فى يوم السبت الموافق العاشر من إبريل الماضي، فوجئ الشعب المصرى من خلال بيان صادر عن مجلس الوزراء بأن جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان بعد أن كان قد استقر فى وجدان المصريين على مدى أجيال متعاقبة أنهما مصريتان. الجزيرتان هما جزء من ارخبيل يضم معهما صخورا وشعابا مرجانية يعترض طرق الاقتراب من مدخل خليج العقبة، الذى لا يزيد اتساعه فى أضيق نقطة اختناق على سبعة أميال، وذلك فيما بين رأس الشيخ حميد على الساحل السعودى ونبق على الساحل المصري. وتحصر الجزيرتان الممرات الملاحية فى ثلاث ممرات أحدها شرقى فيما بين رأس قصبه على الساحل السعودى وصنافير باتساع قدره 5,4 ميل وآخر فى الوسط بين صنافير وتيران واتساعه أقل من ميلين ثم ممر ثالث جهة الغرب ينحصر بين تيران ورأس نصرانى على الساحل المصري. والذى يبلغ عرضه 7.3 أميال. وبسبب انتشار الشعاب المرجانية والصخور وضحالة الأعماق، فإن الممر الوحيد الصالح لحركة السفن ذات الغاطس الكبير هو الممر الغربى والذى يعرف بمضيق تيران. وإن كانت الشعاب المرجانية تستقطع أكثر من نصف عرض هذا المضيق. وقد أوضح بيان مجلس الوزراء أن «الرسم الفنى لخط الحدود البحرية الذى تم تعيينه أسفر عن وقوع جزيرتى تيران وصنافير داخل المياه الإقليمية السعودية». وقد وقفت أمام هذه العبارة طويلا. فوقوع الجزيرتين فى نطاق البحر الإقليمى وإن كان من المعايير الدولية المستقرة لبيان تبعية الجزر، إلا أن هذا المعيار لا يصلح أن يكون سندا فى حالة الدول المتقابلة أو المتجاورة وإلا اعتبرنا (تيران) مصرية لأنها تقع فى نطاق البحر الإقليمى لمصر. والصحيح أن أرخبيل تيران وصنافير يشكل جزءا من الرف أو الامتداد القارى continental shelf لشواطئ الإقليم البرى للسعودية، فهذا هو المعيار الذى يستند إليه لحسم الادعاءات الخاصة بالسيادة على الجزر فى حالة الدول المتقابلة أو المتجاورة على ألا يكون هناك تداخل بين هذه الامتدادات أو الرفارف القارية. إذن تبعية تيران وصنافير للسعودية مستمدة أساسا من فكرة الامتداد الجغرافى الطبيعى وليس من خلال فكرة المياه الإقليمية السياسية الافتراضية. وقد دأبت المملكة على تأكيد هذه التبعية الجغرافية الطبيعية للجزيرتين من خلال الخريطة التى قامت المساحة العسكرية السعودية بإصدارها بمقياس 1 : 000,1000 ، وفيها تظهر الجزيرتين داخل نطاق الرف القارى للسعودية والذى يمثل خط الأعماق 200 متر حده الخارجي، إذن ليس التحديد الفنى للحدود البحرية الذى تم بأحدث أجهزة القياس ولا معيار البحر الإقليمى هما أسانيد حسم مسألة السيادة على الجزيرتين لمصلحة السعودية وإنما هناك اعتبارات أخرى ليس من بينها الأسانيد التاريخية. فالجزيرتان لم تحظيا باهتمام المصادر التاريخية إذ لم يكن لهما ثقل إقليمى كمحطات بحرية أو مراكز تجارية فى حوض البحر الأحمر، سواء لعدم توافر مقومات الاستقرار البشرى فيهما أو لافتقار سواحلهما الصخرية المستقيمة للمرافئ الطبيعية. وعلى ذلك يمكن القول إن المركز القانونى للجزيرتين والذى يحسم مسألة السيادة لم يكن واضحا وقاطعا فى المصادر التاريخية والجغرافية. ثمة اتفاق بين المصادر المتاحة على أن المركز القانونى للجزيرتين والمتعلق بتبعيتهما للسعودية لم تتضح معالمه إلا بعد أن أصبح لإسرائيل وجود على شواطئ خليج العقبة عام 1949، وربما يعود ذلك الى أن فقهاء الإسلام كانوا يعتبرون الجزر القريبة من الدول الإسلامية تابعة لها بشكل تلقائي. وبدأت تتضح معالم المركز القانونى تحديدا بعد موافقة الملك عبد العزيز آل سعود فى مطلع عام 1950 على وضع الجزيرتين تحت تصرف مصر بناء على طلبها وذلك لتمكينها من استخدامهما كمرابض للمدفعية الساحلية الثقيلة فى المواجهة العسكرية المحتملة مع إسرائيل. وقد تم هذا الاتفاق غير المكتوب ولا المشروط فى إطار مساع حميدة قام بها عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية. وقد تأكد هذا الأمر من خلال المذكره التى بعثت بها الخارجية المصرية فى يناير عام 1950 إلى السفارتين الأمريكية والبريطانية بالقاهرة. منذ ذلك التاريخ، توالت المذكرات الرسمية التى تؤكد تبعية الجزيرتين للسعودية. وعقب احتلال إسرائيل تيران وصنافير بعد حرب 1956، سارعت السعودية فى إبريل 1957 بتسليم مذكرة للسكرتير العام للأمم المتحدة جاء فيها أن المضايق والمياه المحيطة بجزيرتى تيران وصنافير تعتبر خاضعة للمملكة العربية السعودية. وبعد حرب 1967 واحتلال إسرائيل للجزيرتين، قامت مصر هذه المرة بتسليم مذكرة للأمم المتحدة تؤكد فيها أن إسرائيل احتلت جزيرتى تيران وصنافير السعوديتين. وعقب توقيع معاهدة السلام فى 26 مارس 1979، زادت مطالبات السعودية للحكومة المصرية بتسليم الجزيرتين، لاسيما بعد تصاعد حدة الضغوط من جانب المعارضة السعودية واتهام حكومتها بالتفريط فى الجزيرتين وتخاذلها عن استردادهما. أما فيما يتعلق بمن يدعى ملكية مصر للجزيرتين استنادا إلى ممارستها السيادة الفعلية على الجزيرتين لمدة تزيد على نصف قرن، فأقول إن تفعيل هذا المعيار يرتبط بشرط ألا وهو أن تكون هذه الممارسة قد تمت على نحو مستمر وهادئ وهذا هو الشرط الذى لم يتوافر بالنسبة لسيادة مصر الفعلية على الجزيرتين، فقد تخلل هذه الفترة الطويلة نسبيا فترات انقطاع عقب حرب 1956، 1967، كما أن وضع مصر يدها على الجزيرتين كان محل نزاع مستمر سواء من جانب المملكة العربية السعودية أو اسرائيل. بناء على ما تقدم فإن قيام مصر بتسليم الجزيرتين للمملكة لا يعد تنازلا أو تفضلا من جانبها وإنما هى أمانة ردت إلى أهلها، بعد أن وضعتها المملكة تحت وصاية مصر دون اتفاق مكتوب أو مشروط ووسط أجواء تخيم عليها روح المودة والإخاء. كاتب هذا المقال كان أحد أعضاء فريق الجمعية الجغرافية المصرية المكلف بإعداد دراسة عن الوضع الجغرافى السياسى للجزيرتين، منذ عدة سنوات، فى وقت كانت تتأهب فيه مصر للدخول فى مفاوضات تعيين الحدود البحرية مع السعودية. لمزيد من مقالات د . محمود توفيق