تتعرض مصر لعاصفة شديدة هذه الأيام ويقف الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قلب هذه العاصفة حيث تتجه إليه سهام كثيرة نعرف بعض مصادرها وللأسف إننا لا نعرف الآخر وكما أكد فى حديثه إلى ممثلى الشعب ان المؤامرة مازالت قائمة وان لها أطرافا خارجية بل وداخلية وان المشكلة الكبرى لدى هؤلاء ان مصر تنهض وتتحدى وتنجز..ان هناك مبررات كثيرة لهذه العاصفة..هناك إحساس لدى جبهات كثيرة ان مصر تقوم وان هناك بوادر نجاح تطل فى الأفق وان الثمار تقترب وإننا نكاد ان نضع أقدامنا على الطريق الصحيح بعد سنوات من العشوائية وغياب المصداقية وفساد النفوس..هناك إحساس ما ان مصر تسلك الآن طريقا آخر..والشواهد كثيرة وان ما تحقق من انجازات فى شهور قليلة يؤكد ان القافلة تسير بثقة وإيمان وتجرد. رغم الهزائم والانكسارات التى لحقت بأقوى الجيوش العربية فإن جيش مصر رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة أصبح أقوى الجيوش فى إفريقيا وأقوى الجيوش العربية وواحد من الجيوش الأولى على مستوى العالم..هذا الانجاز هو الذى حمى مصر من كل الكوارث التى لحقت بالدول الشقيقة وشردت شعوبها وضيعت مواردها..وكان الهدف ان يلحق الجيش المصرى بما جرى للجيوش الأخرى وان تدور رحى الحرب الأهلية بين المصريين وان تدخل مصر فى تلك الدائرة الجهنمية التى ضيعت جزءا كبيرا من مقومات هذه الأمة..ان أنظار العالم تتجه كلها إلى جيش مصر الذى يحارب معركته مع الإرهاب على أرضه وهو الآن أهم مصادر الأمن والاستقرار خاصة انه تجاوز مهمة الدفاع عن الأرض إلى المشاركة فى إعادة البناء ولاشك ان جيش مصر يقلق الآن أطرافا كثيرة وهو ايضا مصدر أمان لأطراف أكثر. هناك شواهد كثيرة تؤكد ان مصر تتغير..ان قائمة المشروعات التى يجرى الآن تنفيذها تؤكد ان هناك فكرا جديدا قد يختلف البعض على توجهاته وهذا أمر وارد ولكن هناك مؤسسات تعمل فى البناء والطرق والزراعة والإنتاج قد يرى البعض ان العائد ليس كافيا ولكننا نتحدث عن شهور وليس سنوات ونتحدث عن اقتصاد منهك وشعب يعانى إلا ان ما نراه من النتائج يبشر بأننا نسير إلى الأفضل. ان المطلوب من الحكومة والإعلام ومؤسسة الرئاسة ان يقدموا للمصريين صورة ما يجرى وما يتحقق، مازلنا نتعامل مع كل الأشياء بسرية بالغة وكأنها أسرار حربية لابد ان يرى الشعب سلسلة الطرق الجديدة والأراضى الجديدة وآلاف العقارات والشقق التى توزع على الطبقات الفقيرة وان تراقب الدولة توزيع هذه الشقق حتى لا تتحول إلى مزادات وسوق للاتجار والتربح وان يشاهد المواطن المصرى ما يحدث فى مجالات الزراعة..وهناك أيضا معركة ضارية تخوضها بنوك مصر ضد تجارة العملة وبقايا اعمال السمسرة..هناك بلا شك انجازات ونجاحات ولكنها لا تجد من يسوقها أمام مسئولين كسالى وإعلام يخضع لرغبات رجال الأعمال وشططهم. ان خروج القرار المصرى من دوائر التبعية إلى ساحة اكبر واشمل تحقق له حرية القرار افسد على أطراف كثيرة مصالحها وأهدافها إنها اعتادت لسنوات طويلة ان تكون صاحبة اليد العليا ان محاولات تحرير الإرادة المصرية تلقى رفضا واسعا من دوائر دولية كثيرة واكبر دليل على ذلك هو محاولات التهويل فى أحداث لا ينبغى ان تأخذ كل هذا الاهتمام..