أخشي في ظل حالة الحراك السياسي الواسع والصاخب أن يغيب عن الأذهان ضرورة حماية الأمن القومي من محاولات الاختراق والتجسس التي تتزايد معدلاتها في أي بلد يعاني من الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي. وربما يكون ضروريا ومفيدا أن نتذكر جيدا أن التجسس يعتبر ثاني أقدم مهنة بدائية ظهرت في بداية التجربة الإنسانية بعد الدعارة وهناك تسميات متشابهة لكلمة جاسوس في اللغات الأجنبية فهي بالفرنسية ايسبيون وبالإنجليزية سباي وبالإيطاليةسبيوني وبالأسبانية اسبيون وبالروسية شبيونوبالألمانية سبيون. ويأتي الجواسيس- رجالا ونساء- من كل أوساط المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية ومستوياته التعليمية والمهنية والأخلاقية فقد يكون الجاسوس ممرضا أو طبيبا في مستشفي أو مضيفا أو قبطانا في طائرة أو طالبا أو أستاذا في الجامعة أو باحثا أكاديميا أو صحفيا أو مالكا لصحيفة أو جنديا أو ضابطا في الشرطة والجيش أو مديرا لمطعم أو مالكا لفندق أو حارسا أو سفيرا في سفارة... بل أن هناك في سجلات الجاسوسية ما يؤكد أن بعض رؤساء للدول تم تجنيدهم كعملاء لمخابرات أجنبية. وعالم التجسس يقع بين الحقيقة الصعبة والخيال الغريب من نوع ما عرفناه في شخصية لورنس العرب, وكذلك جون فيليبي وإيلي كوهين ورأفت الهجان. ولعل ذلك هو السر في انجذاب الناس في كل دول العالم إلي الروايات البوليسية التي تجسد سيرة بعض الجواسيس مثل روايات أجاثا كريستي التي تجذب القاريء أو المشاهد إلي عالم بوليسي مليء بالأعمال القذرة يتجلي فيها بطل خارق يكشف عن المجرمين ويعمل كمحقق وعميل وجاسوس في آن واحد... وأيضا روايات الجاسوس ارسين لوبين التي تبرز شخصية الجاسوس المحببة الذكية... وكذلك روايات جيمس بوند التي انتقلت إلي السينما وذاع صيتها في جميع أنحاء العالم حتي أصبح العميل رقم(007) مثلا للصغار والمراهقين وموضع اهتمام الكبار والناضجين... وفي المقابل هناك الروايات التي تروي دناءة الجواسيس الذين يخونون أوطانهم ويبيعون أسرارها وأمنها القومي من نوع الرواية التي صورتها السينما المصرية في فيلم الصعود إلي الهاوية. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: لا يأمن شر الذئاب إلا من يسكن علي سطح القمر! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله