأن الصحافة مهنة بلا أتعاب، وأنه من العار تحول حقوقنا إلى هبات، وأن حرية الصحفى أن يكتب لحريات الآخرين، وأنه قد بات فى غالبية الصحف حرية صحفيين وليس حرية صحافة، وأن أمانة الصحفى فى أن يعبر عن ضمير الناس ويحفظ أسرارهم وهى رأس المال الوحيد الذى يتضخم دوماً مهما خوت الجيوب.. وأن ما حدث أخيرًا فى عالم صاحبة الجلالة صراع عبثى باهظ التكاليف، والاتفاق واجب على كلمة سواء فى حل يحفظ هيبة الدولة ومقامها ويحترم إرادة الصحفيين وكرامتهم وهو أمر ممكن وسهل ويسير.. فلا تغلظوا القول، ومن أشعل النار يطفيها والنقابى الدوغرى يحتار عدوه فيه.. ثم أين منا قانون الصحافة هذا الذى نسمع عنه ولا نراه منذ أعوام مرتديًا لفترة طاقية الإخفاء وفترة تخرج منه تسريبات لمواد فى حكم الموات، مع غالبية من ضيوف برامج «العاركة» كل منهم يقول لنا من موقع العالم ببواطن الأمور أنه كان أحد المشاركين فى وضع تلك البنود.. أين ذاك القانون الشبح المتكلمين عليه الموافقين عليه المتخاصمين عليه.. أين هذا القانون ليُنظمنا ويهدى سرنا ويشوف حالنا ويوسع حريتنا ويفرج عن مساجيننا ويحسن خطنا وحظنا وأسلوبنا ويرفع أعلامنا ويمسح سلالمنا ويهندس مطالبنا ويلم شتاتنا ويوحد نقابتنا؟! وألا اكتفينا واتعظنا بنعوش شهداء الشرطة الجماعية وخلفية بكاء الأرامل واليتامى والأمهات التى تقطع نياط القلوب.. وألا تكفينا الولعة القايدة فى وسط البلد التى لا يهدأ أوارها لتتقافز النيران من الرويعى للغورية للمحافظة فى دقائق معدودات بفعل فاعل، أو بفعل الريح حتى تؤجج ألسنتها فى قلوب الأسرة الصحفية بقرارات ركوب الرأس التى تضع مشعلها فى المنطقة الرمادية.. منطقة رماد الحريق!! أين قانون عام 2016 بالمقارنة بمشروع قانون قام بإعداده برلمان عام 1930 لمناقشة تنظيم الصحافة وأساليب معاملتها كتبت عنه مجلة «اللطائف المصورة» مقالا جريئا بعنوان «حرية الصحافة» فى صفحة «على المكشوف» بتاريخ 9 يونيه 1930 جاء فيه: «الحرية الصحفية فى خطر ولذلك نرى من واجبنا أن نرفع الصوت عالياً لتنبيه الحكومة الشعبية الرشيدة الجديدة إلى مضار ما يُقال إنها تعتزم وضعه من قيود تثقل الصحف المصرية.. إننا ننبه الحكومة ونعترض على المشروع الجديد لما نرى فيه من الخطر على الحرية وتقييد النشر، وأهم ما فيه على ما روته الصحف المطلعة معاقبة الصحف على توجيه النقد إلى الأغلبية البرلمانية، ومنع الصحف من نشر أى شىء عن التحقيقات القضائية، وتعطيل الصحف تعطيلا إداريا إذا خالفت ذلك لمدة أسبوعين قابلة للتمديد.. وهى قيود شديدة شاذة لم تقيد بها الصحف فى أى بلد من بلاد العالم تتمتع بنعمة الدستور وما يضمنه من الحريات. إن الحكومة الجديدة وليدة إرادة الشعب والأغلبية البرلمانية تمثل الشعب وهى منه، والصحافة هى الصلة الوحيدة بين الشعب وحكامه فلتبق