شيخ الأزهر يستقبل رئيس هيئة الأركان البريَّة الباكستانيَّة لبحث تعزيز التعاون المشترك    حكم نهائي.. استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب بسبب موقفه التجنيدي    25 فرقة مصرية وأجنبية تشارك في اليوبيل الفضي لمهرجان الإسماعيلية    محافظ الإسكندرية يتفقد اصطفاف معدات مجابهة الأزمات استعدادًا لموسم الشتاء    الحكومة تدرس إعفاء حملة وثائق صناديق الاستثمار بأنواعها من الضرائب على الأرباح    الرقابة المالية تلزم الشركات والجهات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية بتعزيز بنيتها التكنولوجية والأمن السيبراني لديها    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الزمالك وديكيداها الصومالي    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    تحويلات مرورية جديدة شرق الإسكندرية من غد الجمعة ولمدة 15 يوما    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    «أنتم جزء من الحكاية»| يسرا تحتفل بنصف قرن من الفن والإبداع    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    نائب ترامب: الرئيس سيعارض ضم إسرائيل للضفة.. وذلك لن يحدث    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    العاصمة الإيطالية روما تستقبل معرض "كنوز الفراعنة"    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    باعتراف صحيفة صهيونية..جيش الاحتلال فشل فى تحرير الأسرى بالقوة العسكرية    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في الشرقية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    رفع 3209 حالة اشغال متنوعة وغلق وتشميع 8 مقاهي مخالفة بالمريوطية    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    مستشار رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان يشيدان بمستوى التجهيزات التعليمية والخدمات المقدمة للطلاب    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    تموين قنا يضبط محطة وقود تصرفت فى 11 ألف لتر بنزين للبيع فى السوق السوداء    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    محمد بن سلمان يعزى ولى عهد الكويت فى وفاة الشيخ على الأحمد الجابر الصباح    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية العربية الغائبة
خمس خطوات لاستئناف التحركات السياسية النشطة وتحقيق الاستقرار العربى

العالم العربى اليوم ملىء بالصراعات المحلية والثنائية والإقليمي، من شواطئ المحيط الأطلسي، مرورا بجنوب البحر الأبيض المتوسط, وحتى البحر الأحمر والخليج العربي, فمازال الخلاف الجزائري- المغربى بشأن الصحراء الغربية ودور جبهة البوليساريو قائماً, ليبيا مثال لدولة فاشلة, وتعتبر أرضا خصبة للمتطرفين والإرهابيين، لها تداعيات إقليمية خطيرة, والوضع فى سوريا دموى مأساوي، بالرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة فى الأسابيع الأخيرة، ولا يزال العراق غير مستقر, وينتشر على أراضيه إرهابيو داعش وعبر حدوده إلى سوريا.
وعاد اليمن مرة أخرى إلى الاقتتال و الصراع، ومع سوريا يزيد من تفاقم التوتر الإيرانى السعودي، أما الصراع العربى الإسرائيلي، وهو الأطول فى التاريخ، فلم ير أى تقدم, ولا يزال منسيا ومهملا، ومصر وتونس تمران بتحولات محلية جوهرية .
فى خضم كل هذا الاضطراب والتغييرات، نشهد غيابا كاملا وغريبا للدبلوماسية العربية، تقدم بعض الدول العربية الدعم العسكرى لجماعات مختلفة ومحاربى فى الصراعات الجارية الآن, فى ليبيا واليمن والحرب ضد الإرهاب فى سوريا والعراق, مع هذا اختفت بشكل كامل الدبلوماسية العربية، وتقود أطراف غير عربية الجهود الدبلوماسية فى كل من هذه النزاعات الإقليمية ؟
لم يكن هذا الحال من قبل, فسعى القادة العرب خلال النصف القرن الماضي، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وأنور السادات من مصر، بوميديان من الجزائر، فيصل وفهد من المملكة العربية السعودية وغيرهم إلى حلول لكثير من النزاعات بين الدول العربية والإقليمية، من أهمها أزمة الرهائن الإيرانية، والصراع العربى الإسرائيلى والحرب الأهلية فى لبنان, ورغم تقديرى لانشغال قادة العالم العربى بأوضاعهم الداخلية، فإن ذلك ليس مبررا, هناك أسباب عميقة الجذور للغياب الكامل للدبلوماسية العربية، رغم الظروف الملحة والخطيرة التى تتعرض لها المنطقة، ومنها أن العالم العربى الآن يعانى مما اعتبره قصورا فى «إدارة التغيير» و«ضعفا فى قدرات الأمن القومي», سلبيتان يحدان بدرجة كبيرة من قدراته على ممارسة الدبلوماسية النِشطة و الفعالة .