ان حقوق الإنسان قضية لن نختلف عليها ابداً واحترام آدميته تسبق كل شىء ولكن أمام قضية الشاب الايطالى ريجينى والموقف الشعبى والدولى ومن يقف وراءه فى دول الاتحاد الأوروبى بحيث تحول إلى قضية دولية تشبه احراق اليهود فى المانيا النازية فهنا تبدو الصورة وفيها الكثير من المبالغة، لقد غطت قضية الشاب الايطالى على العشرات الذين قتلوا فى أحداث باريس وبروكسل الإرهابية ولم نعد نقرأ عنها شيئا فى الإعلام الغربى كله بينما تحولت قضية الشاب الايطالى إلى محاكمة للنظام المصرى بكل مؤسساته، هناك أخطاء أمنية وسياسية فى هذه القضية ولكنها لا تستحق كل هذا الصخب فما أكثر المصريين الذين قتلوا فى دول أوروبا ومنهم علماء فى الطاقة النووية وخبراء فى مجالات حساسة ويكفى الطائرة المصرية التى سقطت فى نيويورك وفيها عشرات من شباب مصر فى تخصصات نادرة ولم نسمع عنها شيئا حتى الآن..مقتل ريجينى جريمة بشعة ولكن الاتجار بها تجاوز كل الحدود ولا ينبغى ان نرضخ أكثر من هذا أمام هذه الضغوط. مازلت اعتقد ان قضية منظمات المجتمع المدنى التى تعرض الآن على القضاء قضية مصرية مائة فى المائة حتى وان كانت فيها أطراف دولية ممثلة فى الدعم المالى الأجنبى الذى تحاسب عليه الآن هذه الجمعيات..كنت أتصور فى ظل مواقف الدولة فى إغلاق ملفات الماضى مع رموز النظام السابق سياسيا وماليا وإنسانيا ان نغلق ملفات تمويلات المجتمع المدنى لأنها جزء من التراث السيئ لهذا النظام ولكن بعد فترة صمت طالت فتحت الدولة هذه الملفات مرة أخرى وعادت معها عواصف كثيرة عن حقوق الإنسان فى مصر وتحولت هذه المحاكمات إلى عمليات انتقامية من النظام رغم انه لم يشارك فى صنعها إو التغطية على تجاوزاتها..كنت أرى ان البعض حاول الربط بين كل هذه الشواهد ومقتل الشاب الايطالي..وقضايا تمويل منظمات المجتمع المدنى وما تشهده مصر من تحولات فى مواقفها الخارجية لتصنع من ذلك كله بالونة ضخمة تشكك فى النظام الحالى وما يحدث فى مصر. لم يكن غريبا ان تنفجر فى وجوه المصريين محنة جديدة عن ازدراء الأديان ورغم ان القضية ليست جديدة وقد حركت أعاصير كثيرة منذ عشرات السنين فى الشارع المصرى إلا إنها فى ظل حالة الانفلات والفوضى التى نعيشها أصبحت إعلاميا فقط واحدة من أهم قضايا الشارع المصرى رغم كل ما يحيط به من الأزمات وحاول البعض ان يروجها فى الخارج ضمن سياق الهجوم على النظام على أساس انها ضد الحريات رغم إنها ظاهرة قديمة ولا تستحق ما يثار حولها من الجدل لا فى الشخوص ولا فى الإبداع ولا فى الفكر ولكنها جبهات تعمل فى سياق واحد تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرية الفكر وجبروت الأمن واستخدمت فى ذلك الإعلام المصرى وجعلت منها قضايا تسبق هموم الملايين الباحثين عن رغيف أو عمل أو مستقبل. ان خروج هذه القضايا وانفجار ألغامها فى وقت واحد لا يمكن ان يكون شيئا عاديا خاصة أمام ضغوط شديدة فى الداخل والخارج ربطت بين مقتل الشاب الايطالى وقضية المجتمع المدنى وازدراء الأديان هذه الثلاثية عزفت فى وقت واحد. يأتى الحصار الدامى الذى تتعرض له مصر اقتصاديا أمام أسباب لا علاقة لها بلغة الاقتصاد ومصالحه وأمام حالة من التوجس فى ظل مسيرة العلاقات المصرية الخارجية التى انطلقت بقوة تبحث عن بدائل وأمام محاولة إنقاذ لمصر وقد نجحت فى الخروج بها من العواصف التى اجتاحت المنطقة كان التقارب المصرى السعودى طوق نجاة للبلدين لأن كلاهما فى محنة..ان المحنة الأكبر التى تواجه البلدين هذا المستنقع من الدم الذى اغرق نصف هذه الأمة..ان هذه المحنة هى حشود الإرهاب التى تواجهها السعودية فى اليمن وفى الداخل وتعيشها مصر فى سيناء وما بقى من حشود الإخوان..ان هذه المحنة تتجسد فى الاقتصاد العالمى الذى خفض موارد السعودية من البترول إلى النصف ووضع مصر أمام تحديات اقتصادية وأعباء رهيبة لتكمل مسيرتها فى البناء..كان اللقاء المصرى السعودى ضرورة خاصة ان أطرافا دولية كثيرة كانت لها أحلام فى تشتيت ما بقى من حصون هذه الأمة ممثلا فى مصر والسعودية..جاءت زيارة العاهل السعودى الملك سلمان ومباحثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسى خارج كل الحسابات فى مظهرها وانجازاتها وآثارها الدولية والمحلية فقد ألقت السعودية بثقلها المالى فى جزء عزيز من مصر تعرض لإهمال شديد وهو سيناء ثم كانت اتفاقيات فى الكهرباء والتعليم والثقافة والطرق والمياه..وقبل هذا كله كان هناك حديث مستفيض عن فكر الإرهاب وهو يرفع راية الإسلام والسعودية بيت كل المسلمين. وكان لا بد ان يظهر لغم يفجر هذا الانجاز وأمام خطأ فادح من حكومتنا الرشيدة حول اتفاقية جزيرة تيران وصنافير تركت الكاميرات والأقلام كل ما حدث واتجهت لإعلان معركة جديدة..والأمر بدأ بخطأ حكومى ويجب ان يصحح حكوميا بأن تعود القضية إلى الشعب مرة أخرى وكل طرف لديه وثائقه فلا السعودية يمكن ان تطمع فى ارض مصرية ولا مصر تقبل ان تأخذ أرضا ليست من حقها فلنعد بالقضية إلى بدايتها التى كان ينبغى ان تنطلق منها..كان ذلك واضحا فى حديث الرئيس السيسى مع ممثلى الشعب وان الاتفاق سيعرض كاملا على البرلمان المصرى ليرى فيه ما يشاء طبقا للدستور وقد وضح الرئيس فى حديثه الصورة كاملة حول الجزيرتين ثم كان رأى الدكتور مفيد شهاب قاطعا بالوثائق والقانون ان الجزيرتين سعوديتان قلت كثيرا ان الانقسامات هى أسوأ ما ترك لنا الإخوان المسلمون..فريق يخرب ويحرض فى الخارج وفرق من الشباب الحائر تتلقى الأوامر بالقتل والإرهاب وإعلام تحركه نوايا سيئة وأغراض مشبوهة ومازال الإخوان ينتهزون كل فرصة من اجل بث سمومهم فى الداخل والخارج ان كل خطوة للأمام تؤرقهم وكل نجاح يزعجهم وكل انجاز يحرك نوازع الشر فيهم ورغم ان لهم علاقات قديمة مع المملكة العربية السعودية فقد أطلقوا نيرانهم عليها ورغم الخلافات بينهم وبين العهد البائد توحدوا فى الهجوم على مصر ودخل فى هذه المأساة رجال الأعمال وأمام كل واحد فضائيته يشككون فى كل شئ ويهيلون التراب على كل شىء ويريدون العودة إلى الوراء ليحققوا المزيد من النهب والثراء والتحايل. ان مصر تعيش لحظة حرجة ويجب ان نقف معها فى محنتها لأنها تتحرك وتتغير وأوشكت ان تقوم وهناك من لا يريد لها هذه الصحوة..