مشهد الحياة التى نعيشها اليوم مؤلم على كل المستويات، مزعج لكل من لا يزال يحمل ملامح الإنسانية. فالبشرية صارت مصنفة على حسب الجنسية والدولة التى ينتمى إليها الشخص، فإذا كنت من الدول المتقدمة فأنت إذن إنسان محفوظة لك كرامتك و لك كل الحقوق من مسكن وملبس ومأكل، و علاج ، ولك كل الحق فى التعليم والعمل، باختصار لك الحق فى الحياة وحين تمٌس أحد تلك الحقوق تقوم الدنيا ولا تقعد. أما إذا كنت على الجانب الآخر من الأرض او كما يدعون من دول العالم الثالث فجاهد حتى تجد لقمة العيش، وليس لك حق فى أى شيء، بل تتعرض بلادك إلى المؤامرات والحروب والدمار والتقسيم، ويطمع فى ثرواتها هؤلاء الأغنياء، وتمتلئ أرضك بالمرض واليتامى وتمتلئ جيوبهم بخيراتك . ادخلوا إلى المستشفيات و المدارس فى تلك البلاد الفقيرة لتنظروا مدى البؤس والفقر، انظروا إلى الأطفال اليتامى جراء الحروب لتعلموا مدى الجرم الذى وقع على تلك الإنسانية، انظروا إلى أحلام البسطاء أنها مجرد لقمة عيش وجدران تحميهم من البرد وطفل يطلب من يمسح دموعه. وبين شطرى الأرض من الأغنياء والفقراء توجد بحار يحاول هؤلاء الفقراء أن يعبروها فينجو من تكتب له الحياة ويموت الأكثر غرقاً ولِم لا يموتون فمن قال إنهم كانوا قد وجدوا الحياة فى بلادهم فقبل أن يموتوا كانوا غرقى فى بحر الفقر والمرض. ومن يستطيع أن يعبر ويتحقق حلمه فى الدخول إلى تلك البلاد يعيش عمره كله تباع إنسانيته فى تلك البلاد وينظر إليه أنه طبقة إنسانية أخري. وحين يتعرض أحد هؤلاء أصحاب المعالى من الدول الغربية لحادث أو جريمة تقوم الدنيا ويهتز ضمير العالم غضباً بينما كل يوم يموت ويقتل آلاف البشر الفقراء بدم بارد ولا تهتز شعرة من رؤوس هؤلاء الثائرين. بينما تباد مدن بكاملها ويموت أطفال بسلاح الغدر والمؤامرات الغربية ولا يثور أحد لأجل هؤلاء البشر لأنهم ببساطة فقراء وينتمون إلى بلاد فقيرة إذ إن ليس لها حقوق، فالعالم له ضمير فقط حين يمس أحد رعاياهم، ولا يوجد ضمير حين يموت الفقراء ويختنقون بأيديهم. يا له من ضمير ملوث. هؤلاء الذين يريدون أن يخبرونا بأنهم أصحاب المبادئ والضمائر لهم تاريخ ملوث بدماء الأبرياء. أمريكا لم تقم إلا على دماء وأشلاء جثث ملايين الهنود الحمر السكان الأصليين للبلاد. وقد أطلق هنود السينيكا على «جورج واشنطن» هادم المدن، فقد تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 لهنود السينيكا. و«توماس جيفرسون» الملقب برسول الحرية وكاتب وثيقة الاستقلال يقول عن الهنود الحمر: «سنفنيهم ونمحو آثارهم من الأرض». تصور عزيزى القارئ أنهم أرسلوا بطاطين وأغطية ملوثة بالجديرى ومات على أثر هذا مائة ألف شخص عام 1837 م. وأوروبا كل تاريخها ملوث بدماء البلاد التى احتلتها فى القرن التاسع عشر. ولا يظن أحد أن هذا كان تاريخاً قديماً فما حدث فى العراق وليبيا وسوريا واليمن لا يقل بشاعة عن هذه الصور ولكن بطريقة أخرى فلم تعد تلك القوى الكبرى تحارب بأيديها ولكنها تصنع الفتنة وتسلح الجماعات وتحرض الأخوة على بعض حتى يقتلوا بعضا ثم يجلسوا هم على مائدة المفاوضات يدينون حمل السلاح الذى هو من نتاج مصانعهم ويطالبون بنبذ الخلافات التى هى من خطتهم و الغريب انهم بنفس الضمير الملوث يمكن لهم ان يبيعوا السلاح على نفس المائدة . هذا لأن هناك دولا وبشرا يشعرون بأن دماء الآخر وحياته أقل قيمة من دمائه وحياته. فهم لا يشعرون بأن الآخر مثلهم. بينما كان السيد المسيح يعلم الناس ويقول: تحب قريبك كنفسك، جاء إليه شخص وقال له من هو قريبي؟ فقال له السيد المسيح قصة عن شخص يهودى كان مسافراً من بلدته أورشليم إلى أريحا فخرج عليه لصوص سرقوه وضربوه وجرحوه وتركوه بين حى وميت وبينما كان يصارع الموت وحيداً عبر عليه اثنان من بنى جنسه ولكنهم تركوه ولم يساعدوه، فعبر عليه آخر ليس من جنسه ولا ديانته سامرياً ولكنه تحنن عليه فأخذه وضمد جراحاته ووضعه فى مكان يعتنون به ودفع لهم الأجرة كاملة. وهنا سأل السيد المسيح ترى من هو قريبه؟ أليس الذى صنع معه الرحمة.عزيزى القارئ لو شعرت الإنسانية بأن أى إنسان فى الكون هو قريب لها لتغيرت سياسات الدول واختلفت سلوكيات الناس حتى فى الشوارع، لما وجدنا حروبا ولا وجدنا صراعات ولا وجدنا خلافات بين البشر. ليت العالم يسمع ويعرف قبل أن يختفى من الوجود كل ما هو إنسانى وتبقى لنا الغابة بقانونها. كاهن كنيسة المغارة -الشهيرة بأبى سرجة الأثرية لمزيد من مقالات القس انجيلوس جرجس