قبيل الانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب بعد ثلاثة أيام بإذن الله، لا بد لكل مواطن مصري حر شريف أن يستحضر في ذهنه الثورة ويعرف جيدًا ماذا تعني؟ الثورة تعني من ضمن معانيها التغيير، أليس كذلك؟! والداعية الإسلامي الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي -يرحمه الله- له مقولة جميلة: "الثائر الحق هو الذي يثور اليوم ليهدم الفساد، ويهدأ غدا ليبني الأمجاد"؛ فإذا كان الشعب المصري الأبي قد ثار على الفساد، ودفع الثمن غاليا من أرواح أبنائه ومن أمواله ومن وقته وهدوء باله، وتحمل الكثير والكثير من انفلات أمني متعمد، وارتفاع في الأسعار وشح في البنزين والغاز... إلخ، وإطلاق للبلطجية الذين أفرخهم النظام البائد بظلمه وبطشه، وها هو الشعب هدأ ليبني الأمجاد، فعند اختيار رئيس لا بد أن يعبر كل مصري حر عن أهداف الثورة، ويستحضر في ذهنه لماذا قامت هذه الثورة؟!! الكل يتفق على أن هدف الثورة الرئيس هو هدم الفساد وإصلاح البلاد، ومن هنا فلا يصح أبدا أن نراوح مكاننا في اختيار مرشح الرئاسة، بل لا بد من اختيار مَنْ يعبر عن أهداف الثورة، وألا تكون له صلة من قريب أو من بعد بالنظام البائد الذي أجمع الشعبُ كلُهُ - باستثناء الفلول المرتزقة - على فساده. فها هي فرنسا اختارت مرشحها وأزاحت ساركزوي عن قصر الإليزيه، فما أحوجنا إلى أن نتضافر جميعا كي نغير من أحوالنا ونختار مرشحنا رجلا ينبض دمُهُ بأهداف ثورتنا، أما أن يُصرَّ البعض على اختيار واحد من الفلول، ونلاحظ أن مرتزقة الأقلام المأجورة يروجون للفول هنا وهناك، كيف هذا؟ هذا تخلف ما بعده تخلف، ورجعية ما بعدها رجعية، أن تختار بلدان العالم رؤساءها ونحن نصر على البقاء كما نحن!! ثم نزعم بعدها أننا نريد الإصلاح والتغيير، لا بد من تغيير ينبع من داخلنا، ولا بد أن نصدق مع أنفسنا وننظر للأمام كي ينصلح حال بلادنا، ويغير الله أحوالنا، ويخرجنا مما نحن فيه سبحانه وتعالى إذ يقول: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فمصر غنية جدا، وليست فقيرة، غير أنها تحتاج على حسن إدارة، ومن يحكم فيها بالعدل، ويعطي كل ذي حق حقه، وهذا لا يكون إلا إذا رددنا الحكم إلى صاحب الحكم جل وعلا مصداقا لقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]، وقال سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، نسأل الله تعالى أن يقدر لمصرنا الغالية الخير ويختار لها قائدا يصلحها بما يرضيه سبحانه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر