مر التاريخ على سوريا وتوقف، ليسجل بعمق وتمعن بطولات الشعب الأبي، وجيشه الباسل، مر التاريخ وصمت من قدسية المشهد، فها هى «تدمر» أرض الحضارات تُسلب، وتُهدم، تدنسها أقدام الإرهاب، وتتآمر جماعات التكفير لمحوها، كانوا يريدون سوريا دون ماض ولا تاريخ، كانوا يرغبون فى تمزيقها، لكن هل تقلع شجرة ضربت بجذورها فى باطن الأرض ومركزها؟! حاولت دول التآمر وعناصرها العميلة والمرتزقة اقتلاع الشجرة السورية، لكنها أرض الحضارات فتحت براكينها فصمد الشعب، وسطر الجيش البطولات، وهدمت جماعات التكفير فى «تدمر»، وبقيت المدينة شاهدا على الماضى والحاضر، وستظل شاهدا على المستقبل، تروى للجميع قصة الوطن. فيما يبدو أن جهل تلك العناصر المرتزقة بسوريا وبتاريخها، هو ما جعلهم يتوهمون أن باستطاعتهم هزيمة «تدمر»، فلو بحثوا قليلا لعلموا أن معناها «بلد المقاومين» فى اللغة العمورية، و «البلد الذى لا يقهر» فى اللغة الآرامية، وهى التى نافست روما وبسطت نفوذها على مناطق واسعة من العالم القديم، لو كانوا يعلمون ما دخلوها من الأساس، وها هى أثبتت صحة التاريخ وصدقه، لفظت رجس الإرهاب، وصارت جحيما على من تآمر عليها، هم ذهبوا وهى باقية وشعبنا ودولتنا. ليس خافيا على أحد تلك المجازر التى خلفتها تلك الجماعات البربرية فى مدينة «تدمر» الأثرية، فقد كانوا يقتلون الجميع، حجرا أو بشرا، كان الكل بالنسبة إليهم مستهدفا، وفى مرمى النيران، وعثر الجيش العربى السوري، ووحدات الدفاع الشعبية التى شاركت فى إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة، على مقبرة جماعية ناحية الأطراف الشمالية الشرقية من المدينة، انتشل منها جثامين 40 شهيدا من الذين قتلوا على أيدى إرهابيى «داعش»، وأوضحت الجثامين التى تم انتشالها من المقبرة أن التنظيم التكفيرى عمد إلى فصل رءوس بعض الضحايا عن أجسادهم، بالإضافة إلى عمليات تنكيل وحشية ظهرت على الجثامين، هذا إلى جانب ما قام به التنظيم التكفيرى فى أيار (مايو) الماضى من مجزرة راح ضحيتها 400 شخص على الأقل، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتم التمثيل بجثامينهم. ولا ننسى ما فعله «داعش»، حيث قام بتفخيخ معبد «بعل شمين» الذى يقع على بعد أمتار من المسرح الروماني، فى الحى الشمالى للمدينة القديمة فوق أنقاض معبد أقدم منه، ويعتبر الإله بعل شمين هو سيد السماوات. وإله الخصب والمطر فى تدمر، ويعتبر معبده الوحيد من نوعه الذى بقى محافظا على شكله الأصلي، وبنى فى بداية القرن الأول الميلادي. كانت عملية تفجير «بعل شمين» بعد أيام قليلة من عملية ذبح عالم آثار كبير فى مدينة تدمر، وعلق «داعش» جثته على عمود فى ميدان عام، كما دمروا تمثال أسد اللات الذى كان موجودا فى حديقة متحف مدينة تدمر وسط سوريا، وهو قطعة فريدة بارتفاع أكثر من 3 أمتار، وتزن قرابة 15 طنا. وحتى مع هزيمة التنظيم الإرهابى فى أرض سوريا ب «تدمر» قام بزرع الألغام فى كل مكان، وتقوم الوحدات الهندسية بعملها، حتى تعود الحياة على كل أوجهها فى كل شوارع المدينة التاريخية شاهدة الحدث. «تدمر» كانت علامة مضيئة لمن لم تبصر بصيرته حتى الآن، فكان العدو واضحا وضوح الشمس، وكان الصديق واقفا كتفا بكتف، ومن المدينة الأثرية التى كانت حلقة وصل فى انتصارات الجيش العربى السوري، تنطلق معارك الشرف لتطهير كل الأرض السورية من دنس الإرهاب، ورجس العناصر العميلة المرتزقة. لمزيد من مقالات د. رياض سنيح