رصدنا فى العدد السابق تحت عنوان «بورصة برلين تدق جرس الأنذار»خلال حضورنا قمة العالم السياحية أن السبب الحقيقى وراء تراجع حركة السياحة الوافدة الى مصر يرجع بداية ونهاية إلى تضرر صورتنا فى الخارج بصورة غير مسبوقة دفعت السائح لتغيير وجهته الى دول أخرى يعتقد انها أكثر أمنا واستقرارا..وصباح الأثنين الماضى طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال اجتماعه مع عدد من الوزراء ببذل جميع الجهود لتعزيز صورة مصر فى الخارج. وكان السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية قد صرح بأن الاجتماع تناول جهود تعزيز صورة مصر على الساحة الدولية، وتعظيم الاستفادة من عناصر القوة الناعمة التي تتمتع بها من خلال الأنشطة الثقافية والعلمية والتاريخية التي يُمكن أن تنظمها المؤسسات المصرية المختلفة، بالإضافة إلى تعزيز التواصل مع المصريين في الخارج للاستفادة مما يتوافر لديهم من أفكار ومقترحات تسهم في توضيح حقيقة التطورات في مصر وما تواجهه من تحديات. وفى هذا الأجتماع وضع الرئيس يده على السبب الحقيقى وراء تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة الماضية وانعكاساتها ايضا على تراجع الحركة السياحة بشكل غير مسبوق..وقد رصدنا ذلك بالفعل خلال تواجدنا فى برلين ولقاءاتنا المختلفة مع منظمى الرحلات الذين أكدوا أن المانيا لم تقم حتى الآن بإصدار توجيهات لمواطنيها بعدم السفر الى مصر ومع ذلك هناك عزوف من المواطنين الألمان عن السفر اليها نتيجة للأخبار السلبية التى يتم بثها ليل نهار ضد مصر. وقد أكد لى أحد كبار منظمى الرحلات فى المانيا «اننا جميعا نعلم ان جميع المقاصد السياحية فى مصر آمنة..وأن شوارعها الآن أكثر أمانا من معظم دول أوروبا..ولكن المواطن العادى لا يعرف ذلك ويعتقد ان هناك حربا دائرة فى مصر.. وذلك لتعرضه يوميا لجرعات إعلامية سلبية عن مصر..وغياب اية ردود أو تعقيبات من طرفكم» لا شك ان هذه الحالة التى وصلت اليها صورة مصر فى الخارج تعود الى العديد من الأسباب لعل اهمها: 1-إنشغالنا طوال السنوات الماضية بالحوار مع انفسنا دون الاهتمام بالأخر ولم نكلف انفسنا عناء التواصل معه..وتركناه فريسة سهلة لكل من يريد تشويه حقيقة الأوضاع الأمنية والسياسية ووضع العراقيل أمام نهضة مصر الاقتصادية. 2- خلال السنوات الخمس الماضية أهملت جميع الأجهزة المعنية عملها بالدفاع عن ما يثار ضد مصر فى الخارج وتركت الساحة خالية لبعض المنظمات والأجهزة الدولية لتدشين حملات لتشويه صورتنا أمام الرأى العام العالمى وقد نجحت هذه الحملات الى حد بعيد فى خلق صورة سلبية عما يدور فى مصر من أحداث. 3- الاختفاء المريب لدور الهيئة العامة للاستعلامات فى الخارج والتقصير عن ممارسة دورها الأصيل فى الدفاع عن الأخبار المغلوطة التى تقوم الصحف بنشرها ضد مصر واكتفى مديرى مكاتبها بقراءة الصحف وارشفتها دون عناء الرد عليها. 4- عدم قيام الملحقين التابعين لوزارات الاعلام والثقافة بممارسة دورهم فى فضح الأخبار المغلوطة التى تتعمد بعض وسائل الاعلام ترويجها على غير الحقيقة. وفى «برلين» حاولت البحث عن دور لهيئة الاستعلامات وبسؤال لمصدر مسئول عن دور مكتب الهيئة بالعاصمة الألمانية جاءت الاجابة صادمة ومؤسفة ..