قال لى الصديق الروائى محمد سلماوى رئيس اتحاد كتاب مصر إن الرئيس عبد الفتاح السيسى هو الذى طلب هذا اللقاء مع أدباء مصر وكتابها ومفكريها من اتحاد الكتاب. وأن سلماوى تولى التفاصيل الأخرى الباقية. حضر اللقاء أكثر من 20 كاتباً ومثقفاً. مثلوا كل أطياف الثقافة المصرية الراهنة ومعظم أجيالها بقدر الإمكان. واستمر أكثر من أربع ساعات ونصف. حتى أن الرئيس السيسى على غير عادته أعطانا استراحة بين الجزء الأول والجزء الثانى من اللقاء. مع أن اللقاء معه وقت أن كان مرشحاً للرئاسة استغرق خمس ساعات لم يغادر السيسى مقعده فيها. واستمر طوال اللقاء يستمع ويناقش. كان معنا من أركان الرئاسة اللواء عباس كامل وعلاء يوسف المتحدث الرسمى والشاب أحمد شعبان. لم يكن الرئيس راغبا فى الكلام. وقال فى البداية إنه يتمنى أن يستمع إلى ما نقوله أكثر مما يتكلم. وبالفعل ترك الحاضرين يتكلمون. وكان كلامه أقرب لتعليقات على ما قيل وشروح لما أثير من القضايا. ولأنها قضايا شديدة الحساسية. فقد استفاض فى الكلام أكثر من مرة. قبل عام ونصف كان لنا لقاء مع المرشح الرئاسى المشير عبد الفتاح السيسي. وقد شغلت نفسى بالمقارنة بين السيسى قبل سنة ونصف. والسيسى الذى كان جالسا معنا. ورغم أن الصدق قد يجعل الناس تتصور أننى أجامل. لكنى سأكون صادقاً مع نفسى وليكن ما يكون. الرجل هو نفس الرجل. لم يتغير فيه شيء. ولم يقترب منه خيلاء السلطة. ولا ضباب الأسطورة. مفرداته فى الكلام هى هي. وعباراته نفسها. وقدرته على الاستماع ربما أصبحت أكثر من الأول. وفى تصورى أن الحكام نوعان إما أن يتكلم الحاكم عندما يقابل الناس ويظل يتكلم. أو أن يستمع. والقدرة على الإنصات مسألة مهمة لأنها تقيم جسوراً بين الحاكم والناس. وتُعَوِّضْ آليات الاتصال التى لا بد منها حتى يشعر بنبض الجماهير. ويتلمس آلامهم ويحاول إما مشاركتهم فى تحمل الألم أو محاولة دفعه واستبداله بقدر من الأمل. نحن الآن فى أمس الحاجة إليه. وللرئيس السيسى قدرة فريدة على الإنصات. وصبر لا ينفد. لأنه صبر ممزوج بالثقة. ولأنه كان صريحا صراحة مطلقة. كما لو كان شقيقك أو قريبك يجلس معك فى دارك. يتكلم معك بعيداً عن الرسميات. لذلك أحاول كبح جماح نفسى وأذكر نفسى بالعبارة التى لم أنسها منذ أن تركت قريتى أن المجالس أمانات. وليس كل ما يقال يمكن كتابته. وليس جميع ما يتم تدوينه صالحا للنشر. ليست رقابة أفرضها على قلمي. لكن صالح الوطن يسبق الجميع. ولا بد من مراعاته مهما تكن الظروف. بعيداً عن عنتريات الاختلافات وتصورات أن فلانا قال كذا وفلانا كان أشجع من علان. لأن هذه كلها تفاصيل ومتغيرات. بينما الثابت الأساسى هو الوطن المصرى الذى تسلمناه من الأجداد والآباء. ولا بد أن نسلمه للأبناء والأحفاد كما هو لا تنقص منه حبة رمل واحدة. الفارق الوحيد بين المرشح للرئاسة والرئيس هو إطلالة الرئيس على حقيقة الوضع فى مصر. وحجم التحديات التى تواجه الجميع. ولكنى لا أحب عند الكلام عن التحديات والمشكلات والهموم أن أقول إن اللقاء كان يسيطر عليه حالة من اليأس. بالعكس فالرجل متفائل أبدى ولديه ثقة مطلقة فى الله سبحانه وتعالي. وبعده الشعب المصرى الذى يعتبره السيد الذى لا سيد سواه. وأننا جميعا فى خدمة هذا الشعب. نلبى طلباته بقدر ما نستطيع. لا يتصور أحد أن اللقاء تحول إلى مصنع لتصدير الأحلام لنا لكى نتولى نقلها للناس. فرغم أن القدرة على الحلم مسألة شديدة الأهمية بالنسبة للناس جميعاً تقلل من جهامة الواقع وضخامة المشكلات وعمق الهموم. فإن الواقعية الشديدة فى التعامل مع واقعنا كانت هى السمة الأساسية لكل ما سمعناه منه. من المفردات التى ترددت فى كلامه أن الحفاظ على الدولة المصرية الراهنة مسألة حياة أو موت. وأن كل مؤامرات الخارج وظلالها فى الداخل هدفها الوحيد هز ثوابت وأركان أقدم دولة فى التاريخ. وما دامت الدولة المصرية مستهدفة بهذا الشكل. فإن قوات مصر المسلحة وجيشها العظيم يصبح الهدف الذى يسبق أى هدف آخر تجاه من يريدون شراً ببلادنا. لم يتمكن الحلم بالمستقبل ولا التحديق فى الراهن من أحوال مصر من أن يصرفنا عن قراءة التاريخ القديم والحديث والأقرب إلينا لأن دروس التاريخ شديدة الأهمية بالنسبة للإنسان. فالإنسان كما قال أستاذنا أحمد بهاء الدين فى مقدمة كتابه: أيام لها تاريخ هو حيوان له تاريخ. وأن هذا التاريخ هو ما يميز الإنسان عن أى حيوان آخر على ظهر الأرض. والرئيس لديه إدراك للتاريخ انطلاقاً من دراساته لعلوم الاستراتيجية العسكرية وإدراكه لتاريخ العسكرية المصرية ودورها فى بناء المجتمع المصرى الحديث. وتلك مجرد إشارات فقط لبعض ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال هذا اللقاء الطويل. الذى طلب منا أن يتكرر كل فترة من الوقت. فالرجل يريد ثورة ثقافية تشمل العمل الثقافي. ولا تكون بعيدة عن التعليم ومشكلاته وهمومه. ولا عن الإعلام وما يفرضه على مصر الآن من التحديات. أيضاً فإن سيناء كان لها نصيب الأسد فى حديث الرئيس عن مواجهة التطرف والإرهاب الذى اختار سيناء العزيزة الغالية أرضاً للمعركة. وربما مكنه من اغتصبوا حكم مصر سنة من عمرها أن يكون له وجود فى هذه البقعة من أرضنا. العدل الاجتماعى حاضر فى ذهنه. لكن الأكثر حضوراً هو الاستقرار الذى لا بد أن يشعر به المواطن المصرى وبأسرع ما يمكن. ثم يتم الانطلاق نحو البناء الذى ربما استغرق بعض الوقت قبل أن تبدأ الناس بالشعور فى الآثار المترتبة على عمليات البناء المستمرة. لست مبالغاً عندما أقول إن جميع المشكلات التى طرحناها وافقنا عليها. وقال إنهم يدرسونها ويعرفون الطريق لحلها. لكن ثمة مشكلتين أساسيتين. الأولى هى الإمكانات المالية. والثانية هى سلم الأولويات القومية التى لا بد من مراعاتها عند مواجهة مشكلات البلاد. كان الرئيس مرحباً حتى بالانتقادات. لمزيد من مقالات يوسف القعيد