الوطنية للصحافة تصدر قرارات تشكيل مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية    تعرف على أسعار الزيت مساء اليوم الأحد 26-5-2024 في الأسواق    محافظ الأقصر يبحث تفعيل اتفاقية التعاون مع مقاطعة يانغتشو الصينية    المتطرف بن غفير يقتحم حي الشيخ جراح وسط حراسة مشددة (فيديو)    رئيس وزراء اليابان ورئيس مجلس الدولة الصيني يصلان إلى كوريا الجنوبية لعقد قمة ثلاثية    لاعب الزمالك يمدح إمام عاشور بعد التتويج بلقب أفريقيا ويثير غضب الجمهور    حسام البدري: مصطفى شوبير الأحق بحراسة مرمى المنتخب    سقوط عنصر إجرامى شديد الخطورة هارب من 293 سنة سجن    ديربي الزمالك وقمة بيراميدز.. جدول مباريات الأهلي بعد انتهاء الرحلة الأفريقية    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    «كان» الدورة 77.. فرنسيس فورد كوبولا يسلم صديقه جورج لوكاس السعفة الفخرية    هل يجوز للمرأة الذهاب للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج في فترة العدة؟.. «الإفتاء» تُجيب    البورصة تغلق مرتفعة 1.23% في نهاية تداولات اليوم    الاثنين.. طب قصر العيني تنظم يوم التوظيف لخريجيها    بالنسبة لهم العمر مجرد رقم.. 3 أبراج يمتلكون قلوبًا شابة    الموعد والمكان المبدئي لمباراة الأهلي والزمالك بنهائي السوبر الإفريقي    وزير الأوقاف خلال اجتماعه مع الأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج : مهمتكم خدمة ضيوف الرحمن في المشاعر والمناسك المقدسة    غدًا.. قافلة طبية لقرية شماس بسيدي براني    محافظ الغربية يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية استعدادا لتطبيق التأمين الصحي الشامل    «مياه القاهرة» تكشف عناوين مراكز شحن العدادات مسبقة الدفع: الخدمة متاحة 24 ساعة    شبانة: بطولات إفريقيا أظهرت الروح الجديدة للقطبين    3 أجيال في صورة تتويج الأهلي بدوري أبطال إفريقيا.. 2 بيبو وواحد شناوي    "إكسترا نيوز" تعرض تقريرا عن نجاحات مصر في التعامل مع الأزمة بقطاع غزة    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    محافظ الدقهلية يسلم 355 حاجا و8 مشرفين تذاكر وتأشيرات الحج    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    قتل خطأ وتعاطي مخدرات.. إحالة مطرب المهرجانات عصام صاصا إلى المحاكمة    "الوحدة الاقتصادية العربية": الشعب الفلسطيني يتعرض لطغيان غير مسبوق    «شكري»: «مصر ترفض محاولات تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم»    «الأعلى للثقافة» يعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة 2024 الثلاثاء    فيلم تاني تاني ل غادة عبد الرازق يحقق 39 ألف جنيه إيرادات خلال 24 ساعة    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    دعوات لمقاطعة نجوم إعلان بيبسي الجديد    الرئيس التونسي يجري تعديلا وزاريا جزئيا    البورصة المصرية تربح 15.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    حماية المنافسة يعلن بدء سريان العمل باختصاص الرقابة المسبقة على التركزات الاقتصادية أول يونيو 2024    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    أول تعليق من محمد مجدي أفشة بعد تتويج الأهلي باللقب    فرصة ذهبية لنجم برشلونة بعد رحيل تشافي    «سلامة الغذاء»: المرور على 6 محافظات لمتابعة سير عمل لجان استلام القمح المحلي    انطلاق الحملة التنشيطية لتقديم خدمات تنظيم الأسرة «حقك تنظمي» بالشرقية    الهجرة تستعرض أنشطتها خلال أسبوع| الموازنة العامة أمام "النواب".. والوزيرة تشارك بالملتقى الأول للشباب في الإسماعيلية    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    أستاذ علوم سياسية: مصر ملتزمة بإرسال المواد الإغاثية