رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"بالعلم يمكننا أن نصنع المعجزات". قفزت تلك الرسالة القصيرة على شاشة تليفونى المحمول فجعلتنى أضحك كثيرا. فنحن نكرر تلك العبارة منذ عقود بعيدة ونتمنى أن يأتى اليوم الذى نرى فيه تلك الجملة الخالدة تدخل حيز التطبيق الفعلى مثلما فعل أجدادنا الأوائل وأقصد بهم قدماء المصريين منذ آلاف السنين، والقوات المسلحة المصرية فى نصر أكتوبر عام 1973م. إن العالم يتجه منذ عقود إلى ربط أية ظاهرة بالعلم. فيسعى الخبراء إلى دراسة الظاهرة ثم يحاولون التوصل إلى أفضل سبل الإستفادة منها فى تحقيق الربح المادى والتفوق والتقدم. فعلى سبيل المثال يجلس الكثير من شبابنا أمام التليفزيون ليتابعوا بطولات كرة القدم فى العالم واللاعبين أمثال ميسى ورونالدو وروبرتو كارلوس، وينتهى دورهم بنهاية المباراة، ويتخلص الشاب من الأمر برمته فى أفضل الأحوال بالعودة إلى المنزل والنوم متمنيا للفرق المصرية وللاعبيها النجاح فى الوصول إلى المستوى العالمى. أما عندهم، وأقصد فى الدول المتقدمة، فقد خرج بعض الشباب بعد مشاهدة ذات المباريات الأوروبية، وقرروا الذهاب لما هو أبعد من تناول كوب الشاى والأمانى المتبخرة، ودرسوا ظاهرة اللاعب الهداف وأسرار إحراز الأهداف التى تبدو - للوهلة الأولى - خارقة للطبيعة. وبعد بحث علمى "جاد"، توصل الخبراء إلى أن الهندسة الحديثة فى طليعة مصادر التطورات فى مجال التكنولوجيا الرياضية، بل إن صناعة الرياضة باتت تعتمد على العلم والتكنولوجيا والهندسة ومهارات الرياضيات، إنطلاقا من أن "الرياضيات هى لغة العلم " وأن العلم يوصل إلى الإنتصارات، وأن الإنتصارات الرياضية تترجم إلى أرقام بمئات الملايين والمليارات التى تنهال على خزائن الجميع بداية من جامع الكرات وصولا إلى خزينة الدولة. وفى معرض "الانفجار الكبير" لشباب العلماء والمهندسين ببريطانيا تقدم فريق من شباب الباحثين بمعادلة وضعها طلاب الفيزياء في جامعة ليستر بعد دراسة علمية عن الضربات الحرة الثابتة وكيفية إحراز الأهداف المستحيلة عن طريقها بتوجيه الكرة فى مسار قوسى نحو المرمى. ومن خلال دراسة نصف قطر كرة القدم، والمسافة من الهدف والسرعة الزاوية للكرة وحتى كثافة الهواء وحجم الكرة، أمكن التوصل إلى معادلة رياضية علمية يمكن أن تساعد لاعبى كرة القدم على معرفة أين وكيف يتم تسجيل الهدف فى كل مرة يسددون فيها ركلة كرة من الضربات الحرة الثابتة. فما يقوم به أمهر لاعب كرة فى العالم ليس سحرا أو مهارة عشوائية بل إنها تأثير "قوة ماجنوس" (نسبة إلى عالم الفيزياء الألمانى جوستاف ماجنوس مكتشف الظاهرة فى عام 1852) التى تؤدى إلى إنحناء مسار الكرة التى يتم تسديدها من الضربات الحرة قبل عبورها خط المرمى بمسار قوسى ملتوى بعد أن تخدع حائط الصد وحارس المرمى. فالأمر يعتمد على كثافة الهواء ونصف قطر كرة القدم وسرعتها فى الهواء والسرعة الزاوية للكرة وكتلة الكرة التى تم تسديدها والمسافة التى تقطعها الكرة منذ لحظة التسديد فى الإتجاه المستهدف أى المرمى. فنتيجة دوران الكرة بسرعة شديدة وسير الهواء على أحد جانبيها أسرع من الآخر، فإن الكرة يتم دفعها خلال سيرها فى الهواء بجهة الدوران ويصبح المسار منحنيا جدا وبالتالى يصعب صدها. وأوضحت جاسمين ساندو، دارسة دكتوراه من ليستر متخصصة فى الفيزياء والفضاء، أنه : "على سبيل المثال، إذا كان لاعب واقفا على بعد 15 مترا وركل كرة القدم ركلة متوسطة بحيث كانت سرعتها فى الهواء تقدر ب 35 مترا فى الثانية، وكانت لها سرعة زاوية تقدر ب 10 دورات فى الثانية، فإن الكرة سوف تنحنى نحو 5 أمتار نحو الهدف. ويؤدى تطبيق المعادلة العلمية عند التدريب إلى إمكانية تنفيذ كثير من اللاعبين لتسديدات مماثلة لميسى ورونالدو وكارلوس. وهكذا أعتقد أنه من الأفضل أن نتبنى البحث العلمى الذى يمكننا من حل مشاكلنا مع إيجاد فرق التخطيط والإدارة والعمل القادرة على تحويل الحلول البحثية العلمية إلى واقع عملى ملموس يسهم فى تقدم البلاد والشعب. وللتذكرة فقد كانت مصر هى أول دولة فى العالم، وربما فى التاريخ أيضا، تطبق ذلك الأسلوب فى عصور القدماء المصريين أى منذ آلاف السنين. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