يستطيع أي مبصر أن يلحظ مدي العنف والقسوة والغلظة والشدة والسلاطة والفحش في التعاملات اليومية بين الناس سواء في الشوارع أوالمؤسسات ووسائل المواصلات العامة ،أوالعمارات ، وأماكن العمل ،أوحتي داخل المنزل الواحد بين الزوج وزوجه ،وبين الأب والأم والأولاد . ويظن المتفحص لتلك الحالة أن الكثيرين قد وضعوا علي ألسنتهم شفرة حلاقة أوسكينا أوسيفا ، وأن الكثيرين قرروا أن العنف يفيد، وأن اللين والرفق ليسا من سمات المسلم الحق ،وليسا من أداب القرآن الكريم وأخلاق سيد البشر ،بل سيد الخلق صلي الله عليه وسلم . ولو نظر الواحد منا بتدبر إلي آية واحدة من القرآن الكريم ، وأسقطها علي حاله قبل أن يسقطها علي الآخرين ، لعلم علما يقينيا أن البعد بين أخلاق القرآن وأخلاق كثير من الناس في هذا الزمان كالبعد بين السماء والأرض . سورة أنزلها مالك الملك سبحانه وتعالي ، أرسل بها أمين الوحي جبريل عليه السلام زعيم ورئيس الملائكة ، وهو من وصفه الرسول صلي الله عليه وسلم بأن له ستمئة جناح، وأنه بسط أحد جناحيه ذات مرة فملأ ما بين الخافقين ، أي غطي السماء بحيث أظلمت الدنيا كما يحدث عندما يضع المرء ستارة علي شباك ، نزل جبريل علي قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم ليعاتبه الله عز وجل . والسؤال ماذا اقترف النبي ، هل قتل أوسرق أوزنا أواختلس أوأكل الربا أوشتم أوسب أوضرب أحدا ؟ حاشا لله . كل مافعله أن اجتهد في ايصال دعوة الاسلام إلي صناديد قريش من أمثال أبي جهل وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة ، عندما وقف معهم ذات مرة ليدعوهم إلي شهادة أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )، فجاء الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه ليسأل النبي صلي الله عليه وسلم عن أمر من أمور الدين ، فعبس ( كشر تكشيرة خفيفة ) في وجهه ، وتولي عنه حتي ينتهي من أمر صناديد مكة وبعدها يستطيع ابن أم مكتوم أن يسأل النبي صلي الله عليه وسلم في أي وقت آخر . والسؤال الكبير العظيم الخطير المزلزل ، هل رأي عبد الله تكشيرة النبي ؟ بالقطع لا ، لماذا ؟ لأنه ببساطة ( أعمي) . سبحان الله ، سورة أنزلها الله سبحانه وتعالي منذ أكثر من 1437 عاما وتُتلي إلي يوم القيامة ، وينزل بها جبريل معاتبا لخير الخلق لأنه عبس في وجه من لا يري العبوس ، وسيد الخلق من أهل الجنة ، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فما هو الحال إذا كان العبوس في وجه من يري ، وإذا كان العابس لا يعرف مصيره إلي جنة أو نار ، وإذا كان العبوس شتما بأقذع وأسوأ الألفاظ ،وسبا وغمزا وهمزا ولمزا ، وغيبة ونميمة ، وتنابزا بالألقاب، وماذا إذا كان بلطجة وضربا ورفسا وغير ذلك الكثير ؟