عندما تحدث المرشحون للرئاسة حول بند الانفاق علي الدعاية, جاءت تصريحاتهم جميعا مواكبة لسقف الدعاية التي حددها القانون بعشرة ملايين جنيه.. في حين أن واقع الدعاية في الشارع يكشف كلاما آخر. هناك مطبوعات( أوراق وبوسترات) تصل تكلفتها المبدئية الي عشرة ملايين جنيه علي الأقل.. وهناك بوابات قماشية تزيد تكلفتها علي سبعة ملايين جنيه علي الأقل, وهناك أنواع أخري من الدعاية تتعلق بالفوانيس واللافتات المضيئة, وهذه تتجاوز الواحدة منها مائة ألف جنيه أيضا, ولو أن المرشح وزع فقط من50 الي مائة واحدة منها فهذا يعني أنه يحتاج الي عشرة ملايين جنيه, هذا فضلا عن المؤتمرات والاعلانات في الصحف والمحطات الفضائية التي تقدر بالملايين, وقبل هذا وذاك, هناك المؤتمرات الجماهيرية والانفاق علي الحملات الانتخابية في المحافظات والمدن الكبري. بداية جولتنا جاءت في حي روض الفرج والذي يشتهر بكثافته السكنية والذي امتلأ بالعديد من اللافتات لمختلف المرشحين وكان اكثرهم تواجدا عمرو موسي و محمد مرسي و احمد شفيق, وكما يؤكد محمد شعبان مدير احد محلات الفراشة هناك: انهم بالفعل الاكثر طلبا لاقامة بوابات لتعليق لافتاتهم مضيفا انه قام بتعليق اكثر من10 لافتات لشفيق, و15 لافتة اخري لمرشح الاخوان الدكتور محمد مرسي, وتراوحت اسعار اللافتات مابين150 جنيها للافتة الصغيرة والتي تقدر مساحتها بخمسة امتار فقط في حين بلغ سعر اللافتة الكبيرة والتي تبلغ10 امتار أكثر من300 جنيه ويتم وضعها في المكان الذي يحدده مندوب المرشح بشرط ان يكون في الشوارع القريبة من المحل حتي يسهل تأمينها ضد السرقة ليتم تفكيكها بعد نهاية الانتخابات مباشرة او خسارة المرشح. واضاف شعبان انه قام بتحصيل ثمن البوابات التي نصبها مقدما بالاضافة الي وضعها في الاماكن التي حددها له الاشخاص المتعاقدون معه وبعد ان حصل منهم علي اللافتات التي سيتم وضعها علي البوابة وعندما سألته عن هوياتهم او انه يقوم باصدار فواتير لهم اجاب: لااعرفهم ولايهمني ان احصل علي صور بطاقاتهم ولااقدم لهم اي فواتير بالحساب خاصة وانهم لايطلبونها من الاساس وكل ما اعرفه عمن تعاقدوا معي علي بوابات مرسي انهم شباب الاخوان, اما بالنسبة لاحمد شفيق فانهم بتوع انتخابات زمان علي حد قوله تركنا حي روض الفرج وذهبنا الي شبرا ومنطقة الساحل وقد امتلأتا ايضا بمختلف اللافتات مع انتشار لمرسي وشفيق وموسي وحضور لافت لحمدين صباحي والدكتور عبد المنعم ابوالفتوح وبعد جولات مكوكية بين العديد من محلات الفراشة الشهيرة بالمنطقة كان لافتا اجماعهم علي رفض المشاركة في نصب البوابات خلال تلك الانتخابات وحسب مايقول حنفي محمود الاسطي باحد المحلات: عانينا خلال انتخابات الشعب الماضية من سرقة الواحنا الخشبية وتحطيمها خاصة في ظل حالة الغياب الامني, بالاضافة الي تبادل انصار المرشحين تحطيم اللافتات لبعضهم خاصة بين شباب الثورة والاسلاميين. وتحسر حنفي علي انتخابات الوطني قائلا: في انتخابات مبارك والحزب الوطني كان الشغل كتير خاصة ان كل رجالة الحزب بالحي والذين يحاولون التودد لهم كانوا ينافقون الرئيس بلافتات بالجملة ولم يكن احد يستطيع الاقتراب منها. غادرنا ذلك المحل متجهين الي اخر يبعد عنه بمسافة ليست قليلة وعندما طلبت