نحن الآن نعيش المرحلة الأغرب في حياتنا لدرجة أن كل ما هو أغرب أصبح العنوان الأهم في كل لحظة تمر علينا بتلك الفترة غير المسبوقة في تاريخ الوطن.. وهل هناك أغرب من أن ما يخطر علي البال وما لا يخطر علي الذهن بات متوقعا وكيف لا يكون وكل شيء جائز حدوثه وأي شيء وارد وقوعه.. دون النظر إلي أن ما يحدث متفق مع قانون أو متواز مع قانون أو مخالف للقانون.. كل ذلك لا يهم وغير مهم لأن القانون نفسه لم يعد يهم حيث لا وزن له أو حساب يخشي منه... الأغرب الذي نعيشه أنه بيننا من يري الفوضي والبلطجة ووقف حال الناس أمرا عاديا بل ويعتبر الذين يرصدون الواقع وينبهون إلي بحر الرمال المتحركة الذي نغوص فيه.. يعتبرهم يميلون إلي التهويل والمبالغة وكلامهم فزاعة تخيف الناس من أشياء مبالغ فيها... الأغرب أن كلمة الحق التي تبرز الحقيقة في أي حدث وقع يتم تصنيفها علي أنها عداء لفرد أو أفراد أو تيار.. في نظرهم أن استمرار غلق المصانع ليس بالأمر الخطير علي الإنتاج وليس نهاية الدنيا لمن جلسوا في بيوتهم بدون عمل. فلسفتهم أن الفوضي التي اجتاحت الشارع المصري والقانون الذي اندهس تحت أقدامها ليست فوضي بالمعني المفهوم بقدر ما هي تنفيس عن سنوات ظلم وفساد.. أعطوا للفوضي مبررا لوقوعها بدلا من إدانتها حتي لا يقع الوطن باستمرارها... المظاهرات أو الاعتصامات التي تقطع طرقا وتعطل مواصلات وتدمر السياحة وتخيف الاستثمار وتوقف حال شعب.. يرونها حقا أصيلا يستحيل الاقتراب منه وإلا لماذا قامت الثورة؟. ضرب الطوب والمولوتوف والحرق والدمار.. الكل موافق عليه بالصمت... إدخال السلاح والذخائر إلي المساجد واعتلاء المآذن واستخدامها للقناصة.. شيء طبيعي وغير الطبيعي أن يستنكر مخلوق ذلك!. المآذن التي تنبعث منها الطمأنينة.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.. هذه المآذن تحولت إلي نقاط قتل وحصد أرواح.. والصمت المطبق مستمر... ملايين الشعب احتارت... قليلون جدا من ينبذون الفوضي وينهون عن الفتنة ويدعون للاستقرار... كثيرون جدا يخدمهم إعلام كاسح يعطيهم المساحة والوقت.. يعتبرون الفوضي واجبا والبلطجية حقا والتطاول والبذاءة والقباحة لغة حوار... المساحة كبيرة ومتاحة في أغلب وسائل الإعلام لكل من ينفث سموم الكراهية بين المصريين... كل الاهتمام من أغلبية الإعلام لكل من حرموا الحق وأجازوا الباطل.. بالغ الإعجاب من أغلبية الإعلام لمن ينهشون في عرض مصر بصمت القبور تجاه كل دعوة حق يراد بها باطل وآخرها الدعوة للجهاد في قضية الكل يعرف حقيقتها تماما ويعرف الصواب فيها والكذب ومع ذلك النخبة صامتة حتي لا ينقلب عليها فصيل والمرشحون للرياسة أغلبهم ولا هم هنا حتي لا يخسروا أصوات فصيل.. صمت القبور لمصلحتهم التي تعلو علي كل مصالح الوطن... الإعلام نسي أو تناسي أن حماية المتظاهر حق أصيل شرط أن يلتزم بالقانون.. والقانون الذي يسمح بالتظاهر في كل الدنيا ليس فيه شتيمة ولا قباحة ولا استفزاز ولا طوب ولا مولوتوف ولا قناصة في مآذن ولا تدمير منشآت.. بل ولا تخط بمواعيد المظاهرة ولا خط سيرها ولا الأماكن المتفق علي البقاء فيها... الأغرب أنه حتي هذه اللحظة لا يوجد في القانون المصري مادة أو مواد لحق التظاهر والموجود مادة أظنها54 من دستور71 وهي تعطي الحق للمصريين في التجمع دون تعطيل لحركة مرور أو قطع لطرق أو وجود لأسلحة... الأغرب أننا لم نصدر حتي هذه اللحظة قانونا للتظاهر وصدوره حماية للمتظاهر وحماية للمجتمع... لم يصدر القانون وكأننا لا نريد وضع حد للفوضي بإبقاء الأمر علي ما هو عليه ليبقي المجال مفتوحا علي مصراعيه أمام الاتهامات المتبادلة عقب كل تحريض علي فوضي تحت أي مسمي.. يسقط فيها ضحايا من المصريين وتنحرق منشآت المصريين وتزداد الكراهية عمقا ورسوخا بين المصريين... وصلتني رسالة طويلة جدا تلقي الضوء علي ما نحن فيه وتتحدث عن ثلاثة هموم هي النفاق وشخصية مصر والثقافة والفن.. إلا أن المساحة المتاحة تناولت الهم الأول النفاق.. اقرأوا معي الرسالة: أرجو أن تتحملني سيادتكم والسادة القراء الكرام لهذه النافذة الوطنية الشريفة فالمشهد وصل بالهزل إلي ما لا نهاية وأخشي أن ينتج أجيالا مشوهة الفكر سقيمة الوجدان وليس هذا من عندي ولكن ما يقوله علماء النفس والاجتماع, واسمح لي بأن أستعرض بعض الخواطر: النفاق: إن الطامة الكبري لأي مجتمع هي النفاق ولا أدل من آيات الذكر الحكيم: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقد نبهنا المولي عز وجل فيما يقارب سبع عشرة آية من آيات القرآن الكريم عن هذه الصفة المذمومة وما ينتظر أصحابها من عقاب ولست هنا بصدد شرح مسألة دينية فهناك أهل الذكر في هذا المجال ولكنها مقدمة لما نعيشه ونراه الآن, إننا نري علي أرض الواقع أغلبية من يتصدر المشهد السياسي ينافق اتجاها أو ائتلافا لا لشيء يهم الوطن بل لمأرب شخصي في المقام الأول واضعا مصلحة مصر تحت قدميه لا أجد في معجم اللغة العربية كلمة تبين حجم الألم الذي أشعر به ويشاركني المصريون الشرفاء فيه وأدعو الله أن تكون كلماتي هذه علقما في أفواه من يخططون ويدبرون ويشعلون الحريق ويتباكون علي الضحايا. لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبي ويكفي أن نستعرض ثلاث وقائع ظلامية مغرضة أولها اعتصام التحرير وثانيها أحداث السفارة والقنصليات السعودية وثالثها الاعتصام والخيانة بالعباسية والأسئلة التي أطالب الشعب المصري الكادح بأن يعلم إجابتها الحقيقية هي: لماذا؟ والإجابة لمصلحة شخصية( فردية/ حزبية) تعلو فوق كل اعتبار. كيف؟ والإجابة يتم التخطيط والحشد والتمويل وتدبير الوسائل ووضع السيناريوهات من قبل المستفيد ومن يدعمه خلف الستار ولا أعتقد أن الجمعيات الخيرية تمد هؤلاء المخربين بأدوات الدمار التي رأيناها بأعيننا ورآها العالم بأسره كما أنني لا أعتقد أن من حرائر مصر من تستخدم قصافة سلك شائك لتفتح الطريق أمام أقرانها... متي؟ والإجابة عندما يحس هؤلاء( أفراد/ أحزاب) أننا قاربنا علي الخروج من دائرة التيه التي يصرون عليها. أين؟ والإجابة في الأماكن التي تسبب أكبر قدر من الضغط علي من يدير الأمور في البلاد وعلي جموع الشعب الكادح الذي لو تنفس بغضب لأحرقهم جميعا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. إلي متي الصمت إنه إعلام في معظمه ينافق المخطئ ويلوي عنق الحقيقة وإذا حاول الإعلام الحكومي أن يقترب من الحقيقة جيشوا له الغوغاء أمام ماسبيرو للمطالبة بتطهير الإعلام وسادتهم الأكثر حاجة لهذا التطهير إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. لم أجد مراسلا في وسيلة إعلام تبني موقف أبنائنا الطلبة في جامعة عين شمس الذين بدأوا الامتحان كيف يصلون إلي الجامعة وسط هذه الفوضي وبأي أعصاب أو تركيز يؤدون امتحاناتهم, وكيف حال سكان المنطقة من أهالينا كيف حال الشيخ المريض والطفل الذي يذهب إلي المدرسة والسيدة والفتاة التي تذهب لعمل أو لتلبية احتياجات بل كيف حال المرضي الذين يترددون علي أربعة مستشفيات كبيرة من جميع محافظات مصر, ألا يعلم هؤلاء أن الإيمان بضع وسبعون شعبة أولها شهادة أن لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذي عن الطريق. سيدي من الداعم ولمصلحة من؟ إنهم يراهنون علي صمت الأغلبية من الشعب المصري ويقدمون دماء أبنائنا قربانا علي مذبح أطماعهم مستغلين فيهم العوز والحاجة وحداثة السن والخبرة ثم عمليات غسيل المخ والشحن علي طريقة العصور الوسطي ولكن الله وعد كل من خطط بليل واستغل هذا الدين الوسطي الحنيف الذي احتضن بسماحته كل المخلوقات بالويل والثبور, إن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة فما هو حجم أطماعكم يا من تتاجرون علي الله في هذا الجناح؟ إن استخدام المساجد لأغراض البعض وإطلاق الرصاص من مآذنها بدلا من صوت المؤذن سوف يحجم المسلم الفاهم لدينه الواعي لما يريده هؤلاء من الذهاب إلي المسجد. ليتني أستطيع أن أضيء مصباحا ينير سواد قلوبكم وظلام عقولكم ولكن لا حياة لمن تنادي فلن تروا النور حتي ينطق الله الدواب وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. إن الخوارج في عهد ذي النورين عثمان بن عفان يخلعون القبعة تقديرا واحتراما لخوارج هذا العصر ولو علم ميكافيللي أن الغاية بهذه الحقارة التي تبرر الوسيلة الأحقر ما تبني هذا المبدأ, لأنه كان سيخشي من عقاب الله. والأشد إيلاما أننا نجد من أطلق عليهم النخبة كلهم قريري العين مبتسمين( واثق الخطوة يمشي مرحا) مع الاعتذار لكوكب الشرق يعقدون الاجتماعات ويخرجون علينا بتوافه التصريحات التي تنافق الخطأ وأصحابه ولا تقنع عقل طفل يحبو ويأبي أحد رواد الظلام إلا أن يدلي بدلوه بطريقة سكب البنزين علي النار ملقيا اللوم علي الجهات الأمنية لماذا لا تحمي المخربين؟ ومستهزئا ببعض تصريحاتهم ولم يسأل نفسه أو يطرح علينا ماذا لو حدث هذا التخريب أمام وزارة الدفاع الفرنسية أو البنتاجون الأمريكي؟ إلي هذا القدر من الاستهانة واستباحة الدماء في الوقت الذي تلوح فيه إسرائيل بأن سيناء أصبحت مرتعا للإرهاب وتسوق هذه الدعاية ليتبناها خفافيش الظلام في عالمنا المعاصر وتحضر وتمهد الأذهان بضرورة الحرب علي الإرهاب وهي متطوعة بطبيعة الحال لتكون أداة القهر الدولي تحت ستار الشرعية المزيف. هل هؤلاء مصريون وطنيون بحق؟ ما من شعب في أرجاء المعمورة يهين جيشه كما يحدث الآن, كيف يضحي هذا الجندي بحياته من أجل هؤلاء؟ ألا يشعر بغصة في حلقه لما يتحمله من أعمال ما أنزل الله بها من سلطان حبا لتراب هذا الوطن وحرصا علي أمنه وأمانه.. هل يستحقون؟ يا شعب مصر الأبي أعلنها عالية مدوية إن هؤلاء طغمة فساد ليست منا قولوها للعالم أجمع تبت الأيدي الخائنة التي تعبث بأمن مصر إن الشعب المصري لم يوكل عن نفسه أي نخبة أو تخمة أيو طغمة من هؤلاء لتتحدث باسمه ومن قام بانتخابهم ليكونوا ممثلين عنه في مجلسي الشعب والشوري لهم مهام محددة في الدستور فنحن لسنا دولة وليدة الأمس. أيها الشعب الصامت الصامد الكادح كم استهلكنا.. كم أهلكنا.. كم انتهكنا.. كم أنهكنا ونحن في أشد الحاجة للاستقرار والعمل والإنتاج ولكن من البديهيات أن تقاس كفاءة الإنتاج للمخربين بحجم الدمار الذي يلحقونه بمن حولهم, أيها الشعب الرابض هلا رفعنا أكف الضراعة إلي الله اليوم الجمعة الساعة الثانية مساء ودعونا علي هؤلاء الظالمين بأن يجعل كيدهم في نحورهم وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم وأنا أضمن لكم إحدي اثنتين إما أن يستجيب الله لنا بسابقة علمه وإما أن ندخل موسوعة جينيس كشعب ترك المسئولية ولا يملك إلا الدعاء. ما هذا الوهن والاستسلام والأنامالية ومصائركم تتركونها في مهب الريح تتقاذفها أهواء مريضة وأطماع سوداوية هل صدقتم أنهم قد اشتروا جميع صكوك الجنة وسيحرمونكم من دخولها؟ هل هانت عليكم مصر إلي هذه الدرجة التي تسمحون بأن يدير دفة الأمور فيها كثير من هذه الشخصيات الكرتونية, إنني أذكركم بما فعله سيد الخلق محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما أمر بالهجرة من مكة إلي المدينةالمنورة, لقد استعمل عبدالله بن أريقط الوثني الخبير في دروب الصحراء غير المأهولة وهو الذي يستطيع أن يطلب من الله فيجيبه ولكنه أراد أن يعلم الأمة حتي تقوم الساعة أن تستعين بالخبرة المتميزة حسب الحاجة المطلوبة حتي لو كان وثنيا وهذا الوثني كان شرف المهنة!! يمنعه من أن يبيع الزبون بمائة ناقة رصدتها قريش لمن يدلهم علي النبي صلي الله عليه وسلم.. هل وصلت الرسالة؟ يا من تنافقون علي مقعد أو منصب هلا تذكرتم أن للكون إلها قادرا يراكم ويطلع علي خائنة الأعين وما تخفي الصدور إن الله لا ينظر إلي صوركم, وإن غرتكم الحياة الدنيا وغركم بالله الغرور فتذكروا, إن بطش ربك لشديد. سيدي الرئيس القادم.. كان الله في عونك قلوبنا معك لقد زرعوا لك الأشواك والألغام قبل أن تأتي وأسقطوا لك الهيبة والاحترام لعقد قادم علي الأقل إني أراك يوم أن تتولي المسئولية تذكرني بالمدرس الجديد الذي دخل الفصل وعقد امتحانا ليقيس مستوي طلابه فوجدهم يخرجون الكتب للغش منها فلما نهرهم قالوا له بكل ثبات أصلحوا لنا الإضاءة حتي نستطيع استخدام البرشام بدلا من الكتب في الغش... كيميائي/ ربيع نعمان حدائق القبة القاهرة الرسالة انتهت لكن ما نحن فيه من سنة ونصف السنة لم ينته ولا أظن أنه يمكن أن ينتهي بالدعاء المنفرد أو الجماعي في ساعة واحدة اليوم الجمعة أو أي جمعة.. لا أظن ذلك لأن المولي عندما بشرنا بقوله:( ادعوني أستجب لكم).. أكد بعدها علينا في صيغة واضحة فاصلة قائلا:( إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). كيف ننتظر الفرج والصلاح والانصلاح ونحن من نغلق ونسد بأيدينا علي أنفسنا كل أبواب الرحمة وعندما تختفي الرحمة لن يأتي الفرج ولن نري الصلاح... يا سيدي علينا أن نطهر أنفسنا من الكذب والنفاق قبل أن نتوجه إلي خالقنا بالسجود والدعاء... يا سيدي كل منا من موقعه ومكانه ومكانته عليه أن يبدأ بنفسه ويراجع نفسه ويتصالح مع نفسه... الوصول إلي مرحلة المصارحة مع النفس معناه جاهزية الإنسان واستعداده لأن يري أخطاءه ويعترف بخطاياه.. ورؤية الإنسان للخطأ الذي ارتكبه والاعتراف بمسئوليته عنه.. خطوة أولي لابد منها وبدونها استحالة أن يتغير شيء.. لأن اعتراف الإنسان بالخطأ هو الذي يمهد الطريق أمام الإنسان لقرار التوقف عن الخطأ... يا سيدي.. كيف تنتظر أن يستجيب الله لدعائنا لإصلاح حالنا وكلنا شركاء في الحال المايل الذي نحن فيه؟. ملايين الشعب يا سيدي أكبر شريك وأكبر مساهم.. تعرف بماذا؟. بالصمت تجاه ما لا يعجبهم وأيضا ما يعجبهم!. الأغلبية الكاسحة من المصريين مثل الماء النقي لا لون ولا طعم ولا حتي رائحة.. لا رأي يعبر عنهم ولا دور يقومون به ولا حتي صوت يصدر منهم.. لا شيء علي الإطلاق يشير إلي موقف لهم تجاه وقف الحال الذي نعيشه من بعد11 فبراير2011!. ملايين الشعب ابتلعهم الصمت تجاه كل الأحداث التي جرت وما أكثرها وما أدماها.. وصمتهم هنا ليس رضاء أو موافقة علي الفوضي والبلطجة والحرق والتدمير ووقف الحال باعتبار السكوت علامة الرضا كما يقول المثل العامي.. إنما هو صمت العجز وصمت السلبية وصمت الأنامالية.. صمت من تعود خلال ستة عقود ألا يؤخذ برأيه وإن حدث يكون في استفتاء علي اختيار واحد مطروح بالإجبار عليك وكل ما تملكه أن تقول نعم أو لا.. أما أن يكون لك حق اختيار آخر فنجوم السماء أقرب لك من هذا الحق.. والمحصلة ملايين الشعب بعد60 سنة حكم فرد الرأي الوحيد فيها لفرد ولا رأي للشعب.. بعد ثلاثة أرباع قرن لا صوت فيها إلا صوت الفرد الحاكم.. بعد هذه السنين الطويلة من عدم النطق طبيعي ومنطقي أن يبتلع الصمت ملايين الشعب... الصامتون السلبيون ينتظرون الفرج ولا أعرف إلي متي ينتظرون وعلي ماذا يراهنون وبماذا يقتنعون؟. أعلم من الرسائل والمكالمات أنهم ينتظرون رحيل الفوضي وعودة الاستقرار.. لكنني لا أعرف علي من يراهنون لتحقيق ذلك؟. هل ينتظرون تدخلا من السماء بمعجزة في زمن انتهت المعجزات؟. هل يراهنون علي الأخوة المصريين الأعداء الذين يتصارعون علي السلطة وليس في ذهنهم وطن لا يستحق أن نمرمطه أكثر من هذا.. ولا