لغزة رغم معوقات الاحتلال    الأرصاد تحذر من منخفض خماسيني يضرب البلاد: ذروة ارتفاع الحرارة غدا    برامج بيت الزكاة والصدقات يغطي احتياجات 800 أسرة في الشرقية    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    رئيس تايوان يدعو إلى تعزيز التفاهم والمصالحة مع الصين    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي سبل التعاون في تصدير وتسجيل الأدوية (تفاصيل)    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    أستاذ الصحة العامة: 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من ضغط الدم    أدعية الطواف السبعة حول الكعبة وحكم مس البيت.. «الإفتاء» توضح    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    هنا الزاهد تطل بالأبيض في ختام مهرجان «كان» السينمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية العربية الغائبة
خمس خطوات لاستئناف التحركات السياسية النشطة وتحقيق الاستقرار العربى

العالم العربى اليوم ملىء بالصراعات المحلية والثنائية والإقليمي، من شواطئ المحيط الأطلسي، مرورا بجنوب البحر الأبيض المتوسط, وحتى البحر الأحمر والخليج العربي, فمازال الخلاف الجزائري- المغربى بشأن الصحراء الغربية ودور جبهة البوليساريو قائماً, ليبيا مثال لدولة فاشلة, وتعتبر أرضا خصبة للمتطرفين والإرهابيين، لها تداعيات إقليمية خطيرة, والوضع فى سوريا دموى مأساوي، بالرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة فى الأسابيع الأخيرة، ولا يزال العراق غير مستقر, وينتشر على أراضيه إرهابيو داعش وعبر حدوده إلى سوريا.
وعاد اليمن مرة أخرى إلى الاقتتال و الصراع، ومع سوريا يزيد من تفاقم التوتر الإيرانى السعودي، أما الصراع العربى الإسرائيلي، وهو الأطول فى التاريخ، فلم ير أى تقدم, ولا يزال منسيا ومهملا، ومصر وتونس تمران بتحولات محلية جوهرية .
فى خضم كل هذا الاضطراب والتغييرات، نشهد غيابا كاملا وغريبا للدبلوماسية العربية، تقدم بعض الدول العربية الدعم العسكرى لجماعات مختلفة ومحاربى فى الصراعات الجارية الآن, فى ليبيا واليمن والحرب ضد الإرهاب فى سوريا والعراق, مع هذا اختفت بشكل كامل الدبلوماسية العربية، وتقود أطراف غير عربية الجهود الدبلوماسية فى كل من هذه النزاعات الإقليمية ؟
لم يكن هذا الحال من قبل, فسعى القادة العرب خلال النصف القرن الماضي، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وأنور السادات من مصر، بوميديان من الجزائر، فيصل وفهد من المملكة العربية السعودية وغيرهم إلى حلول لكثير من النزاعات بين الدول العربية والإقليمية، من أهمها أزمة الرهائن الإيرانية، والصراع العربى الإسرائيلى والحرب الأهلية فى لبنان, ورغم تقديرى لانشغال قادة العالم العربى بأوضاعهم الداخلية، فإن ذلك ليس مبررا, هناك أسباب عميقة الجذور للغياب الكامل للدبلوماسية العربية، رغم الظروف الملحة والخطيرة التى تتعرض لها المنطقة، ومنها أن العالم العربى الآن يعانى مما اعتبره قصورا فى «إدارة التغيير» و«ضعفا فى قدرات الأمن القومي», سلبيتان يحدان بدرجة كبيرة من قدراته على ممارسة الدبلوماسية النِشطة و الفعالة .
لقد مرت خمس سنوات منذ بداية الصحوة العربية فى تونس ومصر، ونحن الآن فى منعطف ملائم للتفكير فى تلك الأحداث، ولكى نسأل أنفسنا لماذا حدثت الثورات؟ وما هى النتائج؟ وإلى أين نحن ذاهبون الآن؟ هل تكون السنوات المقبلة مفعمة بالفوضى فى الشرق الأوسط؟ هل يخلق أمامنا نظاما إقليميا جديدا وأقطارنا العربية عابثة وساكنة, وما علينا أن نفعله حتى لا نسقط من حافة الهاوية؟
وكلها أسئلة تكررت مرارا فى الندوات العالمية وعلى المقاهى الإقليمية. وأحداث خطيرة وغاية فى التعقيد, إنما لا تبرر إطلاقا الغياب الكامل للدبلوماسية العربية.