على الحكومة ان تعى مسئوليتها وتتحرك وتقدم للشعب صورة حقيقية عن كل ما يجرى وان تنسى عهود الضبابية والعشوائية وغياب الشفافية فى أزمنة مضت لأن الشعب وصل إلى درجة من الوعى والفهم والمسئولية تحتاج إلى قناعات ووضوح فى الرؤى والأهداف. على الإعلام ان يغير مساراته ويبتعد عن حسابات ملاك الفضائيات من رجال الإعمال ولا ينبغى ان يستأجر كل رجل أعمال بوقا يدافع عن مصالحه أو يحاول ابتزاز الدولة أو الإساءة إلى ثوابت هذا المجتمع وطموحاته نحو مستقبل أفضل. لقد أكد الرئيس السيسى فى حديثه مع ممثلى الشعب ان قيم مصر وتراثها ترفض الاعتداء على حقوق الآخرين وإننا لن نفرط فى حبة رمل من ترابنا وان على الإعلام ان يلتزم بالحقائق ويحترم المشاهد ولا يجمع اخباره من مواقع التواصل الاجتماعي. علينا ان نستعيد كشعب ثقتنا فى أنفسنا وإلا نجلد أنفسنا كل يوم أمام أحداث هى عادية فى مسيرة التحولات الكبرى إننا نشك فى كل شىء ونشكك فى كل شىء ابتداء بثوابتنا الوطنية وهذا خطأ فادح لأنه يعكس تشوهات أصابت الشخصية المصرية ودمرت الكثير من جوانبها الايجابية. ان الأزمات كثيرة والحصار صعب والمسئوليات ضخمة والرئيس عبد الفتاح السيسى يواجه حصاراً رهيبا وكما وقف معنا فى بداية العاصفة يجب ان نسانده الآن ليس رداً للجميل أو وفاء لشخص ولكن وفاء للوطن. ..ويبقى الشعر فلتسألوا التاريخَ عنِّي كلُّ مجدٍ تحت أقدامى ابتدا.. أنا صانعُ المجدِ العريقِ ولم أزل فى كلِّ رُكنٍ فى الوجودِ مُخلَّدا.. أنا صحوةُ الإنسان فى ركبِ الخُلودِ فكيفَ ضاعَت كلُّ أمجادى سُدَي.. زالت شعوبٌ وانطوَتْ أخبارُها وبقيتُ فى الزَّمنِ المكابِرِ سيِّدا.. كم طافَ هذا الكونُ حولي كنتُ قُدّاساً..وكنتُ المَعبدا.. حتى أطَلَّ ضياءُ خيرِ الخَلقِ فانتفَضَت ربوعى خشيةً وغدوتُ للحقِّ المثابرِ مسجدا.. يا أيُّها الزَّمنُ المشوَّهُ لن ترانى بعدَ هذا اليومِ وجهاً جامِدا.. قولوا لهُم إنَّ الحجارةَ أعلنَت عِصيانَها والصامِتُ المهمومُ فى القيدِ الثقيلِ تمرَّدا.. سأعودُ فوقَ مياهِ هذا النَّهرِ طيراً مُنشِدا.. سأعودُ يوماً حينَ يغتسلُ الصباحُ البكرُ فى عينِ النَّدي.. قولوا لهُم بينَ الحجارةِ عاشقٌ عرِفَ اليقينَ على ضفافِ النيلِ يوماً فاهتدي.. وأحبَّهُ حتى تَلاشَى فيهِ لم يعرِف لهذا الحبِّ عُمراً أو مدي.. فأحبَّهُ فى كلِّ ش ٍ فى ليالى الفرحِ فى طعمِ الرَّدَي.. مَن كانَ مثلى لا يموتُ وإنْ تغيَّرَ حالُهُ وبدا عليهِ..ما بدا.. بعضُ الحجارةِ كالشموس ِ يَغيبُ حيناً ضوؤُها حتى إذا سَقَطَت قِلاعُ الليلِ وانكسرَ الدُّجي جاءَ الضياءُ مغرِّدا.. سيظلُّ شىُء فى ضميرِ الكونِ يُشعِرُني بأنَّ الصُّبحَ آتٍ..أنَّ موعِدهُ غدا.. ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا.. ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا .. من قصيدة «حتى الحجارة أعلنت عصيانها» سنة 1997 [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة