فى موقف انسانى نبيل يثبت أن الرحمة هى الوجه الآخر للعدل لقن حكم محكمة القضاء الادارى بالإسكندرية - الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة - درسا فى الإنسانية للمسئولين عن الشئون الاجتماعية بوزارة التضامن وارست مبدأ جديدا لصالح المعاقين ذهنيا بصفة مستقلة عن معاش أسرهم وألزمت الدولة بصرف مساعدة ضمانية شهرية للمعاقين ذهنيا. وأكدت المحكمة على أن أموال المعاقين ذهنيا لا يجوز الحجز عليها وألزمت وزارة التضامن بدفع 19 ألف جنيه لمعاقة ذهنيا حرمتها من معاشها الضمانى مدة 5 سنوات متصلة، كما أكدت على أن المساعدة الشهرية الضمانية للمعاقين ذهنيا ليست منحة من الدولة تقبضها أو تبسطها وفق إرادتها بل هى حق وشرف لمن يلتمس الطريق إليه فلا يغمطون حقا ولا يحرمون أملا, أن للمعاقين حقوقا ينبغي ضمانها، بوصفها أساسا مشتركا للتدابير الدولية والوطنية، يندرج تحتها حق المعاقين الأصيل في صون كرامتهم الإنسانية، وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية، ودون إخلال بتمتعهم بالحقوق الأساسية التي يمارسها غيرهم من المواطنين الذين يماثلونهم عمرا وانه يجب ألا تخل الحقوق الدستورية المشتركة بين الأسوياء وغيرهم بتلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار. بداية القضية ترجع خلفيات وقائع القضية عندما قطع وكيل وزارة التضامن بمحافظة البحيرة معاش فتاة معاقة ذهنيا البالغ 215 جنيه شهريا فقط، بل طالبها برد 4 ألاف جنيه قيمة معاشها التى صرفته مدة خمس سنوات سابقة، ثم قرر إضافتها إلى معاش أبيها الزهيد البالغ 240 جنيه شهريا، واشترط لاستحقاقها المعاش الضمانى زواجها أو بلوغها سن الخمسين، ووصفت المحكمة فى حكمها التاريخى تصرف وكيل الوزارة بأنه عدوان على حقوق المعاقين ذهنيا طبقا للمواثيق الدولية وغمط لحقوقهم الضمانية وبغى على كيانهم الانسانى، وأبطلت المحكمة مطالبة وكيل الوزارة للمعاقة ذهنيا برد مبلغ 4 ألاف جنيه تم صرفها لها وقررت لأول مرة أن أموال المعاقين ذهنيا لا يجوز الحجز عليها, كما أكدت على أنه من حق المعاقين صون كرامتهم الإنسانية وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية أو الاستغلالية. وأكدت المحكمة على أن وزارة التضامن هى الوزارة التى يجب أن تؤهل من يعتلى ارفع مناصبها بنوازع الخير استجابة لواقع المعاقين ذهنيا لمواجهة عجزهم لا أن تغمطهم بقرارات جائرة منهية عنها فى الدستور مثلما كشفت عنه هذه الدعوى وهى الفتاة التى وصفتها المحكمة بأنها لا تملك لإعاقتها دفعا أو تصويبا. حكم تاريخى وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بالبحيرة رقم 3442 لسنة 2012 فيما تضمنه من وقف المعاش الضمانى المقرر لشقيقة المدعى القيم عليها الفتاه سناء محمد محمد مبارك المصابة بتخلف عقلى شديد وافه عقلية من نوع العته اعتبارا من 1/2/2010 بحجة استحقاقها له عند زواجها أو بلوغها سن الخمسين عاما وعدم استحقاقها المعاش بصفة مستقلة وفيما تضمنه أيضا من ضم اسمها إلى معاش أبيها المسن الذى يتقاضى معاشا شهريا زهيدا مقداره 240 جنيها شهريا, وما يترتب على ذلك من أثار اخصها: اولا: الزام وزارة التضمان الاجتماعى بمنح المدعية متجمد المعاش الضمانى المقرر بمبلغ 215 جنيها شهريا الذى اوقف عن الفتاه المعاقة ذهنيا المذكورة اعتبارا من 1/2/2010 حتى 30 / 12/ 2013 والبالغ مقداره 10,108 جنيها عشرة الاف ومائة وثمانية جنيهات. ثانيا: الزام وزارة التضامن الاجتماعى برفع قيمة المساعدة الشهرية الضمانية ( المعاش الضمانى سابقا ) من مبلغ 215 جنيها شهريا الى مبلغ 323 جنيها شهريا اعتبارا من 1/1/2014 اعمالا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 375 لسنة 2014 والزام الادارة بصرف المبلغ المتجمد المستحق لها اعتبارا 1/1/2014 التاريخ الذى يبدأ فيه سريان قرار رئيس الوزراء حتى تاريخ صدور هذا الحكم فى 18/4/2016 هو 8,915 ثمانية الاف وتسعمائة وخمسة عشر جنيها. ثالثا : الزام وزارة التضامن الاجتماعى بصرف قيمة المساعدة الشهرية الضمانية لشقيقة المدعى اعتبارا من تاريخ صدور هذا الحكم بقيمة 323 جنيها شهريا مالم يتم زيادتها بقرار جديد لرئيس مجلس الوزراء فتعامل به ودون التوقف على الشرط الباطل لتلك الوزارة بزواجها او بلوغها سن الخمسين عاما . رابعا : بطلان مطالبة وزارة التضامن الاجتماعى لشقيقة المدعى بمبلغ 4225 جنيها جملة ما تم صرفه لها المدة من 1/2/2010 حتى 30/9/2012لمخالفته للقانون مخالفة صارخة الذى لم يجز مطالبة المعاقين ذهنيا بمبالغ تم صرفها لهم بموجب قانون الضمان الاجتماعى أو الحجز عليها , وألزمت الجهة الإدارة المصروفات. سند دستورى استندت المحكمة فى حكمها على أن الدستور المصرى جعل لكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى بما يضمن له حياة كريمة وعلى قمتهم المعاقين ذهنيا، و قالت المحكمة أن المشرع الدستورى المصرى جعل لكل مواطن – ومن بينهم بلا ريب الأشخاص ذوى الإعاقة بمختلف أنواعها وأشدهم وطأة المعاقين ذهنيا - لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى الحق فى الضمان الاجتماعى بما يضمن له حياة كريمة إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه وأسرته, وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة, يخولهم تلك الحقوق التي يقوم الدليل جليا على عمق اتصالها بمتطلباتهم الخاصة، وارتباطها بأوضاعهم الاستثنائية، لتعيد إليها توازنا اختل من خلال عوارضهم, وتلك هي العدالة الاجتماعية التي حرص الدستور على صونها لكل مواطن توكيدا لجدارته بالحياة اللائقة وانطلاقا من أن مكانة الوطن وقوته وهيبته، ينافيها الإخلال بقدر الفرد ودوره في تشكيل بنيانه ومن ثم فان قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم بالتالي أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال من الحقوق قدرا منها يكون بها - عدوانا - أكثر علوا, بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق. وعقب النطق بالحكم لم يصدق الحاضرين بالقاعة من جمهور المتقاضين الإحساس الربانى الذى اودعه الله فى قلوب المعاقين ذهنيا الذى تجسد فى فرحة المعاقة ذهنيا بابتسامتها وكأنها تشعر بان حقها عاد إليها وان المحكمة نطقت بالحق لصالحها وهو ما ابكى من كان فى قاعة المحكمة وحقا الرحمة – كما أكدت المحكمة – هى الوجه الآخر للعدل.