طموحات الشباب
فوجئ معظم الشرق الأوسط بالثورات أو الصحوة العربية، رغم أن دوافع التغيير كانت قائمة وواضحة، فى المقام الأول لانهيار العقد الاجتماعى بين الحكومات العربية والشعوب فى دول الصحوة أو الثورات العربية الخيرة, وقبلها فى دول عربية أخرى, كذلك فى إيران وتركيا قبل ذلك بعقود.
كان من أهم مطالب الشعوب العربية الثائرة الحصول على «الحرية» و«العدالة الاجتماعية« فى شمال أفريقيا والمشرق ومنطقة الخليج العربي, على أكتاف الشباب العربي, الذى يزيد على 30 فى المائة من عدد السكان, وهى الفئة العمرية غير الصبورة بطبيعتها, وتطالب بالتغيير فى مختلف أنحاء العالم.
كانت شعوبنا الشابة مشحونة ومدعمة بالتطور السريع لتكنولوجيا الاتصالات، خاصة القنوات الفضائية، والإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية, ما حدا من السيطرة على مصادر المعلومات وأدوات الاتصال، ومكن المواطن العربى فى المجتمعات المختلفة من الحصول على المعلومات والتفاعل معها سريعا .
غنى عن القول أن التغيير أمر لا مفر منه, إنما الاضطرابات والفوضى لم تكن حتمية أو ضرورية, وجاءت نتيجة لفشل الحكومات العربية فى إدارة التغير، أو حتى رؤيته، ونتيجة القصور فى إدارة التغير. ومن أهم أسبابه على المستوى السياسى أن قادة العرب فى تونس وليبيا ومصر واليمن تجاوز حكمهم ما بين 30 و 40 عاما، و ينطبق هذا أيضا على الحالة فى سوريا بين الأب وابنه، بكل ما يترتب على ذلك من مركزية وجمود فكري, وعدم الرغبة فى الاعتراف بضرورة التغيير، والتعامل بأساليب متجددة ومتنوعة مع الأوضاع الإقليمية والدولية المتجددة، ما أضعف الدبلوماسية العربية وجعلها غير راغبة أو قادرة على التفاعل مع المستجدات الإقليمية والدولية .
هذا و يلاحظ أيضا أن الصحوات العربية لها الكثير من القواسم المشتركة، إلا أنها ليست متطابقة فى جوانب كثيرة أخرى، ويجب تجنب التعميمات فى إصدار الأحكام حولها، التى قد تشوه التقييمات، وتضعف المقترحات السياسة، لكيفية المضى بها قدما, فكانت الأحداث فى تونس ومصر وبقت محلية فى الأساس، ونتائجها ستحسم وفقا لتفاعلات محلية وطنية ، حتى وإن احتاجت الدعم الإقليمى والدولى لمعالجة تكلفة عدم الاستقرار منذ2011وفى حين جاء فشل الدولة الليبية والفوضى التى شهدناها نتيجة مباشرة للتدمير القذافى الممنهج للمؤسسات الحكومية على مدى 40 عاما فى السلطة, تفاقم الوضع نتيجة يتجاوز الحلف الأطلسى نطاق الولاية المنصوص عليها فى قرارات مجلس الأمن الدولي, ثم تركه الساحة الليبية دون السيطرة على الفوضى أو إعادة بناء المؤسسات, وإذا كان قرار الجامعة العربية فى رفضه لتصرفات القذافى صحيحا أخلاقيا، وإنما كان وللأسف قصير النظر من الناحية الدبلوماسية, فى عدم الإصرار بداية على ضمان توفير خطط واضحة بعد انتهاء العمليات العسكرية, أما فى المشرق العربى واليمن انفجر الوضع نتيجة الإحباط الشعبى المشروع وتفاقمت إزاء رد فعل حكومى عنيف بشكل مفرط, أن كانت اليوم جزءا من صراع دولى وإقليمى أكثر منه حرب أهلية وطنية.
مع كل هذه المشكلات والأحداث ظهر عامل مهم آخر وهو تفشى وانتشار الإرهابيين، مثل داعش أو جبهة النصرة، ومع هذا بدت الدبلوماسية العربية ساذجة فى التعامل مع هذه الجماعات بالقطعة أحيانا، أو بمحاولة الاستفادة فى معارك عسكرية منها تارة أخرى, وهو موقف قصير النظر استراتيجيا وتكتيكيا .
بين القلق والإحباط
للأسف بعد خمس سنوات من الصحوة العربية نشعر أن العالم العربى بين القلق والإحباط, ومن زاويا مختلفة, البعض يتذكر الماضى ويأمل فى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه, والبعض الآخر محبط من عدم تحقيق أحلامه، كلاهما غير واقعى فى تقديراته.
إن التغيير سمة من سمات الحياة, وما شهدناه من اضطرابات جاء انعكاساً لهشاشة المؤسسات، وقد يكون الوضع مستقبلا أفضل أو أسوأ، إنما الماضى لا يمكن أن يتكرر, حتى إذا لم تتحقق أحلام إقامة الديمقراطية، وعلى الجميع الاعتراف بأخطائه خلال الأعوام الماضية، فالإصلاح ضل طريقه، وإنما يمكن القول أيضا إن الحالمين لم يقدروا حجم نجاحاتهم, بالتالى ضخامة التحديات وصعوبة بناء دولة ديمقراطية معاصرة .
رغم قناعتى بوجود أخطاء وتفهمى صعوبة وضخامة التحديات القادمة, اعتقد أن علينا تجنب تصوير المستقبل على انه صورة مظلمة للماضي, فهناك مؤشرات كثيرة فى الوسط الإعلامى والنقابى والنيابى أن شعوب المنطقة ترفض التجاوزات المستمرة من أصحاب السلطة والجاه الحكومى أو الخاص, ومازلت مؤمنا أن التقنيات الحديثة وحرية تبادل المعلومات قد حدت إلى درجة كبيرة من قدرات مؤسسات السلطة بمفهومها الواسع فى السيطرة على عقل وخيارات المجتمع, إنما أعطت لها أدوات مفيدة للحكومات الرشيدة إذا بادرت بمخاطبة شعوبها, وقبلت بالتفاعل معها بشفافية, بدلا من مواقف ردود الفعل غير المؤثرة التى نشهدها فى المرحلة الأخيرة فى السياسات الداخلية والخارجية.
لا يختلف أحد على أن أى محاولة لتوقع المستقبل فى ظل التقلبات السائدة فى الشرق الأوسط اليوم تعتبر مجازفة محفوفة بالمخاطر إن لم تكن تهورا, مع ذلك فإن التخطيط الاستراتيجى ضرورى لوضع سياسات طويلة الأجل, وعلينا محاولة قراءة المستقبل والتفكير فى السيناريوهات القادمة للمنطقة، فالضغوط الداخلية سوف تجبر الحكومات على فتح أنظمتها, حتى لو لجاء بعضهم فى البداية إلى المبالغة فى اتخاذ التدابير التقليدية, سيحسم ميزان النجاح والفشل فى مصر وتونس على العوامل المحلية السياسية والاقتصادية, وعدد من الاعتبارات الأمنية الضاغطة, خاصة عبر الحدود الليبية, أما فى المشرق, فالصراع الجيوبولوتيكى بين الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران والتنافس بينهم على وجه الخصوص، يبدو أنه العامل الحاسم فى سوريا. أما اليمن فهى فى جوهرها قضية داخلية بين اليمنيين إنما أصبح لها ولسوريا تداعيات شبه إقليمية فى منطقة الخليج العربي.
جدير بالذكر أن الاضطرابات الشديدة فى الشرق الأوسط، خاصة بين تركيا وإيران وجيرانهما العرب وصلت إلى الدرجة التى أثارت معها تساؤلات حول الحدود الوطنية فى المشرق, وفقا لاتفاقية سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى. وامتد النقاش والاستقطاب العرقى والطائفى والمذهبى إلى درجة إثارة تساؤلات حول هوية الشعوب والدول فى منطقة الشرق الأوسط عموما وفى العالم العربى على وجه الخصوص .
لكل هذه الأسباب يجب أن تنشط الدبلوماسية العربية، وما أستغربه حقاً هو غياب الدبلوماسية العربية الجادة رغم حدة المخاطر وضخامة التحديات, فقضى وزراء الخارجية العربية ما يزيد على تسع ساعات لاختيار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية الله يعينه ويوفقه ولم يمض القادة العرب طوال هذا العام نصف هذا الوقت فى مناقشة أى من القضايا الإقليمية الخطيرة مثل، ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن.
