وسط حضور علمى كبير وعدد مشاركين تخطى الألف وسبعمائة مشارك من الباحثين والطلاب من مختلف التخصصات العلمية تناول مؤتمر "بيوفيجن الإسكندرية 2016" الدولى، الذى اختتم فاعلياته أول أمس، العديد من الموضوعات العلمية الهامة. وكان شعار المؤتمر، الذى يعقد كل عامين، فى دورته الثامنة "العلوم الحياتية الجديدة: الطريق إلى الأمام"، حيث تضمن ثلاثة محاور رئيسية هى: العلوم الطبية، الحيوية، والهندسة، بالإضافة إلى الغذاء والتغذية وحياة الانسان، وأخيرًا التطبيقات الحالية ورؤى المستقبل، هذا ماتم مناقشته من قبل ممثلين عالميين من ثلاثين دولة مختلفة فى مجالات الصناعة والعلوم، وواضعى السياسات، وممثلى المجتمع المدنى وكثير من العلماء والباحثين البارزين. ومن أبرز هؤلاء العلماء، البروفيسور فليكس أنجر رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون ومخترع أول قلب صناعى تمت زراعته عام 1988، الذى أكد أن دراسة الطب فى العالم تعانى من الكثير من أوجه القصور، من بينها تجاهل الجانب الروحى للمريض، حيث إن أى ارتباك نفسى أو معنوى يعانى منه الشخص يؤثر على مختلف أجهزة وأعضاء الجسم، مشيرا إلى أن نسب الوفيات بسبب الاكتئاب تعادل نسب الوفيات بسبب مرض السرطان. وأكد أن دراسة الطب لاتقتصر فقط على علم الأمراض، لكن يجب أن تتضمن أيضا معرفة مجتمع المرضى وبيئتهم وأماكن تواجدهم، فمن الضرورى أن يكون هناك توازن بين الخلفية البشرية والجوانب العلاجية. كما أشار أيضا إلى تجاهل تدريس الرعاية فى كليات الطب وأن هذا المفهوم قاصر فقط على طاقم التمريض، مؤكدا أنه لابد من آليات حديثة فى مجال الرعاية خاصة فيما يتعلق بكبار السن الذين يعانون من إعاقات مختلفة. وأوضح أن الثورة المذهلة فى علم الجينات تقودنا لتحقيق المزيد من التقدم فى علم الجراحة، حيث ظهر ما يعرف بجراحة الجينات التى يمكن عن طريقها إصلاح الجين المصاب أو استبداله وإجراء تعديلات عليه لتفادى الأمراض الناتجة عنه. كما سيكون لتكنولوجيا الجينات دور كبير فى علم الجريمة، واليوم تقوم بعض شركات التأمين بالاستعانة بهذه التكنولوجيا قبل التأمين على الأشخاص للتأكد من خلوهم من أى أمراض متوقع حدوثها، كأن يكون الشخص مصابا بجين مرض السكر مثلا فلا تقوم الشركة بالتأمين عليه. وفى كلمته، تحدث د. إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، عن العلوم الجدلية الجديدة والتطورات الحديثة فى العلوم الحياتية فى مجال الصحة والدواء والغذاء والزراعة وغيرها. وأضاف أن العالم يشهد ثورة علمية هائلة، ومنها ظهور مجال "تعديل الجينات" عن طريق تقنية CRISPR-Cas9، وهو مجال إذا تم تطبيقه سيؤثر بشكل كبير فى حياة الأجيال القادمة. وقال إن العلماء يقومون بالبحث فى مجال تعديل الخرائط الجينية، حيث تم تطبيقه فى الحيوانات والنباتات كما يمكن تطبيقه للحد من مخاطر بعض الأمراض ومن بينها فيروس زيكا. وأكد سراج الدين أنه حتى الآن لا يمكن استخدام هذه التقنية فى علاج الأمراض البشرية، لان معظم هذه الأمراض لايسببها جين