منه تأجير بوابات كانت اجابته بالرفض ايضا دون ان يسأل حتي عن اسم المرشح مؤكدا خوفه من تعرضها للسرقة خاصة ان الالواح الخشبية المستخدمة بالبوابة الواحدة يبلغ قيمتها اكثر من400 جنيه علي رغم حالة الرفض من البعض الا ان هناك اخرين قد رحبوا بشدة بنصب البوابات معتبرين ذلك موسما يصعب تكراره ولكنهم طالبوا بمبالغ اكبر دون فصال فبلغ سعر البوابة الصغيرة في الشوارع الجانبية200 جنيه والرئيسية300 واحيانا400 خاصة ان بعض المحلات قد قاموا بنصب بواباتهم في اماكن متميزة مبكرا منتظرين أيا من المرشحين ليأتي لتأجيرها وأجمع جميع اصحاب تلك المحلات علي عدم اعطاء فواتير لاحد كما انهم لايعنيهم شخص المتفق معهم. ولم تكن قواعد الاتفاق علي استئجار البوابات مختلفة في عدة احياء اخري قمنا بزيارتها في القاهرة والجيزة فالجميع لايقدم فواتير ولكن تتفاوت الاسعار ففي حي بولاق ابوالعلا تباينت أسعار البوابة الصغيرة بين150 و200 جنيه في الشارع الجانبي و300 في الشارع الرئيسي وهو السعر نفسه الذي وجدناه في مناطق فيصل و الهرم مع بعض الارتفاع في المناطق الراقية وبعيدا عن محلات الفراشة فان البوابة الاعلانية لا تكتمل الا بلافتة المرشح او بوستره العريض الذي يتم وضعه عليها وفي السابق كان يتم كتابة تلك اللافتة علي الاقمشة لدي الخطاط ولكن جاءت انتخابات الرئاسة الحالية لتقدم لنا انتشار بشكل جديد من اللافتات التي تعتمد علي نمط واحد ثابت للمرشح بألوان موحدة ويتم طباعتها علي ورق جلد مخصص للطباعة عليه بالكمبيوتر. ولكن ماسعر طباعة تلك اللافتات؟ سؤال طرحناه علي محمود رجب مدير إحدي شركات الدعاية والإعلان والذي قال: سعر المتر الواحد من تلك اللافتة يتراوح بين15 و20 جنيه في ظل طلب طباعة كميات كبيرة وبذلك تتراوح سعر اللافتة الواحدة الخمسة امتار بين75 ومائة جنيه واضاف ان المرشحين البارزين في تلك الانتخابات اجري بعضهم اتفاقات مع شركات ووكلاء متخصصين في الدعاية لتحمل مسئولية طباعة لافتاتهم مضيفا انه من الممكن ان يكون التعاقد بشكل رسمي او بشكل ودي فلايوجد مايمنع من ذلك وعن اسعار البوسترات قال: انه في ظل الكميات الرهيبة التي قام بطباعتها بعض المرشحين فان سعر البوستر الواحد الملون يصل إلي100 قرش وفقا للكمية, مؤكدا انه من الممكن ان يلجأ المرشح الي مطابع معروفة لطباعة بوستراته أو حتي مطابع بير السلم دون ان يستطيع احد الكشف عن الكمية التي قام بطباعتها خاصة ان بوسترات كافة المرشحين ظهرت دون ان تحمل اسم مطابعها. وبعيدا عن رصد تكلفة اللافتات الاعلانية الضخمة المضيئة, كان علينا القيام بعملية حسابية بسيطة للحصول علي تقدير مبدئي لما انفقه بعض المرشحين علي لافتاتهم وبوستراتهم ووفقا للاسعار التي حصلنا عليها فإن متوسط تكلفة البوابة الصغيرة يصل إلي300 جنيه شامل طباعة اللافتة ووفقا لما نشاهده فان عدد اللافتات التي قام بعض المرشحين بنشرها في شوارع بعض الاحياء تراوحت بين50 و100 في المنطقة الواحدة وهو مايمكنا القول مجازا ان البعض قام بنشر حوالي1000 لافتة في المحافظة الواحدة علي الأقل, وبالتالي فقد يبلغ عدد لافتات المرشحين27000 لافتة علي الأقل, في المحافظات السبع وعشرين وهو مايعني ان تكلفة تلك اللافتات قد تتراوح بين سبعة وعشرة