عقب أي ثورة يتطلع مؤيدوها إلي أن يقود البلاد أحد أعضائها, وهو ما لن يتحقق بعد ثورة25 يناير, لعدم وجود ولغياب التجربة السياسية لجيل الثورة, وإلي حين وصولنا إلي توافق حول دستور جديد, وشعور السلطة في كل مكان, وعلي جميع المستويات أن الشعب هو الحكم من خلال الصندوق الانتخابي, وإلي أن يطمئن المواطن أن المعارضة, والتظاهر, والاعتصام مكفولة للجميع, وإنما بيده الحصول علي حقوقه مستندة علي الدستور الجديد, وممارسة سياسة ديمقراطية, إلي حين وصولنا لهذا ستظل مصر في مرحلة انتقالية كبري, وتمتد في تقديري إلي نهاية الولاية المقبلة للرئيس المصري الجديد, الذي نحن علي أبواب انتخابه. يغيب عن السباق الرئاسي محمد البرادعي, الذي كان له دور رئيسي في توفير الزخم السياسي لانطلاقة الشباب, وتأييد المجتمع لهم, مفضلا العمل الحزبي التراكمي من أجل بناء مصر الجديدة, تحكم بالقانون, ويسودها العدل الاجتماعي, وتحترم فيها حقوق الإنسان, وتوفر المساواة والرخاء للكل, دون خيار أو استثناء. ندخل الانتخابات ومن ضمن المرشحين من جاهد دوما من أجل حقوق الإنسان مثل خالد علي, ومن كان له رصيد نشاطي, أو تعرض للحبس مثل حمدين صباحي أو عبدالمنعم أبو الفتوح, وهناك آخرون لهم مواقف إيجابية متنوعة, وكل المرشحين دون استثناء أيد مبادئ الثورة, بعضهم فور انطلاقها مثل عمرو موسي والحريري والبسطويسي, أو مع بدء حملاتهم الانتخابية مثل مرسي وشفيق. إزاء هذا الواقع الذي تعيشه مصر الآن, علي الناخبين, وخاصة مؤيدي الثورة, حسم اختيارهم الرئاسي علي أساس مدي قدرة المرشح علي إدارة أمور البلاد في مرحلة انتقالية ممتدة, إلي أن يستكمل العمل الثوري, وتتحقق أهدافه, وفي هذا السياق عليهم الاختيار بين الطريق المدني أو سبيل المرجعية الدينية كتوجه للرئيس الجديد, المسألة ليست بين الدين والدولة, فلسنا في محل التكفير والتخوين, وإنما علينا مصارحة أنفسنا هل نؤمن بحل القضايا اليومية وفقا لتفسير ديني, أم بتفسير مدني للسياسة. في ضوء أهمية هذا السؤال أدعو الناخب إلي تغليب العقل علي العاطفة, وحساب مغزي الخيارات وتوابعها, حتي لا نعود مرة أخري, ونندم علي خطأ جسيم مثل التصويت في مصلحة التعديلات الدستورية, وهو خطأ ندفع ثمنه غاليا الآن. ما أقصده بذلك هو ضرورة اختيار الناخب للتيار السياسي الذي يميل إليه قبل تحديد شخص المرشح نفسه, وأن يختار المرشح المرجح فوزه في هذا التيار, ضمانا لنجاح التيار, حتي إذا لم يكن هذا المرشح هو ما كان يفضله في الأساس, تجنبا لإهدار الأصوات أو تفتيتها, بما قد يفيد التيار المضاد لما ينتمي إليه, وينطبق ذلك علي التيار المدني أو السياسي الإسلامي علي حد السواء. ومع احترامي للجميع, هناك من وجهة نظري مجموعتان من المرشحين المؤثرين في نتيجة الانتخابات, بالفوز أو بحصد نسبة غير قليلة من الأصوات تؤثر في النتيجة النهائية, وهم في الخندق المدني موسي, وشفيق, وصباحي, وعلي, والحريري, والبسطويسي, وفي المقابل بالخندق السياسي الديني هناك أبو الفتوح, ومرسي, والعوا, ولكل مرشح من هؤلاء نقاط ضعف مثل أي إنسان, ولهم أيضا نقاط قوة منها نضالية الحريري, ومثالية علي, وثبات صباحي في معتقداته, وحسم شفيق, وخبرة موسي السياسية الدولية, وعدالة العوا, والتزام مرسي برؤيته, وحضور أبو الفتوح ولباقته, والخيار ليس بين اختيار مرشح الثورة من عدمه, فليس هو أو هي بين هؤلاء, ومن الخطأ إهدار الصوت علي مرشح ليس له فرصة حقيقية للنجاح, علي الأقل في الانتخابات الحالية, إنما المعيار يجب أن يكون من هو المرشح الذي ينجح التيار السياسي المدني, أو التيار الديني السياسي علي الآخر, بغية تحقيق أهداف الثورة خلال المرحلة الانتقالية المقبلة. أستغرب أن يصل إلي مشارف الدورة الأولي للانتخابات ولا يزال التيار المدني منقسما غير ملتف حول مرشح بما يهدد بانتهاء الدورة الأولي بمرشحين من التيار الاسلامي, وهو احتمال يجب عدم استبعاده فلا توجد لدينا في مصر تجارب تجعلنا نستطيع تقييم القوة الحقيقية للتيار الاسلامي, خاصة