واحد، ولكنها تكون متعددة الجينات، وبعض هذه الجينات يرتبط بوظائف أخرى كالمناعة على سبيل المثال، مما لايسمح بالتدخل فى تعديله حتى لايتأثر الجهاز المناعى. سوء تغذية أطفال إفريقيا وفى كلمته أكد جوردون كونواى، أستاذ التنمية الدولية بكلية إمبريال بلندن ورئيس مؤسسة (الزراعة من أجل التأثير)، والذى تحدث عن بعض الأزمات الحالية الكبرى وآخرها افتقاد البوصلة الأخلاقية للتفرقة ما بين ما هو جيد وما هو سىء فى مجال البحث العلمى. كما تطرق إلى أزمة الأمن الغذائى وتأثير التغير المناخى عليها وقضية الفقر التى تهدد نحو مليار شخص فى دول افريقيا والهند وباكستان. وأرجع السبب فى التغيرات المناخية إلى عدة ظواهر، منها ظاهرة "الاحترار" التى أصبحت ظاهرة عالمية، فهناك احصائيات تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمعدل 7 درجات، الأمر الذى أثر بدوره على تدفق المياه فى اتجاه المحيط الهادى، وقد تسبب نقص المياه فى الجفاف بمناطق مختلفة، وتوقفت زراعة أنواع من المحاصيل الزراعية مثل الذرة فى جنوب افريقيا. كما أشار إلى أن تأثير الموجة الحارة العالمية امتد عام 2010 إلى كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا والصين حيث عانت هذه الدول من الجفاف، ومن المتوقع أن نصف سكان العالم سيكونون فى منطقة شبه الصحراء الافريقية مع استمرار تلك الموجة، وأكد أن هناك جهودا دولية تهدف إلى خفض درجات الحرارة العالمية بمعدل درجتين. وتطرق كونواى إلى قضية سوء تغذية الأطفال حول العالم وبخاصة فى افريقيا، موضحا أن عدد سكان افريقيا فى تزايد وأن 70% من الأطفال فى افريقيا يعانون من مشاكل فى النمو بسبب سوء التغذية. وتحدث عن أحد الأخطار التى تحدق بالبشرية وهو تآكل التربة وخاصة فى المناطق الجنوبية من منطقة شبه الصحراء، حيث بلغت نسبة تآكل التربة 26%، الأمر الذى يؤثر على الزراعة حيث تزيد غازات الانبعاث الحرارى مما يؤثر بشكل كبير على الاحترار العالمى. علاج القلب بخلايا الجلد من جانبه استعرض كوجى أومى مدير منتدى العلوم والتكنولوجيا فى المجتمع باليابان تجربة بلاده فى مجال البحث العلمى وتطويره، مشيرا إلى أن الساحة العلمية فى اليابان مهتمة بالأبحاث الجديدة حول استخدام خلايا الجلد البشرى فى علاج القلب المتضرر من خلال إعادتها فى خلايا القلب. كما أوضح أن الحكومة اليابانية أعلنت خارطة طريق خاصة بالبحث والتطوير فى مواجهة الأمراض المعدية. كما أشار إلى أن التركيز هذا العام سيكون على الهندسة الجينومية لمواجهة التقدم فى العمر بالاعتماد على الاهتمام بالصحة. تعليم الأجنة وخلال فاعليات المؤتمر تم عقد جلسة مع اثنين مع العلماء الحاصلين على جوائز نوبل، الأول هو البروفيسور جيمس هيكمان من جامعة شيكاغو والحاصل على جائزة نوبل عام 2000 عن إيجاد نظرية وأساليب جديدة تستخدم فى تحليل السلوك الشخصى على مستوى الفرد والعائلة، والذى تحدث عن الارتباط بين العلوم الطبية الحيوية وبين الاقتصاد وأثر ذلك على ازدهار حياة البشر، وأكد أن الاستثمار فى رأس المال البشرى يأتى بالعائد الاقتصادى الكبير، موضحا أنهم يقومون فى جامعة شيكاغو بأبحاث علمية لكيفية تطوير المهارات المختلفة لدى الأطفال وذلك للاستفادة منها اقتصاديا. وأوضح أن التجارب التى تتم داخل فصول الفيزياء أثبتت لهم أن التعليم يُحدث تغيرات جينية فى مخ الأطفال، وأن هناك فارقا بين مخ الطفل المتعلم وغير المتعلم، ومن هنا بدأ التركيز على التأثير على المخ البشرى فى الاستيعاب واكتساب المهارات منذ الصغر، وأكد أيضا أن التعليم المبكر فى مرحلة ما قبل الولادة يلعب دورا هاما فى التأثير على صحة الإنسان وعلى اكتسابه للمهارات التى تساعده على الاستثمار المادى، وهو ما جعلهم يدرسون دورة التطور البيولوجى للإنسان من قبل الولادة وتأثير التعليم على صحته واكتسابه للثروة. وأوضح أنه إذا نجحنا فى بناء المهارات الشخصية والقدرة على التحكم فى الذات والعمل مع الآخرين لدى الشخص فقد ضمنا مستويات أعلى للصحة. وهذه المنافع الصحية تعود بمنافع مادية، فعندنا قاعدة أن كل دولار يمكن أن يعود بعائد 13% إذا تم استثمار مهارات الإنسان. كما أشار إلى تأثير سوء التغذية على المخ البشرى ، فنقص الحديد فى دول بافريقيا وجنوب شرق اسيا وُجد أن له تأثيرا سلبيا على مستوى قدرات الأطفال الذهنية، وأكد أن الفقر ليس فى التغذية فقط ولكن فى وجود بيئة تهيئ للطفل حياة كريمة، حيث وجدوا أن للأسرة دورا كبيرا فى تعزيز حياة صحية أفضل، حيث تمت دراسة تأثير غياب الآباء عن الأطفال الموجودين فى ملاجئ، فوجدنا أن لذلك تأثيرا سلبيا على دماغ هؤلاء الأطفال حتى بعد مراحل النمو. تحدى المليار سنة عالم الفيزياء بوكالة ناسا جون ماثر والحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 2006 عن اكتشافه الخلفية الاشعاعية للكون، كان الضيف الثانى للمؤتمر بجلسة نوبل، حيث أكد أنهم بصدد الانتهاء من المرصد الفلكى الذى سيعطينا فكرة أعمق عن نشأة الكون والمجرات وحول التحقق من وجود حياة على كواكب أخرى، كما أشار إلى ما يعرف ب " تحدى المليار سنة"، موضحا أنه مر نصف مليار سنة على نشأة الحياة على الأرض، فمنذ 100 ألف سنة كان الإنسان الحديث، ومنذ 10 الآف سنة ظهرت الثورة الزراعية، ومنذ 500 سنة جاءت ثورة الطباعة، ومنذ 100 عام نشأت ثورة الفيزياء، ومنذ 20 سنة ثورة الهواتف الخلوية، ونحن اليوم فى عصر ثورة المعلومات الحيوية bio- information""، والآن يخطط العلماء للمليار سنة القادمة والتى ستضم 50 مليون جيل. وأشار إلى أنه يتم الآن زرع "روبوتات" فى الفضاء تقوم بدور رواد الفضاء فى ظروف الجاذبية ودرجات الحرارة الصعبة، وقريبا سيكون هناك "روبوتات" آلية أكثر ذكاء من أجل تحقيق المزيد من الاكتشافات الفضائية الحديثة فى رحلة البحث عن أسرار الكون. ميثاق دولى للصحة وفى كلمته أكد العالم الفرنسى شارل أوفرى، رئيس ومؤسس المعهد الأوروبى للطب الحيوى، أنهم منذ 7 سنوات بدأوا الاعلان عن هذا النوع الجديد من الطب الذى يُعرف ب "طب الجينوم"، وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبى يقومون بعلاج الأمراض الصعبة الخاصة بالجهاز التنفسى باستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا والتقنيات العلمية الحديثة، موضحا أنه عن طريق تكنولوجيا البيانات الضخمة ورصد بعض الحالات لمرضى الربو يمكننا منع حدوث أزمات الربو للأشخاص الذين لم يتعرضوا لها من قبل، كما أن لدينا بعض الخرائط الجينية التى ترصد مسارات مرضى الشلل الرعاش والتى يمكن قراءتها بواسطة البشر، كما نطور الخرائط الجينية الخاصة بسرطان الدم والرئة. وأوضح أن أهم ما نسعى إليه هو الانتقال من النهج التقليدى فى الطب إلى نهج جديد، فنحن ننظر إلى مسألة المناعة وعلاقتها بمرض السرطان من منظور جديد، كما نعمل على نبذ الملكية الصارمة على بيانات بعض المرضى، لان تدفق هذه البيانات ومشاركتها سيساعدنا فى الأبحاث والدراسات العلمية التى تهدف إلى تعزيز حياة البشر. وأكد أننا سوف نقترح ميثاقا للاتحاد الدولى للصحة والسلامة أسوة بمجال الاتصالات الذى شهد طفرة كبيرة فى الأعوام الماضية بسبب هذا الميثاق، كما سنضع مبادئ لتعزيز التحول القانونى فى مجال الصحة بما يضمن تمتع الإنسان بصحة أفضل مع حفظ حقه القانونى. علاج السرطان بأحد مسبباته وعرض د. شريف الخميسى أستاذ الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة الجزيئية ومدير مركز علوم الجينوم فى جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، كشفه العلمى حول استخدام أحد العوامل المسببة للسرطان كعلاج، موضحا أن الحمض النووى يتركب من جينات بعضها يقوم بتكسير الحمض النووى نفسه ويسبب تشوهات وتكسر فى ترابط الخلية، وربما كان هذا هو السبب فى حدوث السرطان، وأوضح أنهم من خلال فهم سلوك بعض الإنزيمات فى الأنسجة، وبإيجاد سلالة جديدة من الخميرة تقلد بعض الأنماط الجينية، أمكنهم إصلاح تكسر الحمض النووى، كما أنهم اعتمدوا على الاختلافات الجينية بين المرضى فى إيجاد علاج دوائى متخصص. وقدم الخميسى فريق العمل الذى يقوده، والمكون من محمد عاشور وريهام عطية، اللذين تمكنا من إصلاح العيوب بالطريقة التى يعمل بها إنزيم "التوبوايزوميريز" والتى يمكن أن تسبب تغيرات في تركيب الكروموسومات داخل الخلايا، مما قد يؤدى إلى تطور مرض السرطان. حيث وجدوا أن هذه العيوب يمكن أن تؤدى أيضًا إلى موت الخلايا السرطانية، وهى الأداة التى تم استخدامها لقتل الخلايا السرطانية. واستعرض د. الخميسى كشفه أيضا عن الجين المسئول عن الحفاظ على سلامة الخلايا العصبية، بعدما توصل إلى كيفية احتواء المادة الوراثية (DNA)التى تبلغ قرابة المترين طولا فى الخلية التى لا تتجاوز النانوميتر، حيث تم ذلك عن طريق مجموعة من الإنزيمات التى تقوم بضغط المادة الوراثية ثم إعادتها مرة أخرى للقيام بعمليات متعددة منها صناعة البروتين التى تحدد هوية وسلامة الخلايا والأنسجة. مؤكدا أن هذا الأمر سيسهم فى التنبؤ بأمراض ضمور الجهاز العصبى التى تنتج إما بسبب عوامل وراثية أو بسبب التعرض للملوثات البيئية، أو تلك التى تحدث مع التقدم فى العمر.