طليقة حرة تقوم بواجبها فى خدمة الشعب وحكومته.. تلك كلمتنا للحكومة، أما كلمتنا للصحفيين فهى لتذكرهم بالقول الحكيم «ما حك جلدك مثل ظفرك» فعليهم أن يهتموا بعض الاهتمام بمصلحتهم وكرامتهم ويستيقظوا من رقادهم وجمودهم وليفكروا جدياً فى تأليف نقابة تدافع فى مثل هذه المواقف عنهم وتقاوم النكبات التى تنزل بهم وتُسمع الحكومة صوتهم وشكاياتهم متشبهين فى ذلك بالطهاة وصانعى الأحذية وسائقى السيارات وغيرهم من العمال.. إنهم إذا ما ظلوا على تنابذهم وتفرق كلمتهم، وإذا ما ظلوا مستعيضين عن نقابة مكرمة تجمع شملهم بمآدب شهية يشبعون فيها بطونهم وتقتصر أحاديثهم وإجراءاتهم فيها على مجاملات عادية فارغة ومشاهدات رقص البطن وهز الأرداف أو تناول مشروبات ضارة تزيد من تسميم عقولهم، فإنّا نؤكد لهم بأنهم سيظلون فى هذا البلد أحقر من عير الوتد يستهين الجميع بمكانتهم ويتفنن المشرعون فى سن القوانين لتقييد حرياتهم وإنزال النكبات بهم!.. مسكينة صحافة مصر.. مسكين من يمسك القلم فيها ليكتب بنزاهة.. إنها موضع النقمة فى كل عهد فلا يكاد يرتفع عن صدرها كابوس حتى يكون فى الجعبة ملحق له... يا نواب البرلمان الجديد لا تشرِّعوا بعد أن قمنا بانتخابكم لتمثلونا تحت القبة ما يمثِّل بنا!». تخيلوا من ثمانين سنة وأكثر قالوا عن القوية المفترية مسكينة!! ويظل قول أمير الشعراء فى قصيدته عن أحد أعلامها فكرى أباظة وردة على صدر الصحافة المصرية.. وعلى رأى المثل «إن دبلت الوردة ريحتها فيها».. قال شوقي: فكرى أذقت القوم عفو بلاغة.. حتى جمعت من الزهور كتابا تراه أرفع أن يقول دِنيَّة.. يوم الخصومة أو يخط سباباً فرعونيات صحفية بلغ الكاتب فى المجتمع المصرى القديم مرتبة التقديس حتى كان الوزير الأول يسبق اسمه عادة لقب الكاتب، وعن مكانة الكاتب كما وردت فى نص على بردية لحكيم يوصى ابنه: «أعد نفسك لتكون كاتباً وحاملا قلم المعرفة إنها أشرف وظيفة تليق بك وتقربك من الآلهة وترفع شأنك فيوم أن تنادى بقلمك شخصاً واحدًا يلبى نداءك ألف شخص إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر لأنه سيحيا فى قلوب الناس ورءوسهم تعلم كيف تحرك أصابعك القلم وكيف يحرك عقلك أصابعك فلا يخط قلمك إلا الحِكمة والمعرفة وما ينفع الناس إجعل أوراق البردى وأدوات الكتابة أصدقاءك ستجد أنهم أوفى الأصدقاء وأخلص الندماء» إخماد الحريق فى كلمة أو كلمتين نعرف سر الدنيا والآخرة.. حقا إن المخاوف كثيرة والظلمات محدقة، ولكن الله رحمن رحيم، ينشر عنايته الإلهية فتحيط بكل شيء، وقد يسَّرَ لنا مفتاح الأمن والأمان.. بالآية نتلوها. بالصلاة نقيمها. بالصوم نتقرب به إليه. فتصفو الدنيا وتحلو وتهب الخير والبركة، ويتقهقر إبليس وجيوشه وننتظر هناك الجنة ونعيمها.. ولا بأس من أن نستزيد الأمان بزيارة مريض، أو إطعام مسكين، أو بإخماد الحريق إذا ما نشب الخلاف.. ما أيسر السعادة فى الدارين لمن يشاء». نجيب محفوظ مصطفى الفقى.. فقط! الدكتور مصطفى الفقى نقطة ضوء ساطعة فى حياتنا المصرية.. الرجل الموسوعة بلا خصخصة، والمسلم بلا ازدراء للأديان، والقاضى بلا منصة، والناقد بلا تحيز، والمتذوق بلا حُجب، والحاضر الذى لا يغيب عن الحدث ليُدلى برأى له مصداقيته وحداثته.. المحتفى به فى جميع الأوساط والمجالات والمؤتمرات والندوات والاحتفالات العامة والخاصة.. الصوت الذى يعلو على صوت أى معركة.. لسان حال العرب فى أى محفل يتطاول فيه الغرب على العرب.. رمانة الميزان التى لا تميل فى يد من يمسك بالميزان.. الشامخ الذى تَلبسه كرامته، وفى تجاهله غير المقصود ثورته.. المطل على المشهد من أعلى لتسجيل من أين تأتى رياح التفكير والتغييروالتأصيل والتأويل والتخوين والتكفير.. الفكر المتوازن للوصول إلى لب الحقيقة.. القول الفصل فى القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية والفنية والأدبية.. الراصد لجديد اللوحة والكتاب والقصيدة والمسرحية والغنوة الشبابية.. صاحب الرؤية والقلم والميكروفون والشاشة، وصاحب صاحبه.. الجالس تلميذًا على تختة واحدة مع عمرو موسى وعبدالرءوف الريدى لتخرج التختة لمصر أعمدة دبلوماسيتها.. من يغمض عينيه فى مقعده المتوارى خلال النقاش المحتدم فتظن بالرجل مجهدًا نائماً، وإذا به فى اللحظة الحاسمة التى حسبت لها خلايا مخه اليقظة حساباتها وأعلنت توقيتها ينتفض ماردًا متأججاً نشطاً معبرًا بقول تصاحبه شارات يديه وتقطيبة جبينه من خلف نظارته ليُفند جميع النقاط التى طُرحت مسبقاً هناااك على المنصة خاتماً بالنتائج المرجوة.. هذا الرجل عندما أراه أنجذب لدائرته، وعندما أسمعه أُنصت وأصدق، وعندما أحكِّمه أرضى بحكمه، وعندما أدعوه أنا وغيرى يُلبى الدعوة بطيبة وعن طيب خاطر بلا حجج مجهزة ولا مسافات صادمة، وعندما يروى مشاهداته يضيف لى الكثير والجديد عن تاريخ مصر الحديث وكواليس الأحداث التى عاش فيها مشاركاً أو متفرجاً... الفقى كنز المعلومات المتدفقة الذى حجبه تدفقه عن الجلوس فى مكانته الطبيعة التى يستحقها عن جدارة ليظل أبدًا المتمركز فى مركز ال«قاب قوسين أو أدنى» من أى مركز فأهل الشر دائماً له ولنا بالمرصاد.. ونظل نفتش بإبرة فى أكوام القش عن الجدارة، ونسأل الاستنارة، ونلوم الجهالة.. هل هناك كثير مثل الفقى بينما الرجال قليل؟!!.. إن جدارته ليست فى موضوعيته فقط، ولا فى أستاذيته فقط، ولا فى وطنيته فقط، ولا فى عروبته فقط، ولا فى دبلوماسيته فقط، ولا فى عمادته لجامعة فقط، ولا فى سفارته ممثلا عن بلاده فقط، ولا لحكمته فقط، ولا فى حديثه التليفزيونى الشجى فقط.. ولا فى أى فقط... لأنه.. فقط.. مصطفى الفقى! [email protected] لمزيد من مقالات سناء البيسى