في حساباتهم شعب يشعر بالخوف وهو يعيش في وطنه.. خوف من كل لحظة قد تحمل معها دمارا أو حريقا أو دماء أو موتا... الصامتون المنتظرون هل ينتظرون حلا وكل الأطراف المتصارعة قطعت كل سبل الحوار بينها بل إن لغة الحوار نفسها مفرداتها الكراهية والحقد والغل والتخوين والإقصاء.. ومن يتحاورون بهذه المفردات يحل الخراب في كل مكان يتنفسون فيه... الصامتون علي ماذا يراهنون.. علي الإعلام الذي دخل أغلبه في سباق رهيب لكل أنواع ومخترعات الإثارة والفتن والشائعات وبث الكراهية... سباق إعلامي رهيب أسقط الوطن من حساباته ورسخ في الوطن مفاهيم جديدة للانتماء والوطنية لا علاقة لها بانتماء أو ولاء أو وطن!. الإعلام هو من طبع في ذهن الملايين النسخة الجديدة من الانتماء والوطنية وحب الوطن... الإعلام هو من وضع بثا مباشرا بالصورة والصوت علي الهواء مباشرة علي مدي ساعات اليوم.. وأهم ملامح الصورة المنقولة طوال ساعات اليوم.. شباب يرفع علم مصر بيد ويحرق في مصر بالمولوتوف باليد الأخري.. يبثها الإعلام علي مدي ساعات اليوم دون شجب أو إدانة أو رفض أو توضيح بأن الوطنية ضد حرق الوطن والعلم لا يرفع علي حرق ودمار وخراب!. الذي يرفع علم مصر مستحيل أن يحرق مصر.. لكن الإعلام هو من أجاز هذا وأكد ذلك ورسخ هذا المفهوم في أذهان الملايين.. وكأن الوطنية والانتماء والثورية لا تكون إلا بالحرق والدمار... هذا الإعلام.. هل تنتظرون منه يوما أن يشجب فوضي أو يدين بلطجة أو يدعو لاستقرار؟ الصامتون المنتظرون هل يعتقدون أن الحل سيأتي من النخبة التي فرضها الإعلام علي الشعب وأظن عددهم لا يصل إلي خمسين أو ستين شخصية.. هم أعضاء في الأحزاب أو الكتل أو الائتلافات أو يتكلمون باسمهم.. وهم أسماء متداولة علي صفحات الصحف ولهم وجود برأي في كل قضية ولهم تصريح يومي في أكثر من صحيفة في أي شيء ولهم أعمدة رأي ثابتة أو حسب التساهيل في صحيفة علي الأقل.. وصوتهم ولا أسكت الله لهم صوتا.. لابد أن يوجد في الراديو وتحديدا الF.M وحرصهم علي الراديو بالغ.. ويضطرون للاستيقاظ مبكرا أو السهر حتي الصباح حتي لا تفوتهم فرصة الكلام من أجل الوجود من السابعة وحتي الثامنة والنصف صباحا وهي فترة زحام معروفة ونسبة الاستماع فيها مضمونة مثل الفترة المسائية من الخامسة وحتي السابعة مساء.. ويبدأ ليلا المهرجان الحقيقي صوت وصورة في الفضائيات التي أصبحت النخبة علامة مميزة لها... هذه النخبة بما حصلت عليه من الإعلام علي مساحات نشر واستماع ومشاهدة هائلة علي مدي سنة علي الأقل.. هل أدان واحد منهم يوما فوضي أو بلطجة.. هل وضع واحد منهم خارطة تدعو الأطراف المتصارعة للحوار في الغرف المغلقة بدلا من الاحتكام إلي الميادين.. هل وضع واحد منهم مصلحة الوطن قبل مصلحته؟ لم يحدث ولعنة الله علي النفاق.. إلا أن الأمل موجود... الصامتون يوما ما سوف ينطقون وعندما يتكلمون.. تصمت الفوضي وتخرس البلطجة وتذهب إلي غير رجعة الكراهية. وللحديث بقية مادام في العمر بقية المزيد من مقالات ابراهيم حجازى