لقد مرت خمس سنوات منذ بداية الصحوة العربية فى تونس ومصر، ونحن الآن فى منعطف ملائم للتفكير فى تلك الأحداث، ولكى نسأل أنفسنا لماذا حدثت الثورات؟ وما هى النتائج؟ وإلى أين نحن ذاهبون الآن؟ هل تكون السنوات المقبلة مفعمة بالفوضى فى الشرق الأوسط؟ هل يخلق أمامنا نظاما إقليميا جديدا وأقطارنا العربية عابثة وساكنة, وما علينا أن نفعله حتى لا نسقط من حافة الهاوية؟
وكلها أسئلة تكررت مرارا فى الندوات العالمية وعلى المقاهى الإقليمية. وأحداث خطيرة وغاية فى التعقيد, إنما لا تبرر إطلاقا الغياب الكامل للدبلوماسية العربية.
طموحات الشباب
فوجئ معظم الشرق الأوسط بالثورات أو الصحوة العربية، رغم أن دوافع التغيير كانت قائمة وواضحة، فى المقام الأول لانهيار العقد الاجتماعى بين الحكومات العربية والشعوب فى دول الصحوة أو الثورات العربية الخيرة, وقبلها فى دول عربية أخرى, كذلك فى إيران وتركيا قبل ذلك بعقود.
كان من أهم مطالب الشعوب العربية الثائرة الحصول على «الحرية» و«العدالة الاجتماعية« فى شمال أفريقيا والمشرق ومنطقة الخليج العربي, على أكتاف الشباب العربي, الذى يزيد على 30 فى المائة من عدد السكان, وهى الفئة العمرية غير الصبورة بطبيعتها, وتطالب بالتغيير فى مختلف أنحاء العالم.
كانت شعوبنا الشابة مشحونة ومدعمة بالتطور السريع لتكنولوجيا الاتصالات، خاصة القنوات الفضائية، والإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية, ما حدا من السيطرة على مصادر المعلومات وأدوات الاتصال، ومكن المواطن العربى فى المجتمعات المختلفة من الحصول على المعلومات والتفاعل معها سريعا .
غنى عن القول أن التغيير أمر لا مفر منه, إنما الاضطرابات والفوضى لم تكن حتمية أو ضرورية, وجاءت نتيجة لفشل الحكومات العربية فى إدارة التغير، أو حتى رؤيته، ونتيجة القصور فى إدارة التغير. ومن أهم أسبابه على المستوى السياسى أن قادة العرب فى تونس وليبيا ومصر واليمن تجاوز حكمهم ما بين 30 و 40 عاما، و ينطبق هذا أيضا على الحالة فى سوريا بين الأب وابنه، بكل ما يترتب على ذلك من مركزية وجمود فكري, وعدم الرغبة فى الاعتراف بضرورة التغيير، والتعامل بأساليب متجددة ومتنوعة مع الأوضاع الإقليمية والدولية المتجددة، ما أضعف الدبلوماسية العربية وجعلها غير راغبة أو قادرة على التفاعل مع المستجدات الإقليمية والدولية .
هذا و يلاحظ أيضا أن الصحوات العربية لها الكثير من القواسم المشتركة، إلا أنها ليست متطابقة فى جوانب كثيرة أخرى، ويجب تجنب التعميمات فى إصدار الأحكام حولها، التى قد تشوه التقييمات، وتضعف المقترحات السياسة، لكيفية المضى بها قدما, فكانت الأحداث فى تونس ومصر وبقت محلية فى الأساس، ونتائجها ستحسم وفقا لتفاعلات محلية وطنية ، حتى وإن احتاجت الدعم الإقليمى والدولى لمعالجة تكلفة عدم الاستقرار منذ2011وفى حين جاء فشل الدولة الليبية والفوضى التى شهدناها نتيجة مباشرة للتدمير القذافى الممنهج للمؤسسات الحكومية على مدى 40 عاما فى السلطة, تفاقم الوضع نتيجة يتجاوز الحلف الأطلسى نطاق الولاية المنصوص عليها فى قرارات مجلس الأمن الدولي, ثم تركه الساحة الليبية دون السيطرة على الفوضى أو إعادة بناء المؤسسات, وإذا كان قرار الجامعة العربية فى رفضه لتصرفات القذافى صحيحا أخلاقيا، وإنما كان وللأسف قصير النظر من الناحية الدبلوماسية, فى عدم الإصرار بداية على ضمان توفير خطط واضحة بعد انتهاء العمليات العسكرية, أما فى المشرق العربى واليمن انفجر الوضع نتيجة الإحباط الشعبى المشروع وتفاقمت إزاء رد فعل حكومى عنيف بشكل مفرط, أن كانت اليوم جزءا من صراع دولى وإقليمى أكثر منه حرب أهلية وطنية.
مع كل هذه المشكلات والأحداث ظهر عامل مهم آخر وهو تفشى وانتشار الإرهابيين، مثل داعش أو جبهة النصرة، ومع هذا بدت الدبلوماسية العربية ساذجة فى التعامل مع هذه الجماعات بالقطعة أحيانا، أو بمحاولة الاستفادة فى معارك عسكرية منها تارة أخرى, وهو موقف قصير النظر استراتيجيا وتكتيكيا .
بين القلق والإحباط
للأسف بعد خمس سنوات من الصحوة العربية نشعر أن العالم العربى بين القلق والإحباط, ومن زاويا مختلفة, البعض يتذكر الماضى ويأمل فى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه, والبعض الآخر محبط من عدم تحقيق أحلامه، كلاهما غير واقعى فى تقديراته.
إن التغيير سمة من سمات الحياة, وما شهدناه من اضطرابات جاء انعكاساً لهشاشة المؤسسات، وقد يكون الوضع مستقبلا أفضل أو أسوأ، إنما الماضى لا يمكن أن يتكرر, حتى إذا لم تتحقق أحلام إقامة الديمقراطية، وعلى الجميع الاعتراف بأخطائه خلال الأعوام الماضية، فالإصلاح ضل طريقه، وإنما يمكن القول أيضا إن الحالمين لم يقدروا حجم نجاحاتهم, بالتالى ضخامة التحديات وصعوبة بناء دولة ديمقراطية معاصرة .
رغم قناعتى بوجود أخطاء وتفهمى صعوبة وضخامة التحديات القادمة, اعتقد أن علينا تجنب تصوير المستقبل على انه صورة مظلمة للماضي, فهناك مؤشرات كثيرة فى الوسط الإعلامى والنقابى والنيابى أن شعوب المنطقة ترفض التجاوزات المستمرة من أصحاب السلطة والجاه الحكومى أو الخاص, ومازلت مؤمنا أن التقنيات الحديثة وحرية تبادل المعلومات قد حدت إلى درجة كبيرة من قدرات مؤسسات السلطة بمفهومها الواسع فى السيطرة على عقل وخيارات المجتمع, إنما أعطت لها أدوات مفيدة للحكومات الرشيدة إذا بادرت بمخاطبة شعوبها, وقبلت بالتفاعل معها بشفافية, بدلا من مواقف ردود الفعل غير المؤثرة التى نشهدها فى المرحلة الأخيرة فى السياسات الداخلية والخارجية.
لا يختلف أحد على أن أى محاولة لتوقع المستقبل فى ظل التقلبات السائدة فى الشرق الأوسط اليوم تعتبر مجازفة محفوفة بالمخاطر إن لم تكن تهورا, مع ذلك فإن التخطيط الاستراتيجى ضرورى لوضع سياسات طويلة الأجل, وعلينا محاولة قراءة المستقبل والتفكير فى السيناريوهات القادمة للمنطقة، فالضغوط الداخلية سوف تجبر الحكومات على فتح أنظمتها, حتى لو لجاء بعضهم فى البداية إلى المبالغة فى اتخاذ التدابير التقليدية, سيحسم ميزان النجاح والفشل فى مصر وتونس على العوامل المحلية السياسية والاقتصادية, وعدد من الاعتبارات الأمنية الضاغطة, خاصة عبر الحدود الليبية, أما فى المشرق, فالصراع الجيوبولوتيكى بين الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران والتنافس بينهم على وجه الخصوص، يبدو أنه العامل الحاسم فى سوريا. أما اليمن فهى فى جوهرها قضية داخلية بين اليمنيين إنما أصبح لها ولسوريا تداعيات شبه إقليمية فى منطقة الخليج العربي.
جدير بالذكر أن الاضطرابات الشديدة فى الشرق الأوسط، خاصة بين تركيا وإيران وجيرانهما العرب وصلت إلى الدرجة التى أثارت معها تساؤلات حول الحدود الوطنية فى المشرق, وفقا لاتفاقية سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى. وامتد النقاش والاستقطاب العرقى والطائفى والمذهبى إلى درجة إثارة تساؤلات حول هوية الشعوب والدول فى منطقة الشرق الأوسط عموما وفى العالم العربى على وجه الخصوص .
لكل هذه الأسباب يجب أن تنشط الدبلوماسية العربية، وما أستغربه حقاً هو غياب الدبلوماسية العربية الجادة رغم حدة المخاطر وضخامة التحديات, فقضى وزراء الخارجية العربية ما يزيد على تسع ساعات لاختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية الله يعينه ويوفقه ولم يمض القادة العرب طوال هذا العام نصف هذا الوقت فى مناقشة أى من القضايا الإقليمية الخطيرة مثل، ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن.
لم يناقشوا جماعياً أو ثنائياً كيفية مواجهة الضغوط الدولية القادمة لحل أغلب هذه النزاعات من خلال تقسيم أراضيها ودولها، ولم يتشاوروا حول تداعيات كل ذلك على مواقف الجاليات غير العربية بدولهم، أو أثر إبراز الهوية العرقية أو المذهبية أو الدينية على النسج الاجتماعى لأوطانهم.
أين الدبلوماسية العربية من كل ذلك؟ وهل سوف تكتفى بعد فوات الأوان بتحميل المسئولية على مؤامرات خارجية كما أعتدنا فى الأعوام الماضية؟
لا يمكن ولا يجب أن يعيش الشرق الأوسط فى عزلة عن المجتمع الدولى وعلى العالم العربى احترام المعايير الدولية للحكم الرشيد فى استجابة لمطالب شعوبها،. وفى الوقت نفسه ينبغى على المجتمع الدولى إدارة الأزمات وتسوية النزاعات بحكمة وممارسة السياسة الإقليمية الواقعية العقلانية, للحفاظ على المؤسسات الحكومية القائمة واحترام السيادة حرمة الحدود الدولية وفى ذلك مصلحة إستراتيجية لجميع الدول والأطراف المتنازعة، دون الانجراف وراء المكاسب التكتيكية الجذابة، لكن القصيرة الأجل, وما ستشهده المنطقة من تغيرات يجب أن تكون فى مجال الممارسات والشخصيات استجابة لمطالب المواطنين العرب، وليس فى الحدود أو الهوية الوطنية ، بغض النظر عن الطريقة التى صيغت بهما فى الأصل، أو من خلال تفكيك المؤسسات على حساب أمن واستقرار البلاد ولن يتحقق ذلك دون أن يكون العرب أكثر انخراطا فى تحديد مستقبل المنطقة ولن يكون أمامنا سوى أن نلوم أنفسنا آنذاك فى ذلك .
يتساءل ويستغرب البعض عن أسباب فشل العرب فى إدارة عملية التغيير وعن مبررات الفوضى السائدة بالمنطقة، فبالإضافة إلى الأسباب السابق شرحها أعلاه، من أهم الأسباب غياب النموذج العربى الذى يمكن أن يحتذى به كدولة معاصرة للقرن الحادى العشرين، وهو الدور الذى كانت تلعبه مصر فى سنوات كفاح العديد من الدول العربية للحصول على استقلالها من الاحتلال الأوروبي.
كما أن هناك عاملا إضافيا ومصدرا مهما لعدم الاستقرار فى المنطقة، وهو التدخلات الإقليمية والدولية الواسعة فى الشئون العربية، نتيجة اعتماد العرب المفرط والطويل الأجل على أطراف خارجية عسكريا فى قضايا الأمن وفى حل نزاعاتهم الإقليمية وفى المشاركة الاقتصادية وفى تطور مجتمعاتهم، بدءا من الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، ثم روسيا، وأوروبا الغربية. ونتيجة لذلك، تنخرط الأطراف الدولية بشكل مفرط فى رسم التطورات الإقليمية لحماية مصالحهم أو مساعدة حلفائهم وفقا لمصالحهم وفى الكثير منها على حساب المصلحة العربية.
للأسف كان من نتائج الاعتماد العربى على القوى الخارجية تقاعس العرب فى رفع القدرات الأمنية الوطنية سياسيا وعسكريا، لاسيما بالمقارنة مع الدول غير العربية فى الشرق الأوسط فى المنطقة ، سواء كانت تركيا أو إسرائيل أو إيران، استغلت هذه الدول الثلاث الاضطراب العربى لفرض نفوذها وعدوانيتها واحتلالها لأراض عربية فى الصراعات الإقليمية المرتبطة بالصحوة العربية أو فى الصراع العربى الإسرائيلى المنسي، وهو أطول الصراعات الدائرة فى المنطقة .