ملايين جنيه لان هناك مثل القاهرة والاسكندرية بها لافتات تتجاوز عدة آلاف تقريبا.. وبرغم ذلك يصعب مراقبتها ماليا وكل ذلك بخلاف تكلفة طباعة البوسترات والتي اذا اعتبرنا مجازا ان سعر البوستر الواحد يصل الي واحد جنيه, وقد تردد أن أحد المرشحين طبع عشرة ملايين بوستر بما يعني ربما تصل تكلفتها الي عشرة ملايين تقريبا. ولكن هل اللافتات والبوسترات وسيلة مازالت مؤثرة في جذب الناخبين في ظل الرواج الاعلامي للمرشحين علي الفضائيات والمواقع الالكترونية وحمي الفيس بوك سؤال طرحناه علي الدكتور عبد الله زلطة رئيس قسم الاعلام باداب بنها ليجيب: رغم تواجد كل تلك الوسائل المتطورة فان تلك الوسائل التقليدية تحقق تأثيرا مباشرا علي اصوات الناخبين المصريين والذين يتأثرون بها حتي قبيل دخولهم الي لجان التصويت بلحظات خاصة, واننا نعيش تجربة ديمقراطية جديدة علينا ولكن مالاحظناه ان كافة المرشحين ركزوا في لافتاتهم وبوستراتهم علي وضع صورة واحدة ضخمة لهم وسط الوان ثابتة مكتفيا فقط بوضع اسمائهم علي اللافتات دون تقديم اي شرح مبسط بكلمات مكثفة تحاول مخاطبة عقول الناخبين, مركزين فقط علي شكل المرشح وكاريزمته وهو ماجعل الناخب يشعر بالملل من كثرة مشاهدته لبوستر المرشح لفترة طويلة حتي يعتاد عليه ولاينفعل به خاصة ان بعض المرشحين قاموا بنشر اعلاناتهم مبكرا قبل بدء فترة الدعاية الرسمية, واكد عبد الله انه كان من الضروري ان تحصل الاحياء والمحافظات علي مقابل مادي ولو رمزي من المرشحين في مقابل ماقاموا به من نشر دعاية حتي في سبيل ازالة الملصقات بعد الانتخابات. ماذكره الدكتور عبدالله زلطة اثار تساؤلا مهما حول ماسببته تلك الدعاية والملصقات من تشويه للمنشآت العامة والخاصة حيث غطت العديد من الاسوار واجسام الكباري والمحطات وهو ماعرضناه علي سمير غريب رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري والذي اجاب غاضبا: مازلنا في دولة لاتقدر القوانين ولاتحترمها ونتباهي باصدارها فقط لتشعر الدولة أن دورها انتهي باصدار القانون فصور وملصقات المرشحين غطت الطرق والمنشآت بالإضافة الي اللوحات الاعلانية المضيئة الضخمة التي شوهت الطرق واصبحت تمثل خطورة علي السائقين نظرا لانها تسرق انظارهم عن الطريق وكل ذلك يحدث وسط صمت المحافظين ومسئولي الاحياء والمحليات والذين لاينفذون القوانين علي المخالفين من المرشحين رغم ان القانون119 لسنة2008 والخاص باللافتات والاعلانات يمنع بوضوح مايحدث من تجاوزات وتعديات علي المنشآت, ولايسمح بالترخيص بوضع اية اعلانات اولافتات اوملصقات أو الاعلان بالكتابة أو الرسم في الشوارع والميادين او علي المباني أو محطات ووسائل النقل العام سواء في المدن أو القري, وأكد غريب ان جهاز التنسيق الحضاري لم يبلغ الاجهزة المعنية باتخاذ اجراءاتها لانه دورها من الاساس وعليها القيام به في ظل التجاوزات الواضحة للجميع, واضاف غريب ان مايحدث من تشويه وتجاوزات للتنسيق العمراني من خلال لافتات المرشحين لايوجد مثله في أي من دول العالم. ويبقي أخيرا التساؤل حول مدي صدق المرشحين فيما أعلنوه بشأن الانفاق علي الدعاية الذي يقدر بعشرات الملايين والذي يخلف سؤالا مهما من أين أتي المرشحون بهذه الأموال وكيف يمكن تقديرها؟!