هذه مبادرة قامت بها دار نشر توجب علينا تحيتها. إصدار الأعمال الكاملة لإحسان عبد القدوس. الذى ظلمناه حياً. ونسيناه ميتاً. ورغم أن الدار قطاع خاص. إلا أن رواية أنا حرة. اشتريتها من مكتبة بمدينة نصر. ب 22.5 جنيه. ثمن زهيد بالنسبة لفخامة الطباعة. سعر الرواية يقترب من أسعار كتب الهيئة المصرية العامة للكتاب الذراع الثقافية لمصر فى النشر الآن. والإخراج والغلاف رسمه عمرو الكفراوى. الذى أصبح علامة فى الإخراج والتصميم. وهو نجل صديقنا وابن جيلنا القاص سعيد الكفراوى. ولست أدرى لماذا دونوا اسم عمرو على الصفحة الأخيرة وببنط صغير. وببنط يصعب قراءته. إلا بنظارة مكبرة. مع أن غلافه أول ما يطلعك فى الكتاب. كان من عادة إحسان عبد القدوس أن يكتب مقدمة لرواياته عند نشرها فى كتب. عادة وجدناها عند غيره من أبناء جيله من القصاصين والروائيين إلا نجيب محفوظ. لم يفكر أبداً فى كتابة مقدمة لأى من رواياته. حتى عندما كانت هناك ضرورة لذلك امتنع نجيب محفوظ عن كتابة المقدمة. عندما أجبره يوسف السباعى على تغيير عنوان روايته: القاهرة الجديدة. فى طبعتها التى نشرت فى سلسلة الكتاب الذهبى الذى كان يصدر عن نادى القصة. كان النشر بعد ثورة يوليو. وقد خشى السباعى أن يفهم خطأ وصف القاهرة بالجديدة. خصوصاً بعد الأوضاع الجديدة التى كانت فى القاهرة. فغيَّر عنوان الرواية فى هذه الطبعة الوحيدة. إلى: فضيحة فى القاهرة. عادة كتابة مقدمات للروايات انقطعت عند الأجيال اللاحقة. لسبب بسيط أن المبدع تصور ومعه الحق أن ما يريد إيصاله للقارئ. يوجد عبر نصه. وأن محاولة الشرح تبدو خارج النص. تعنى أن الكاتب لم يستطع وضع القارئ فى أجواء عمله عبر نصه الأدبى. لذلك قرر أن يقدم ما يشبه هوامش على النص. ما علينا. نعود لرواية إحسان عبد القدوس وما كتبه فى تقديم الطبعة الأولى التى نشرها الناشر دون تدوين تاريخ صدورها الأول عليها. يعترف إحسان بأنه لم يتعرف على نفسه بين أبطال روايته. مع أن القصة منتزعة من حياته فى حى العباسية الذى عاش فيه. وأبطالها شخصيات عرفها فعلاً. عبَّرت عن آراء آمن بها ولا يزال يؤمن ببعضها. وأتصور أن الروائى لا يجبر أبطاله على التعبير عن الآراء التى يؤمن بها. وإن تمكن من أن ينطقوا ما لا يؤمن به. وعبَّر عنه بصدق لكان ذلك أفضل. يعترف أكثر بأنه لم يتعرف على نفسه بين الأبطال. ولم يتعرف على نفسه ككاتب للقصة. يستخدم إحسان عبد القدوس وصف القصة رغم أنها رواية تقع فى حوالى مائتى صفحة. ويعترف بأنه بدأ فى كتابة القصة منذ كان صبياً فى الحادية عشرة من عمره. وأنها لم تخرج عن كونها محاولات صبى. ويعترف بأنه كان يكتب القصة فى بداياته ليس كأديب. ولكن كصحفى. وفى كثير من القصص التى كتبها فى ذلك الوقت كانت شخصيته كصحفى تطغى على شخصيته كأديب. لأنه كان يكتبها كصحفى ويعترف أكثر بأن معظم قصص مجموعته القصصية: صانع الحب. ومجموعة: بائع الحب. مجرد ذكريات لشاب يزور أوروبا. وأنه كتبها بأسلوب أقرب إلى الأسلوب الصحفى وفى كثير منها كان يقتطع سياق القصة ليصف بلداً ويتكلم عن الشخصيات التى التقى بها فى هذا البلد. وفى النظارة السوداء كان يقطع سياق القصة. ليكتب مقالاً دفاعاً عن فكرة أو رأى. ثم يقول بسعادة أن قصة: أنا حرة. اعتبرها كثير من الزملاء لاحظ أنه لم يقل النقاد ولكن الزملاء والمقصود بالزملاء الصحفيين. يقول عن روايته أنه رغم إعجاب زملائه بها. فإنه عندما يقرؤها بعد نشرها يلمح شخصية الصحفية أنها كمعظم القصص التى سبقتها مكتوبة بأسلوب الماضى. وتكاد أن تكون تحقيقاً صحفياً أكثر من كونها قصة أدبية. وكل هذا يعتبر نقصاً فى السرد أو تكتيك القصة. وهو نقص يعترف به إحسان. يقول إنه لم يستطع الفصل بين شخصيته الصحفية وشخصيته الأديبة. أى بلغة زماننا أن تكون هناك خطوط فاصلة بين الصحفى الأديب بداخله. وتلك مشكلة المشاكل بالنسبة لكل أديب امتهن مهنة الصحافة. وهى قصة أزلية منذ أن وجدت الكتابة الروائية. والكتابة الصحفية ويعترف إحسان بأن المران والجهد ساعداه إلى حد فى محاولة الفصل. إلى أن يقول إن قيام الثورة يقصد ثورة يوليو طبعاً ساعده على عملية الفصل. كيف؟ وما علاقة الثورة بالأديب والصحفى فى أعماق إحسان عبد القدوس. فى حالة الصراحة المطلقة قال إحسان: - لقد انتهت بقيام الثورة حملاتى الصحفية العنيفة ضد الماضى. وكانت الثورة هدفاً وصلت إليه واستطعت بعدها أن أجد فى تفكيرى وجهدى وعواطفى متسعاً أكبر لكتابة القصة. سأضع سؤالاً كجملة فاصلة بين الفقرة السابقة والفقرة التالية لها: لماذا يقرأ إحسان أدبه بعين النقاد؟ ويكتب عنه بروح الناقد. هل لعدم وجود نقاد؟ أم لأن النقاد عادوا مؤلفاته؟. لمزيد من مقالات يوسف القعيد