توجهت أطراف الأزمة السورية من جديد إلى جنيف، مع بدء الجولة الثالثة من المفاوضات، وسط حالة من الترقب الدولى لما قد تحمله من جديد على مسار التسوية السياسية للأزمة، خاصة بعد جولتين لم يحملا المنتظر منهما. وجاءت بداية الجولة الأربعاء الماضى لتحمل ربما بعض المؤشرات المبشرة على نجاح خطة تسويق الأزمة خلال الفترة الماضية، أولها هو تجاوز الخلاف على موعد الانطلاق، حيث موافقة المعارضة على حضور وفد الحكومة بعد نهاية الانتخابات البرلمانية، رغم رفضها الأمر فى ختام الجولة الماضية التى عقدت فى الفترة من 14 إلى 24 مارس الماضي. أما أهمها فكان إعلان ستافان دى ميستورا مبعوث الأممالمتحدة لحل الأزمة صراحة هذه المرة - وعلى غير العادة - أن موضوع موقع الرئيس بشار الأسد فى مستقبل سوريا ليس مطروحا على مائدة المفاوضات الجارية. وأشار دى ميستورا فى تصريحاته إلى أنه ملتزم فقط بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الذى قاد إلى بيان جنيف وتحدث عن هيئة الحكم الانتقالية، وأضاف أن الهدف الأساسى لهذه الجولة من المفاوضات هو بحث وتناول البنود الثلاثة الرئيسية : الحكومة والدستور والانتخابات. وهذا المبدأ نفسه هو ما أكده الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى حواره السنوى المباشر مع المواطنين - الخميس الماضى - بقوله إنه "يجب على أطراف الأزمة السورية الجلوس إلى مائدة المفاوضات من أجل تبنى دستور جديد وإجراء انتخابات مبكرة على أساس هذا الدستور، والخروج من الأزمة بهذه الطريقة". إلا أنه وفى المقابل، ظهرت بعض المشاهد التى من شأنها خروج الجولة مثل سابقيها دون أى تقدم ملموس، وعلى رأسها: أولا : احتفاظ وفد المعارضة بتشكيله دون أى جديد، حيث ظلت مشاركة صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى مرفوضة من جانب الهيئة العليا للمعارضة، خاصة بعد إعلانه الفيدرالية فى بعض مناطق شمال سوريا. ورغم ذلك، فقد تم توجيه دعوات شخصية إلى بعض أعضاء مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية لحضور الجولة الحالية، بينما شارك أيضا وفد يمثل معارضة الداخل المعترف بها من الحكومة السورية، ذلك بصفتهم جميعا مراقبين أو مستشارين. وأعلنت قائمة "القاهرة - موسكو" أنها بحثت مع دى ميستورا ترتيبات تشكيل هيئة الحكم الانتقالي. وأوضح جهاد مقدسى عضو القائمة أن "رؤية القائمة تقوم على تشكيل مؤسسة كاملة للحكم الانتقالي، تتضمن مجلسا يتولى دور الرقابة والتشريع وحكومة انتقالية ومجلسا للقضاء الأعلى ومجلسا عسكريا يكون تحت أمر الحكومة وهيئة عليا للإنصاف والعدالة تتولى موضوع العدالة الانتقالية، وجميعها يشترك فى تشكيلها منتمون للحكومة والمعارضة". وأضاف مقدسى أن الوفد طلب من دى ميستورا إيصال هذا المقترح إلى وفد الحكومة السورية، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أنهم أرسلوا برسالة إلى وفد الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة بهدف التواصل، لكنهم لم يتلقوا أى رد حتى الآن. ثانيا: تضارب تصريحات أعضاء الهيئة العليا نفسها حول مسألة الانتقال السياسي، حيث تصريح أسعد الزعبى رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة السورية بأن ما يعنيه وفد المعارضة بالحديث عن الانتقال السياسى هو بالضرورة رحيل كل رموز "النظام" فى سوريا، فى الوقت الذى أعلن فيه سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة نفسها إمكانية المشاركة فى هيئة حكم انتقالى مع أعضاء حاليين من حكومة الرئيس بشار الأسد ولكن ليس الأسد نفسه، وقال إنه "يمكن تشكيل هيئة حكم انتقالى يتكون نصفها من أشخاص هم حاليا مع النظام والنصف الآخر من المعارضة، وتكون مسئوليتهم هى الدعوة إلى مؤتمر وطنى فى سوريا يقوم بتشكيل لجنة تتولى صياغة دستور جديد وتدعو إلى انتخابات برلمانية". وهو ما جاء الرد عليه سريعا من جانب فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورى فى تصريحات خاصة لشبكة "إيه. بي. سي" الأمريكية، التى طالب فيها المعارضة السورية صراحة بضرورة التخلى عن "حلمها" فى تشكيل الحكومة الانتقالية. وقال المقداد إن "تشكيل المعارضة لحكومة انتقالية يرتقى إلى مرتبة الانقلاب"، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن الانقسامات فى صفوف المعارضة تجعل التفاوض مستحيلا حول أى حل نهائي. وبالتزامن مع هذا، عاد الحديث مجددا حول جاهزية الخطة "ب" لتسوية الأزمة للتطبيق فى حالة فشل المفاوضات وانهيار الهدنة، وذلك وسط استمرار النفى الروسى والأمريكى لما تتناقله وسائل الإعلام من آن لآخر حول الأمر، والذى يتضمن توجه واشنطن إلى تسليح متطور جديد للمعارضة السورية بهدف مواجهة طائرات ودبابات الجيش السوري، فيما يشبه الحرب الشاملة. ففى موسكو، قال سيرجى ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسى إنه : "من وقت لآخر، يظهر حديث عن خطة (ب)، ونحن لا نعلم شيئا عن أى خطط، ولا أحد ناقشها معنا". وفى واشنطن، أكد جاريد كابان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أنه "ليس هناك أى وجود لخطة سرية لدى الولاياتالمتحدة تجاه الوضع فى سوريا، وليس هناك خطة ب". وهكذا، فإنه ومع دخول المفاوضات "المرحلة الحاسمة" كما وصفها دى ميستورا، يبقى السؤال الصعب هو : هل ينجح قطار المفاوضات هذه المرة بالفعل فى تجاوز عقبة الانتقال السياسي، ومن ثم وضع حد للأزمة؟ أم يحول الفشل مرة أخرى دون الخروج بأى جديد على مسار التسوية السلمية، وهو ما يعنى على الأرجح تحول الخطة "ب" إلى واقع ملموس على الأرض؟