مع ارتفاع قدراته التنظيمية بما يضمن له قوة تصويتية يوم الانتخابات قد لا تظهر في احصائيات الرأي العام. واستغرب كذلك أن يظل هناك ثلاثة مرشحين لهم مرجعية سياسية إسلامية, في استهتار بالغ بوسطية المجتمع المصري ومدنيته, خاصة مع ارتفاع الشعور بالقلق من فرض الرأي الواحد مع وجود أغلبية إسلامية في مجلس الشعب, فضلا عن تضارب ممارساته, مما أساء إلي هذا التيار, ويخطئ من يستبعد احتمال خروج التيار الإسلامي كلية, أو علي الأقل تجريحه في الدورة الأولي للانتخابات, فلا أعتقد أنه محض المصادفة أن نجد ارتفاع نسب تأييد موسي وشفيق علي جميع المرشحين الإسلاميين خلال آخر استطلاع رأي أجرته صحيفة الأهرام هذا الأسبوع. لكل هذه الأسباب أعتقد أنه قد آن الأوان للمرشحين والناخبين مصارحة أنفسهم, فمصر في مفترق الطرق, هل يتمسك كل مرشح بطموحاته الشخصية إلي الدرجة التي تفتت أصوات ناخبي التيار المساند له, ويغلب التيار السياسي المضاد, وهل يفضل الناخب التباهي بأنه صوت لمرشح سقط حتي إذا ترتب علي ذلك فوز مرشح من تيار فلسفي يتناقض مع توجهه السياسي. آن الأوان أن يلتف التيار المدني حول مرشح واحد تدعيما لفرصته, مقابل التفاف التيار الديني صراحة حول مرشحه المفضل له, لا أدعو بذلك إلي توصيف السباق أو استقطابه, علي أنه بين الدين والدولة, فكل المرشحين, بمن فيهم المنتمون إلي التيار المدني متدينون, بل ومسلمون, كما أن كل المرشحين أعلنوا تأييدهم لمدنية الدولة, بمن فيهم المنتمون للتيار السياسي الديني, وإنما الاختلاف الحقيقي هو في المساحة التي يضعها كل تيار بين معتقداته الدينية, وممارساته السياسية اليومية. وإذا كان المرشحون والناخبون معتقدين حقا بصحة توجهاتهم السياسية, عليهم أن يحكموا العقل والمنطق لتأييد مرشح التيار الذي لديه أكبر فرصة للنجاح, ومرة أخري إذا استندنا إلي استطلاع مركز الأهرام للدراسات السياسية المنشور في14 مايو سنجد موسي علي رأس هذه القائمة بنسبة40.8%, يليه شفيق بنصف نسبة التأييد19.9%, ثم صباحي بنسبة7% في المرتبة الخامسة بعد مرشحي التيار الإسلامي, بما يعني أن فرص موسي هي الأقوي للوصول إلي الدور الثاني للانتخابات, يليه شفيق, وحتي إذا تنازل جميع مرشحي التيار المدني الآخرين, فلا تزيد نسبة التأييد لهم علي2.5% من الناخبين, لذا لن يغير ذلك من ترتيب مرشحي هذا التيار, وإنما التشتيت قد يدعم فرص التيار الآخر, وينطبق الشيء نفسه علي التيار السياسي الديني, فأبو الفتوح يحظي بتأييد17.8% من الناخبين,يليه مرسي بنسبة9.8%, مع صعوبة تقدير القوة التنظيمية للإخوان المسلمين, ورد فعل الناخب المصري لتشكيل البرلمان من أغلبية إسلامية, وثالثهم العوا بنسبة2.7% في المركز السادس, ضمن كل المرشحين المتقدمين, لذا لن يخرج مرشح هذا التيار عن أبو الفتوح ومرسي, وينطبق عليهم ما ينطبق علي المدنيين من تداعيات تفتيت الأصوات. الخلاصة إذن هي أن استمرار تفتت مرشحي التيار المدني يضر بفرص نجاح هذا التيار, ومن الأفضل أن يلتفون حول أقوي المرشحين كفريق رئاسي مدني في الدورة الأولي, وهي خطوة بالغة الأهمية لهم بصفة خاصة, مع وجود أغلبية برلمانية تمثل التيار السياسي الديني, وفي المقابل علي مرشحي التيار الديني الالتفاف أيضا حول مرشح واحد لدعم فرص نجاحه في الفوز بموقع متقدم في الدورة الأولي. أعود وأكرر الإنجاز الثوري لم ينته, ولن ينتهي بالانتخابات الرئاسية, والطريق أمامنا صعب ومليء بالتحديات, وأهمها التوافق حول دستور مصري ديمقراطي جديد, وبدء الممارسات السياسية السوية التي تشمل جميع المشاركين في العملية الانتخابية, بما فيها التيار الذي لا يفوز مرشحه بالمنصب الرفيع, ويخطئ من يتصور أن يحكم وحده, أو دون التحاور مع التيارات السياسية الأخري, بما في ذلك الأحزاب السياسية الجديد والرأي العام غير الحزبي, من أجل إصلاح القصور والعوج في مجتمعاتنا, وذلك في المرحلة الانتقالية الكبري التي ستطول. عميد كلية الشئون الدولية بالجامعة الأمريكية المزيد من مقالات السفير: نبيل فهمى