أمنحوتب الرابع أو إخناتون - كما سمى نفسه - صاحب أول ثورة فى التاريخ الإنسانى على الأعراف والتقاليد والدين. انقسم بشأنه المؤرخون وتباينت إزاءه الآراء؛ فالبعض ارتفع به إلى مرتبة القديسين والأنبياء والمُبشّرين والبعض الآخر انحط به إلى درك المهرطقين والشواذ والمجانين. غير أن هذا الكتاب لا يهدف إلى كتابة تاريخ جديد لهذا الملك الاستثنائى فى تاريخ مصر القديمة؛ وإنما هو كتاب ينظر إلى إخناتون من زاوية أخري، هى زاوية الأدب؛ الأدب الذى استلهم شخصية إخناتون وحياته شعراً وقصةً وروايةً، فى الأدب المحلى والعالمى على السواء. فشخصية مثل شخصية إخناتون وما لابس حياته ومماته من غموض وما تركه من أدب ونحت وأناشيد، فضلاً عن الثورة التى قام بها والتغيير الجذرى الذى استهدف أن يُحدثه؛ كل ذلك جعل من هذا الفرعون شخصية فنية فى المقام الأول، كما جعل من حياته مادة ثرية للأدباء والشعراء والمسرحيين يسعون إليها لاستلهامها وتوظيفها. فتكوّنت لدينا مكتبة أدبية كاملة من الممكن أن نطلق عليها «أدب إخناتون». هذه المكتبة ضمت أسماء مثل نجيب محفوظ وعلى أحمد باكثير وأجاثا كريستى وألفريد فرج ومحمد المنسى قنديل ومهدى بندق وغيرهم فى مصر وخارجها. كل أديب منهم قرأ عن إخناتون وأعجب به وبأناشيده وجرأته وثورته غير المسبوقة فى التاريخ الإنساني، ثم ترجم إعجابه هذا إلى عمل أدبى جميل أمتع القراء وقدم لهم هذا الفرعون الشاب فى صورة. وينقسم هذا الكتاب, الذى قدم له د. عبد الحليم نور الدين, إلى جزءين: الأول بعنوان «إخناتون فى التاريخ», وهو مقدمة تاريخية موجزة لأهم مراحل حياة ذلك الفرعون، وأبرز الآراء التى قيلت بشأنه والجديد الذى جاء به, وذلك فى ضوء ما قاله علماء المصريات مثل هنرى برستيد ودونالد ريدفورد وأدولف إيرمان وسيريل ألدريد وأحمد بدوى وسليم حسن وعبد الحليم نور الدين. أما الجزء الثاني, وهو لب الموضوع فى هذا الكتاب, فجاء تحت عنوان «إخناتون فى الأدب». وهو يعرض للأعمال الأدبية التى تعرضت لهذه الشخصية المثيرة فى الأدب المحلى والعالمى والأدب حين دخل فى علاقة مع التاريخ. كانت هذه العلاقة مشروطة بشروط الإبداع الأدبى ومقاييسه التى تفرض على الأديب دوماً ألا يتقيد بالحقائق التاريخية كما هي, وإنما يترك له الإبداع مساحات من الحرية ليعيد صياغة الشخصيات والأحداث التاريخية، حتى تخرج فى ضوء جديد، تختلف بَعده عن أصلها التاريخى قرباً وبعداً. ومناط الحكم على المبدع هو التزامه بالحقيقة الفنية لا التاريخية؛ أى التزامه بشروط النوع الأدبى الذى يكتب فيه، وهو ذات المعنى الذى عبّر عنه الاديب الفرنسى ألكسندر ديماس حينما قال: «لا بأس أن تعتدى على التاريخ بشرط أن ينجب منك ابناً جميلاً». وهو ما سيجده القاريء فى التحليل النقدى “لأدب إخناتون” الشعرى والروائى والمسرحى والقصصي، حيث كانت لكل أديب رؤيته الخاصة لإخناتون ومنظاره الخاص الذى رأى به هذه الشخصية العجيبة فحذف فى تاريخها وأضاف إليه بما يضيف الى عمله الإبداعي. فلدينا فى الرواية رواية عادل كامل المحامى «ملك من شعاع» وهى أول رواية كُتبت عن إخناتون عام 1941 ثم رواية نجيب محفوظ «العائش فى الحقيقة» عام 1985. وكان محفوظ قد تناول إخناتون فى عدد من القصص القصيرة وفى كتابه «أمام العرش»، ثم رواية محمد المنسى قنديل «يوم غائم فى البر الغربى». أما فى المسرح فكانت المسرحية الشعرية »إخناتون ونفرتيتي» لعلى أحمد باكثير هى أسبق الأعمال الإبداعية تاريخياً عن شخصية إخناتون عام 1938 ثم مسرحية أحمد سويلم «إخناتون» ثم مسرحية مهدى بندق «آخر أيام إخناتون».وفى المسرح النثرى مسرحية واحدة لألفريد فرج هى «سقوط فرعون» ثم عرض الكتاب لمسرحيتين من الأدب العالمي، الإنجليزى تحديداً، وهما: مسرحية إخناتون للكاتب الإنجليزى أدليدان فيليبوتس، ومسرحية «إخناتون» للكاتبة الشهيرة أجاثا كريستى وهذه المسرحية هى العمل الأدبى الوحيد غير البوليسى الذى كتبته صاحبة أشهر روايات بوليسية فى العالم. الكتاب: إخناتون بين الأدب والتاريخ المؤلف: د. خالد عاشور الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب