ثلاث ساعات قضيناها فى حوار مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، ظهر الثلاثاء الماضى. تحدث الرئيس فى مفتتح اللقاء لدقائق لم تزد عن السبع. واختتمه بتعليق لم يتجاوز العشرين دقيقة. وباقى الوقت تحدث أقل من نصف المثقفين الذين ذهبوا للقاء الرئيس. لم يكن للقاء جدول أعمال مسبق أبلغ به المثقفون ولا تحديد لموضوعات سيدور حولها النقاش. فى مقال قبل اللقاء بيوم كتبه عبد الله السناوى فى جريدة الشروق أن هذا اللقاء سيكون بداية لقاءات مع أطياف المجتمع المصرى ستشمل ولأول مرة بعض الوجوه المعارضة التى تقابل الرئيس لأول مرة. فى الكلام الافتتاحى قال الرئيس إنه جاء ليستمع. وأنه لم يأت لكى يتكلم. وطلب أن يكون كلامه بعد أن يستمع إلينا فيما نود أن نقوله. ولا تدرى أبدا من الذى طلب الكلمة؟ ولا من الذى حصل عليها؟ ولا ترتيب الكلام؟ ولا الوقت الزمنى المتاح لكل من يتحدث لكى لا يتجاوزه؟ ولا مراعاة من يتكلم لأهمية ألا يعيد كلاماً سبق أن قيل من زميل سابق له؟ لأن الإعادة ربما كانت مضيعة للوقت وليست فيها إفادة كما قال أهل زمان. وفى مثل هذه اللقاءات فإن الوقت يبدو مهما جدا. من نجلس معه مسئول عن حياة أكثر من 90 مليون مصرى. وعن مواجهة تحديات لم يسبق للبلاد أن واجهتها من قبل. تزاد كل يوم فى الوقت الذى ينتظر المصريون فيه انفراجة. فإذا بحجم المؤامرة يتضح أكثر وتبدو أبعاده أكثر خطورة مما قد يتصور الإنسان. وأرجو ممن يقرأ هذا الكلام ألا يمر على كلمة المؤامرة بنفس الطريقة التى سبق أن مررنا بها عليها. لدرجة أنه أصبحت لدينا نظرية نسميها نظرية المؤامرة. ولها من يؤمنون بها ويعتبرونها ركنا فى قراءة حركة التاريخ. ويريحون أنفسهم بكلمة المؤامرة. لدرجة أنه ما إن تقال الكلمة حتى يتصور من يقرأها أو يستمع إليها أنها محاولة للهروب من مواجهة الواقع. لكن لا بد من أنه توجد مؤامرة. ومؤامرة حقيقية نعرف أطرافها ونرى ممارساتهم كل يوم. ذهبت إلى هذا اللقاء وما كنت أتصور حجم المؤامرة ولا الهدف منها. لكن المشكلة أننى استمعت جيدا لما قيل. بل ودونت الكثير من الملاحظات من هول ما سمعت. لكن فى فمى ماء لا أستطيع النطق بكل ما سمعته. وليس كل ما يعرفه الإنسان يمكن أن يعلنه على الملأ. فليس كل ما يقال فى جلسة خاصة ربما كان صالحا نشره على الناس كلها. رغم إيمانى القاطع بحق الناس فى أن تعرف خصوصا عندما يتصل الأمر بمصير مصر التى هى أهم منا جميعاً وهى الباقية قبلنا، الأبقى بعدنا. لكن الذى لا يعد اكتشافا جديدا بالنسبة لى. خرجت منه بتأكيد جديد لإحساس قديم ألا وهو ما يخص بعض النخب التى تذهب لمثل هذه اللقاءات بهدف وحيد هو الاستعراض. وإلقاء محاضرات يدور بعضها بين صفحات التاريخ والحاضر. وكأن من يتكلم لا يريد إلا أن يقول: ها أنذا. بصرف النظر عن مراعاته للآخرين