مفاوضات جماعية, ومباحثات سرية, وتفاهمات سياسية, ومحاورات دبلوماسية, ومقاربات تصالحية, وضغوط غربية, وصلابة ايرانية, هكذا يبدو المشهد عشية المفاوضات التي تجري في بغداد خلال الايام القادمة بين طهران ومجموعة دول(5+1) حول الملف النووي الايراني. زيارات مكثفة لمسئولين إيرانيين الي العاصمة العراقية بغية التحضير لهذه المفاوضات التي يري البعض انها يمكن ان تسفر عن صفقة يلعب العراق فيها دورا مهما في اعاده تأهيل ايران للشراكة في المجتمع الدولي لكي تتجنب طهران الضربة العسكرية. وليس سرا ان اسرائيل ملأت الدنيا ضجيجا بشأن توجية ضربة عسكرية الي المفاعلات النووية الايرانية وذلك بعد أن اعتبرت خلال السنوات الثلاث الماضية ان فرض عقوبات قاسية وشن حرب عبر شبكة الانترنت واغتيال العلماء الايرانيين من شأنه اجبار الجمهورية الاسلامية علي وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل اعتقدت القيادة الاسرائيلية ان استراتيجيتها تسير علي ما يرام, غير أن مسئولة الشئون الخارجية في الاتحاد الاوروبي تدخلت حينها واربكت الصقور من خلال العرض الذي قدمته الي ايران والقاضي باعادة اطلاق المحادثات مستخدمة نبرة تصالحية مختلفة عن الوعيد الذي كانت تطلقه بعض العواصمالغربية, وبالفعل تم عقد الاجتماع الأول بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالاضافة الي المانيا في اسطنبول منتصف الشهر الماضي واحرز الاجتماع نجاحا كبيرا, ثم اتفقت الاطراف علي اجراء مفاوضات في بغداد خلال الايام القادمة من أجل وضع النقاط علي كثير من الحروف. وحسب مصادر ايرانية رفيعة المستوي فقد تم وضع اطار عمل للمحادثات القادمة طرحت فيه مجموعة من المبادئ التي بعثت الطمأنينة في نفوس الجانب الايراني وعلي رأسها ان معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية يجب ان تكون اساسا للمحادثات. وهكذا يبدو ان الدول الغربية قد غضت الطرف عن طلب اسرائيل وقف التخصيب واقترحت ان يتم التركيز علي حث ايران علي وقف تخصيب اليورانيوم عند مستوي20% حيث تضمن الحصول علي الامدادات اللازمة للطاقة والتكنولوجيا والابحاث العلمية مثلما أعلن الرئيس أحمدي نجاد مرارا. فضلا عن ذلك فقد اعلن الجانب الغربي ان المفاوضات ستجري علي اساس مبدأ خطوة خطوة والمبادلة, ويدل اعتماد هذه المقاربة التدريجية والتنازلات المتبادلة علي انه سيتم رفع العقوبات علي مراحل حين تقدم ايران أدلة دامغة علي أنها لم تكن تسعي الي صناعة الأسلحة النووية. وهكذا تشير التوقعات الي تراجع احتمالات شن حرب علي ايران في المستقبل القريب بعد قرع طبولها في الشهور الماضية, خاصة أن طهران استفادت وتعلمت من درس تدمير المفاعل النووي العراقي عام1981, ووزعت مفاعلاتها النووية علي27 موقعا علي طول البلاد وعرضها واستعدت في الوقت نفسه لمحاولات كهذه وأعدت ردا لقصف ليس اسرائيل وحدها, بل كل من يعاونها علي ذلك, لكنها قبلت ايضا المشاركة في فتح نافذه عراقية للتسوية.