قبل مائة عام من اليوم، قضت المحكمة بفسخ عقد زواج السيدة صفية السادات سليلة العائلة الكبيرة وصاحبة الحسب النسب ، من الشيخ على يوسف رئيس تحرير جريدة المؤيد واحد اشهر الصحفيين في عصره. لم تشفع وقتها لرئيس التحرير الشهير علاقاته بالوجهاء و السياسيين ولا صداقته للخديوى ولا حتى توجهاته الوطنية وقربه للمصلحين ، بل جاء في حيثيات الحكم ان الزواج بين الطرفين ( على وصفية ) تم بدون تكافؤ، حيث يعمل الزوج بالصحافة وهى مهنة وضيعة تقوم في اساسها على الجاسوسية و افشاء اسرار الناس ونشر اخبار حقيقية بعض الاحيان وكاذبة في احيان اخرى بما يخالف شرع الله (!) الغريب ان رئيس التحرير المقصود؛ نشر ذلك الحكم القضائى في صدر صحيفته،ثم كافح باستماتة حتى نجح في رد زوجته لبيت الزوجية بعد استرضاء والدها و موافقته وعمل عقد زواج جديد . وبمثل هذا الكفاح المستميت قام الصحفيون المصريون، عبر سنوات طويلة ، بالدفاع عن مهنتهم وسمعتهم وجدارتهم ، متوسلين لذلك بالعمل الجاد المخلص والتضحيات المتوالية، مع انحيازهم لقضايا المجتمع، والاولويات الوطنية ، حتى اقتنع الناس ان العمل الصحفى مهم وجزء اساسى من حريتهم،ولمسوا ان له دور حقيقيا فى تحسين حياتهم ،وتحقيق امانيهم ،والتعبير عن مصالحهم وافكارهم، خاصة فى الفترة التى عانت فيها مصر مظالم الاحتلال والفقر والقهر السياسى . وقد حدث ايضا قبل مائة عام ان خرج اهالى بولاق البسطاء يهتفون ( عاش كفاح الصحفيين ) بعد صدور قانون المطبوعات المقيد لحرية الصحافة،بسبب ان الناس احست وقتها بالتوحد مع الصحفى ، وانهم بدفاعهم عنه يدافعون في الحقيقة عن انفسهم وحقوقهم ومستقبلهم الذى تحميه حرية الصحافة . الآن وتقريبا في نفس المكان ، في القاهرة اقرب ما يكون من بولاق ، تجددت المظاهرات و تكرر الهتاف( عاش كفاح الصحفيين) لكنه للاسف ليس هتاف الناس وأنما هتاف الصحفيين لانفسهم كمن يغنى ويرد على نفسه !!. ما هو المفرح وما هو وجه البطولة والانجاز في ان تهتف لذاتك ؟ وتسمع وتستمتع وحدك بصوتك ؟ و تنظر في مرآتك فتنبهر من لون شعرك وجاذبيتك وجمالك ؟!!. فى التصعيد الاخير بنقابة الصحفيين الذى تحمس له اكثر من ألف صحفى ؛ استفزهم و اغضبهم سابقة دخول قوات الامن مبنى النقابة و القبض على اثنين من العناصر المطلوب ضبطها و احضارها بإذن من النيابة ؛ مما ظهر ان الصحفيين في وادى و الناس في واد اخر بعيد ؛ لا يسمعه ولا يراه جنرالات الصحافة ؛ المناضلون باسم الحريات المشغولون بالسابقة غير المسبوقة التى ادت لاشتباكات ؛ المتحدثون بحماس عن التظاهرات و اليفط والشعارات و ازمة التطبيع وسلالم التعبير و انه انتهاك خطير .. !. فى اثناء ازمة نقابة الصحفيين الاخيرة ، تمادى وتفنن البعض في كتابة مقالات تفيض بكبرياء انوى نادر وهى تتغزل في مواهب الصحفيين المتعددة ، ومآثرهم الفتاكة و قدرتهم على فعل المعجزات ، وتقديم ما لم يأت به الاوائل .فى حين خرج صحفيون آخرون يتحدثون في التليفزيون عن ان نقابتهم بالذات كعبة و قدس الاقداس ، وانهم غير كل الناس ، لهم الجدارة والصدارة و فاهمين الدنيا واساتذة في القانون وجبابرة في التاريخ وجهابذة في السياسة وخادمين البلد ومحسنين العيشة ، واقل ما فيها ان تكن على راس كل صحفى ريشة ! و قد كان كل ذلك كفيلا برفع درجة حرارة الغيظ والاستفزاز عند الناس ، و اللافت هذه المرة،ان جمهور القراء والمتابعين والناس البسطاء والمتعلمين والمثقفين ، لم يعنهم من امر الصحفيين و اشتباكاتهم واجتماعاتهم و هتافاتهم وخلافاتهم اى شىء ،فلا توحدوا معهم ولا دافعوا عنهم ، بل على العكس كثير من الناس هاجموهم واتهموهم بالغطرسة والانانية والافتعال ، واحسوا بأحباط شديد بسبب سرعة التصعيد ، الذى تسببوا فيه بين مؤسسات الدولة، غير مبالين باستقرار او اقتصاد ؛ او صورة مصر بالخارج ( و الناس تعبانة وحالها يغنى عن سؤالها) . وبعيدا عن تبادل تهم الغباء السياسى بين الصحفيين و الداخلية ، بدى الصحفيون المحتجون المتظاهرون امام الناس فى اثناء تلك الازمة و كأنهم يقلبون عليهم الاوجاع و يزيدون عليهم اثقال الاحباط ويعيدون الذكريات غير السعيدة لازهى ايام الغضب والخراب و الفوضى . هل يستحق الناس في مصر ذلك من الصحفيين و الاعلاميين ؟ . يقول الناس انك خنت عهدى .. ولم تحفظ هوايا ولم تصنى وما انا بالمصدق فيك قولا ولكنى شقيت بحسن ظنى ! على طريقة الست ام كلثوم قامت ثورة الشك ضد الوسط الصحفى، و انخفض معدل الثقة في الاعلام لدرجة ، قد تجعل الصحفيين قريبا، يسألون سؤال امريكا الازلى ، بعد 11 سبتمبر. ( لماذا يكرهوننا ؟). ولهذا السؤال في مصر عشر اجابات على الاقل ؛ يستحسن ان ننتبه اليها الآن و قبل فوات الاوان : أولها ان كثيرا من الناس صارت تكره الصحفيين بعدما رأتهم هم انفسهم يكرهون بعضهم بعضا ويمارسون حملات التشهير والحقد و التهديد ضد بعضهم بعضا ويعايرون ويفضحون بعضهم بعضا ، علنا في الفضائيات وعلى الهواء مباشرة ثانيها : ان قضايا الفساد شملت في الفترة الاخيرة اسماء شهيرة في الوسط الصحفى ، تصالح بعضهم بدفع ملايين الجنيهات لجهاز الكسب غير المشروع قبل الافراج عنه ، وعلى سبيل المثال يقدم احدهم برنامجا عن مافيا الاستيلاء على اراضى الدولة ثم يظهر بعد ذلك انه عضو مؤسس في (عصابة خضرا الشريفة لتسقيع وبيع اراضى الدولة ) !. ثالثا : من يوم انتشر الصحفيون في الفضائيات وهم يشعرون انهم يقودون الحشود و يصنعون الثورة في الميادين و يغيرون التاريخ و قد اعطاهم ذلك فيما بعد 25 يناير و30 يونيو لهجة استعلائية حتى على رجال الاعمال اصحاب القنوات انفسهم وطبعا تجاه اكبر مسئول في اى ملف او وزارة او سفارة ، واحدث ذلك ازمات دبلوماسية و اقتصادية وسياسية عنيفة لمصر ؛ واحسها الناس ورفضوها وسخروا من الصحفيين و الاعلاميين بطريقتهم وبالخصوص على وسائل التواصل الاجتماعى، التى اخترعت اصطلاح ( اعلام العار) ، وفى سابقة هى الاولى من نوعها نشرت صور عدد من الصحفيين في جداول مثل المشتبه بهم و المطلوبين في قضايا القتل و الاغتصاب و السرقة بالاكراه . رابعا : دخل الصحفيون في صدام مباشر مع الشارع المصرى مع وصول لهجة الاستعلاء عند بعضهم في الفترة الاخيرة لحد التطاول على شخص رئيس الجمهورية و التحريض ضده او طلب اعتذاره شخصيا في اكثر من مناسبة لا علاقة له بها ، آخرها طلب اعتذاره للسادة اعضاء نقابة الصحفيين المبجليين مع عزل وزير الداخلية كشرط اساسى ومبدأى و الشرط النور ؛ كى يرضى الصحفيون من بعد ذلك و ينشرون مقالاتهم الممتازة ، و اخبارهم الاخاذة، و لا يحرمون مصر من نعمة عملهم اليومى الذى قد يشتمل عطفا ولطفا ، نشر صور الوزير الجديد و صور ضباط الشرطة في الامن العام أومكافحة الارهاب أو الادارة العامة للمرور !. خامسا :( انه انتهاك خطير لحرية التعبير ) ! جعل البعض من هذه الجملة شعارا مبتذلا معلبا وسابق التجهيز أو سريع التحضير؛ في كل مكان ووقت؛ ليتم استخدامه و استغلاله عند كل مناسبة وحادثة ومصيبة و في كل صغيرة و كبيرة ؛ لادانة مصر وإحراجها دوليا و ضرب مصالحها في مقتل و ابتزاز النظام ( بكل الطرق و الكبارى) بغرض الحصول على امتيازات مادية وعينية اوعابرة للقارات على الطائرة الرئاسية .. وتستخدم هذه الجملة ايضا للحصول على حصانة ( ليس لها اى مبرر درامى ) تحمى الصحفيين بالذات ضد كشف الحسابات ؛ و السؤال عن مصادر و اسباب التمويل والمنح و الاعلانات ، المدفوعة باليورو او بالريال بالقطرى او بالدولارات . يتبقى في القائمة خمسة اسباب اخرى للزهد في الاعلام و كراهية الصحفيين : - الصحفى ( القائم بأعمال المعددة والندابة) المغرق في التشاؤم والسواداوية ؛ المتفانى في تحطيم الروح المعنوية. - الصحفى المتصيد لاخطاء البشر ؛ المبالغ في الهجوم و الشماتة ؛ المغالى في الخصومة والعداوة ؛ يقدم آراءه الشخصية كما لو كانت هى عين الحقيقة ( و نفسه يولعها حريقة ) ! - الصحفى المعارض للابد الذى لا يعجبه العجب ولا شعبان ولا مرسى وحسنى و لا رجب. - الصحفى سىء السمعة الذى يمارس الابتزاز المادى و السياسى لغرض و الغرض مرض . - الصحفى المهرج لحد الاسفاف يشعر من يتابعه بملل يصل حد الاحباط .. افكاره معادة و متكررة على مدى السنوات واهم اولوياته الاثارة من اجل الاعلانات. انتهت الاسباب التى اعرفها .. هل لديكم اسباب اخرى ؟؟؟.