الذين معه. ولحقوقهم التى يعتدى عليها عندما يصول ويجول ويقول كل ما سمعناه منه فى لقاءات سابقة مع الرئيس السيسى أو السابقين عليه من رؤساء مصر. أتفق مع ما ذهب إليه الدكتور محمد المخزنجى فى مقاله بجريدة المصرى اليوم الذى خصصه لذكر ما لم يتمكن من قوله فى لقاء الرئيس. بل وإحساسه الذى أعلنه فى آخر المقال أنه ربما يفكر فى عدم الذهاب لمثل هذه اللقاءات مستقبلاً. وأنه لو طرح عليه الاختيار بين النخبة والفلاحين، لاختار الفلاحين دون تردد. لست فى حاجة للقول إن المثقف الحقيقى يشعر بذاته أكثر مما يشعر بالآخرين. وربما وصل إحساسه بنفسه لدرجة النرجسية أو ما بعدها. وعندما أواجه بمثل هذه الحالات أقول إن من حق صاحب الموهبة أن يزهو بها. وأن يطلب حريته المطلقة التى لا تقيد بأى قيود مهما تكن. ولكننا عرفنا من وقائع التاريخ أن الإنسان حر ما لم يضر. وأن حرية الإنسان تنتهى عندما تبدأ حريات الآخرين. ولا بد من الموازنة الدقيقة بين الحرية الفردية وحريات الآخرين. وكم من الجرائم ترتكب باسم الحرية. لا أصادر على حق أحد فى أن يقول ما يراه. ولكنى أعترض واعترض غيرى على إساءة استخدام الفرصة. ولو تم هذا على حساب الآخرين وحقهم فى التعبير عن رؤاهم. لأنه كلما اتسعت الرؤى وتنوعت مصادرها كان ذلك أفضل بالنسبة للوطن الذى يمر بظرف صعب وعسير. أتمنى أن يخرج منه سالما. أو أن يقدر لنا أن يخرج منه بأقل الخسائر الممكنة. هل هى مشكلة إدارة اللقاء؟ أم نرجسية البعض؟ وإحساسهم بذواتهم ولو تم هذا على حساب الآخرين. ربما كان الأمر خليطا بين هذا وذاك. ولكن دعونا نحاول رؤية الجانب الذى يخص الوطن من الصورة. فمجرد اللقاء الذى تأخر عن موعده عامين أمرٌ جيد وإيجابى. وكونه بداية لقاءات مع أطياف المجتمع المصرى أمرٌ مطلوب كمحاولات للخروج من المأزق المصرى الآن. بدلا من البقاء فيه طويلا. لأن استمرار حالة المأزوم يفرخ أوضاعا ربما لم تكن مطلوبة للعمل الوطنى العام. ففضلا عن المؤامرة. فالوطن يمر بأزمة حقيقية داخليا أشعر بالوجه الاقتصادى للأزمة التى أفرخت حالة من التململ الشعبى رغم الإنجاز اليومى الذى يتم. وهو إنجاز ضخم وحقيقى يستحق أن نلتف حوله. ولنحاول أن نكون جزءا منه بدلا من أن نستسلم لمن يلعنون الظلام كل لحظة تمر. ومن يحصلون على المنجز وهم يتحدثون عما لم يحصلوا عليه. إن كانت الأزمة داخليا اقتصادية وخارجيا مؤامرة محبكة الأطراف، مخططة. فإن المخرج المتاح هو الحوار المجتمعى الذى يمكن أن يوصلنا لخريطة طريق جديدة بعد أن استوفينا الأولى. وهى الفكرة التى طرحها ضياء رشوان. فكيف نتوصل لخريطة الطريق الجديدة؟ ذلك السؤال وتلك القضية التى يجب أن نحاول الوصول لصيغتها. فالوطن وطن المصريين. وعندما يتصل الأمر براهنه ومستقبله فتلك مسئوليتنا جميعا. لمزيد من مقالات يوسف القعيد