لم يناقشوا جماعياً أو ثنائياً كيفية مواجهة الضغوط الدولية القادمة لحل أغلب هذه النزاعات من خلال تقسيم أراضيها ودولها، ولم يتشاوروا حول تداعيات كل ذلك على مواقف الجاليات غير العربية بدولهم، أو أثر إبراز الهوية العرقية أو المذهبية أو الدينية على النسج الاجتماعى لأوطانهم.
أين الدبلوماسية العربية من كل ذلك؟ وهل سوف تكتفى بعد فوات الأوان بتحميل المسئولية على مؤامرات خارجية كما أعتدنا فى الأعوام الماضية؟
لا يمكن ولا يجب أن يعيش الشرق الأوسط فى عزلة عن المجتمع الدولى وعلى العالم العربى احترام المعايير الدولية للحكم الرشيد فى استجابة لمطالب شعوبها،. وفى الوقت نفسه ينبغى على المجتمع الدولى إدارة الأزمات وتسوية النزاعات بحكمة وممارسة السياسة الإقليمية الواقعية العقلانية, للحفاظ على المؤسسات الحكومية القائمة واحترام السيادة حرمة الحدود الدولية وفى ذلك مصلحة إستراتيجية لجميع الدول والأطراف المتنازعة، دون الانجراف وراء المكاسب التكتيكية الجذابة، لكن القصيرة الأجل, وما ستشهده المنطقة من تغيرات يجب أن تكون فى مجال الممارسات والشخصيات استجابة لمطالب المواطنين العرب، وليس فى الحدود أو الهوية الوطنية ، بغض النظر عن الطريقة التى صيغت بهما فى الأصل، أو من خلال تفكيك المؤسسات على حساب أمن واستقرار البلاد ولن يتحقق ذلك دون أن يكون العرب أكثر انخراطا فى تحديد مستقبل المنطقة ولن يكون أمامنا سوى أن نلوم أنفسنا آنذاك فى ذلك .
يتساءل ويستغرب البعض عن أسباب فشل العرب فى إدارة عملية التغيير وعن مبررات الفوضى السائدة بالمنطقة، فبالإضافة إلى الأسباب السابق شرحها أعلاه، من أهم الأسباب غياب النموذج العربى الذى يمكن أن يحتذى به كدولة معاصرة للقرن الحادى العشرين، وهو الدور الذى كانت تلعبه مصر فى سنوات كفاح العديد من الدول العربية للحصول على استقلالها من الاحتلال الأوروبي.
كما أن هناك عاملا إضافيا ومصدرا مهما لعدم الاستقرار فى المنطقة، وهو التدخلات الإقليمية والدولية الواسعة فى الشئون العربية، نتيجة اعتماد العرب المفرط والطويل الأجل على أطراف خارجية عسكريا فى قضايا الأمن وفى حل نزاعاتهم الإقليمية وفى المشاركة الاقتصادية وفى تطور مجتمعاتهم، بدءا من الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، ثم روسيا، وأوروبا الغربية. ونتيجة لذلك، تنخرط الأطراف الدولية بشكل مفرط فى رسم التطورات الإقليمية لحماية مصالحهم أو مساعدة حلفائهم وفقا لمصالحهم وفى الكثير منها على حساب المصلحة العربية.
للأسف كان من نتائج الاعتماد العربى على القوى الخارجية تقاعس العرب فى رفع القدرات الأمنية الوطنية سياسيا وعسكريا، لاسيما بالمقارنة مع الدول غير العربية فى الشرق الأوسط فى المنطقة ، سواء كانت تركيا أو إسرائيل أو إيران، استغلت هذه الدول الثلاث الاضطراب العربى لفرض نفوذها وعدوانيتها واحتلالها لأراض عربية فى الصراعات الإقليمية المرتبطة بالصحوة العربية أو فى الصراع العربى الإسرائيلى المنسي، وهو أطول الصراعات الدائرة فى المنطقة .
التوازنات الإقليمية
لن يسود أو يدوم الاستقرار فى المنطقة فى غياب توازن الشرق أوسطى فى مجال الأمن القومي, من ناحية أخرى استبعد أن يعود الاستقرار قبل إعادة توجيه العلاقات بين تركيا ومصر وبين المملكة العربية السعودية وإيران وكلاهما على حد سواء صعب جدا، إن لم يكن مستحيلا على المدى القصير, فالرعاية التركية لجماعة الإخوان المسلمين يجعل إمكانية التقارب الفورى مع مصر مستبعداً. من جانب آخر فان مخاوف السعودية وقلقها من الممارسات الإيرانية فى دول الخليج العربى والعراق والمشرق مشروعه متجذر عميقا.