التوازنات الإقليمية
لن يسود أو يدوم الاستقرار فى المنطقة فى غياب توازن الشرق أوسطى فى مجال الأمن القومي, من ناحية أخرى استبعد أن يعود الاستقرار قبل إعادة توجيه العلاقات بين تركيا ومصر وبين المملكة العربية السعودية وإيران وكلاهما على حد سواء صعب جدا، إن لم يكن مستحيلا على المدى القصير, فالرعاية التركية لجماعة الإخوان المسلمين يجعل إمكانية التقارب الفورى مع مصر مستبعداً. من جانب آخر فان مخاوف السعودية وقلقها من الممارسات الإيرانية فى دول الخليج العربى والعراق والمشرق مشروعه متجذر عميقا.
لكل هذه الأسباب يحتاج العالم العربى إلى صحوة دبلوماسية وهناك تفاهمات بين الدول الكبرى حول العديد من هذه الملفات. الشرق الأوسط فى مرحلة تغيير تاريخية، ليبيا وسوريا واليمن، وحتى العراق على حساب الحكومات العربية المركزية. والخطورة هنا ليس فى النظام الفدرالى فحسب، إنما فيما يبدو أن الخطوط الفاصلة المقترحة وفقا لاعتبارات عرقية أو طائفية، مما قد يكون من شانه زعزعة استقرار المجتمعات العربية المستقرة وتأجيج نار الصراعات العرقية بدلا من الهويات الوطنية. وكان إعلان أكراد سوريا أخيرا الحكم الذاتى مؤشراً جديداً لذلك.
أعتقد أن الدول العربية لديها الكثير من القواسم المشتركة من إرث تاريخى والقيم الثقافية المشتركة والتى لا ينبغى الاستهانة بها, وإنما علينا أن نكون أكثر نشاطا دبلوماسيا على الصعيدين الفردى والمشترك. ويتطلب ضمان الاستقرار الحقيقى فى الشرق الأوسط الإصلاحات السياسية الداخلية فى الدول العربية، فضلا عن إعادة توجيه علاقتنا الخارجية بالاعتماد على الذات والتعاون فيما بيننا بدلا من الاعتماد على الغير. وعلى العرب الإسهام فى بلورة نموذج جديد للأمن فى الشرق الأوسط من حدود العالم العربى إلى الداخل ومن نفس تلك الحدود تجاه جيرانهم الإقليميين، تركيا وإيران وإسرائيل، كذلك دول جنوب الصحراء فى إفريقيا والدول الآسيوية المجاورة، بما يحافظ على الهوية العربية ويتعامل بواقعية وحكمة مع التغيرات الإقليمية والدولية كدول عربية قوية وفخورة, متطلعة لمستقبل أفضل, وتحقيق الاستقرار فى المنطقة بأسرها, لن يتحقق أى من هذا إلا إذا عزمنا على الاستقرار العربى الوطنى الداخلى واستئناف الدبلوماسية العربية النشطة.
واقترح فى هذا الصدد الخطوات التالية:
أولاً: إصدار وثيقة مواطنة للدول العربية، تتبنى مبادئ وأسسا معاصرة لحقوق المواطن، دون تمييز عرقى أو طائفى أو ديني، وتحافظ على وحدة الدول وتماسكها.
ثانياً: إنشاء صندوق اجتماعى عربي، لتحويل مشروعات القضاء على الفقر، والتوعية الاجتماعية والتعليم، وهو أفضل سبل التصدى فكرياً للتيارات المتطرفة والإرهاب، ويمكن تمويل ذلك بفرض ضريبة ضئيلة للغاية على الإنفاق العسكري.
ثالثاً: إجراء مشاورات عربية لوضع تصورات وضمانات للحفاظ على وحدة الدول العربية المتنازعة، فهناك دول غربية فدرالية عديدة قسمت سياسياً لاعتبارات دينية ومع ذلك حافظ على وحدتها لضمانات وحوافز سياسية واقتصادية تدفعهم للتعامل وطنياً.
رابعاً: تشاور العالم العربى حول الإطارات المطلوبة من تركيا وإيران للبدء ببناء الثقة بينها وبين مصر والسعودية والدول الخليجية كخطوات أولية تدريجية نحو السيطرة على تفاقم علاقتهما.
خامساً: تنشيط وتطوير هيئة التصنيع العربية، والتى يمكن أن تعيد التوازن جزئياً فى قدرات الأمن القومى العربي، وتمكن الدول العربية من التصدى بشكل أكفأ للعديد من النزاعات أو المخاطر الهامة، وإنما التى لا ترتقى إلى المستوى الذى سيدفع الدول الكبرى الصديقة للتدخل.
وزير الخارجية السابق
لمزيد من مقالات السفير: نبيل فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.