حيث اكد انه لا يرى لها دورا يذكر فى التواصل مع الاعلامين او الصحفيين المعنين بالشأن المصرى..مما يطرح سؤال عن آلية اختيار مديرى هذه المكاتب وكيفية تقييم دورهم ومحاسبتهم.. 5- التركيز فى وسائل الاعلام المحلية على السلبيات بصورة مكثفة والصراع بين الفضائيات على عرض كل ما يسئ لصورة مصر فى الخارج..حيث تقوم وسائل الاعلام الغربية بنقلها دون عناء او حاجة لتضخيمها بهدف إقناع مواطنيها بأن مصر غير مؤهلة لاستثماراتهم او زياراتهم.. 6- أخيرا قيام وزارة السياحة بالتعاقد مع شركة «جي دبليو تى» لاطلاق حملات تسويقية لمصر فى الخارج وكانت المفاجأة أن من يقوم بالتخطيط لها مصريون ليس لديهم فكرة عن طريقة تفكير او عادات او توجهات المواطنين فى الدول الأوروبية. ومن هذه النقطة نطرح بعض الخطوات التى يرى الخبراء أنه لا مفر من تنفيذها حتى تعود لمصر صورتها الحقيقية التى عرفها العالم عليها منذ آلاف السنين.. أولا:ضرورة التعاقد مع شركات علاقات عامة أجنبية تحمل نفس جنسية الدولة التى نريد تحسين صورتنا الذهنية لدى مواطنيها..وذلك تصديقا للقول المأثور «أهل مكة أدرى بشعابها» فإذا أردنا على سبيل المثال تدشين حملة علاقات عامة فى المانيا فعلينا بداية ان نتعاقد مع شركة المانية لا مصرية..لآن موظفيها سوف يمتلكون بالضرورة جميع المقومات التى تؤهلهم لاجراء حوار إيجابى مع مواطنيهم مثل التحدث بنفس اللغة والتقاء الموروث الثقافى وتلاقى العادات والتقاليد..فى حين ان الاستعانة بشركة جميع من يعمل بها مصريون «وهو ما يحدث الآن» سيأتى بنتيجة بطيئة ولن يتم التفاعل معها على المدى القريب وستكون مصداقيتها على المحك. ثانيا: تشكيل لجنة من خبراء الاعلام المصريين للتعاون مع هذه الشركات ومتابعتها وامدادها بالمعلومات اللازمة حول كل ما يثار من أخبار عن مصر..مع الاستعانة بالجاليات المصرية فى الخارج للتعاون مع هذه الشركات. ثالثا:وضع «أجندة» مناسبات فنية وثقافية وعلمية واقتصادية..تقام فعالياتها على مدار العام ويتم إبلاغ دول العالم المختلفة بها.. كما فعلت دبى التى نجحت من خلال أجندتها أن تكون قبلة لسائحى العالم. رابعا:العمل على التواصل مع وسائل الاعلام التى تساند مصر وتشكيل «لوبى» يمثل جماعات ضغط تواجه الصحف التى تنشر أخبارا كاذبة عن مصر. الحقيقة أن الصورة الذهنية لمصر فى الخارج أصبحت غير جيدة وأصابتها بعض الرتوش التى دفعت السائحين الى تغيير وجهة سفرهم الى دول أخرى أكثر أمانا واستقرارا..وهنا يجب على الدولة بجميع أجهزتها أن تتحرك سريعا من أجل تحسين هذه الصورة التى نجح الاعلام الغربى فى تشويهها مدفوعين بأغراض سياسية تهدف لعرقلة مسيرتنا نحو مستقبل أفضل ومنعنا من بناء اقتصاد قوى يحقق الرفاهية للشعب المصرى. ولعل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة للحكومة تعكس أهمية هذا الملف الذى أهملناه كثيرا فكانت له انعكاساته الخطيرة والمؤثرة ليس فقط على مستقبل صناعة السياحة بل على مستقبلنا الاقتصادى كله. [email protected]