لكل هذه الأسباب يحتاج العالم العربى إلى صحوة دبلوماسية وهناك تفاهمات بين الدول الكبرى حول العديد من هذه الملفات. الشرق الأوسط فى مرحلة تغيير تاريخية، ليبيا وسوريا واليمن، وحتى العراق على حساب الحكومات العربية المركزية. والخطورة هنا ليس فى النظام الفدرالى فحسب، إنما فيما يبدو أن الخطوط الفاصلة المقترحة وفقا لاعتبارات عرقية أو طائفية، مما قد يكون من شانه زعزعة استقرار المجتمعات العربية المستقرة وتأجيج نار الصراعات العرقية بدلا من الهويات الوطنية. وكان إعلان أكراد سوريا أخيرا الحكم الذاتى مؤشراً جديداً لذلك.
أعتقد أن الدول العربية لديها الكثير من القواسم المشتركة من إرث تاريخى والقيم الثقافية المشتركة والتى لا ينبغى الاستهانة بها, وإنما علينا أن نكون أكثر نشاطا دبلوماسيا على الصعيدين الفردى والمشترك. ويتطلب ضمان الاستقرار الحقيقى فى الشرق الأوسط الإصلاحات السياسية الداخلية فى الدول العربية، فضلا عن إعادة توجيه علاقتنا الخارجية بالاعتماد على الذات والتعاون فيما بيننا بدلا من الاعتماد على الغير. وعلى العرب الإسهام فى بلورة نموذج جديد للأمن فى الشرق الأوسط من حدود العالم العربى إلى الداخل ومن نفس تلك الحدود تجاه جيرانهم الإقليميين، تركيا وإيران وإسرائيل، كذلك دول جنوب الصحراء فى إفريقيا والدول الآسيوية المجاورة، بما يحافظ على الهوية العربية ويتعامل بواقعية وحكمة مع التغيرات الإقليمية والدولية كدول عربية قوية وفخورة, متطلعة لمستقبل أفضل, وتحقيق الاستقرار فى المنطقة بأسرها, لن يتحقق أى من هذا إلا إذا عزمنا على الاستقرار العربى الوطنى الداخلى واستئناف الدبلوماسية العربية النشطة.
واقترح فى هذا الصدد الخطوات التالية:
أولاً: إصدار وثيقة مواطنة للدول العربية، تتبنى مبادئ وأسسا معاصرة لحقوق المواطن، دون تمييز عرقى أو طائفى أو ديني، وتحافظ على وحدة الدول وتماسكها.
ثانياً: إنشاء صندوق اجتماعى عربي، لتحويل مشروعات القضاء على الفقر، والتوعية الاجتماعية والتعليم، وهو أفضل سبل التصدى فكرياً للتيارات المتطرفة والإرهاب، ويمكن تمويل ذلك بفرض ضريبة ضئيلة للغاية على الإنفاق العسكري.
ثالثاً: إجراء مشاورات عربية لوضع تصورات وضمانات للحفاظ على وحدة الدول العربية المتنازعة، فهناك دول غربية فدرالية عديدة قسمت سياسياً لاعتبارات دينية ومع ذلك حافظ على وحدتها لضمانات وحوافز سياسية واقتصادية تدفعهم للتعامل وطنياً.
رابعاً: تشاور العالم العربى حول الإطارات المطلوبة من تركيا وإيران للبدء ببناء الثقة بينها وبين مصر والسعودية والدول الخليجية كخطوات أولية تدريجية نحو السيطرة على تفاقم علاقتهما.
خامساً: تنشيط وتطوير هيئة التصنيع العربية، والتى يمكن أن تعيد التوازن جزئياً فى قدرات الأمن القومى العربي، وتمكن الدول العربية من التصدى بشكل أكفأ للعديد من النزاعات أو المخاطر الهامة، وإنما التى لا ترتقى إلى المستوى الذى سيدفع الدول الكبرى الصديقة للتدخل.
وزير الخارجية السابق
لمزيد من مقالات السفير: نبيل فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.