كان معظم سكان قرية «كلابشة» (50 كم جنوبأسوان) يعملون على المراكب التجارية، وبالزراعة. فحين يبلغ الصبى سن 15 يلتحق بإحدى المراكب التجارية التى تبيع السلع الغذائية مثل السكر و الشاى والجبن الأبيض والحلاوة الطحينية والعسل الأسود والكيروسين (الجاز) وغيرها. و كانت الرحلة التجارية تستغرق أكثر من 3 أشهر، يستطيع خلالها الشاب الصغير ادخار راتبه من العمل على المركب لسنتين أو أكثر ليتزوج. ومساعدة أهله فى تكاليف الزواج. وإذا كان الشاب من أبوين مقيمين بالقاهرة، أو إحدى المدن، فغالباً يعمل فى مهنة أبيه طباخاً أو سفرجياً أو حارساً عند الأثرياء فى المدن الكبري، وتكون تكاليف زواجه أيسر من المقيم فى القرية وأسرع. ويطلب الشاب يد إحدى قريباته (ابنة العم أو الخال أو ابنة العمة أو الخالة) عن طريق أهله، وتسمى هذه العادة بالطلب (بيرجر)، وبعد موافقة أهل العروس بالقول : خير إن شاء الله. يرسل العريس سلّة كبيرة (سبت) أو طرداً كبيراً لأهل العروس يحتوى على : الشاى والسكر والشربات والملبس والفول السودانى وقطع قماش وغيرها، ومبلغ 2 جنيه فى الستينيات. ويرسل أبو العروس بدوره ذبيحة كبش مع قفص به الحمام والدجاج إلى أهل العريس، وربما كان منزل العروسين متجاورين أو على مسافة قريبة. وتصاحب هذه العادة زغاريد النساء وأهازيج السيدات والصبايا وربما أطلق أحد أبناء القرية خرطوشين من بندقية صيده. وإذا كان العريس مقيماً بالقاهرة أو إحدى المدن يقوم أقرب الأقربين بذلك، ويرسل أهل العروس من القرية للعريس فى مدينته الكبش مذبوحاً ومقطعاً لأربعة أجزاء ملفوفاً فى قماش نظيف حتى لا يعطب بسبب طول الطريق. ويتم تحديد موعد الزفاف بعد مرحلتى الطلب والخطوبة، ولا يرى العريس عروسه طوال هذه المدة، حيث تختبئ فى منزلها وتتوارى من عريسها بكل السبل المتاحة، ولا يراها إلا العريس ذو الحيلة عن طريق بعض النساء خلسة أو بالتلصص عليهما وهى تعمل فى منزلها. وبمجرد تحديد موعد الزفاف يرسل العريس لعروسه (الشيلة)، وهى عبارة عن جوال دقيق 100 كم و 12 رأس سكر، وقطع ملابس( استقبال)، وتوضع مع السكر والشاى والصابون والزيت والملح والكبريت والحلوى فى سلال الخوص، تسمى الواحدة كرج (أدا) وهى سلال مجوفة ومزينة بألوان طبيعية (زخرفة على الخوص) وتحمل هذه الأشياء قريبات العريس من أخواته و عماته وخالاته وبناتهن فى موكب «الشيلة»، ويطلقن الزغاريد والغناء، ويتهادى الموكب ساعة العصارى بأهازيج النساء، وبشارة الرجل ( لقولهم البشر ) فى ملابسهم الملونة، الزاهية للنساء، والبيضاء للرجال، يتقدمهم العريس وحوله أهله ووزيره الخاص (دشِّيِ) كأنه ملك متوّج نحو عرشه. ويساق كبش أملح مع هذه الزفّة، هدية من العريس لعروسه، ويستقبل أهل العروس زفة الشيلة بالترحاب، ويردد كبارهم : أبشر الخير، ويطلقون أعيرة نارية من بنادق الخرطوش. ويجلس الكبار على المصاطب المفروشة بحصر الخوص (برشّْي) ويتناولون البلح والحلوى والفشار والترمس والفول السودانى مع الشربات. وسط زغاريد النساء وعناق أهل العروسين، وتبادل التهانى. وبعد تسليم الشيلة، يستعد الجميع ليوم الزفاف (الفرح) فى الغد، ويقوم أهل العريس بذبح كبشين أملحين، أو بقرة، أو عجل (لا توجد جواميس فى النوبة). حسب مقدرة العريس، و يمكن لأخوال العريس التبرع بالكبشين أو البقرة، أو ربما يتحمل عنه أبناء عمومته ذبيحة الفرح. ويطوف العريس فى موكب بهى راكباً جملاً، ومتقلداً سيفه وهو فى أبهى زينة مكتحلاً، مرتدياً العمامة البيضاء والجلباب الأبيض واللاسة الحرير، والخف الأحمر (البُلغة)، واضعا السيف على عاتقه، والكرباج (السوط) فى يساره ، ويطوف مع شباب القرية على كل المنازل لدعوة الجميع للفرح. فتستقبله النساء المسنات بالزغاريد، والدعاء له بالبركة والذرية الصالحة، ويطوف الصبيان خلف موكبه، ويلتقطون حبَّات البلح و الملبس والفِشار. وعادة يكون موكب العريس فى الصباح. ويقيم العريس مأدبة غداء لأهالى القرية، عبارة عن قصاع من الفتة، ويلقى رجل مخصص عليها قطع اللحم، بحيث يوزع على كل واحد قطعة أو قطعتين لكبار السن، وأهالى العروسين، ويتطلع الجميع لكرمه ويتطلع العريس لمهارته فى إرضاء الأهالي، ويجلس العريس مع خلصائه على الأرض لتناول الغداء قبيل نهاية الوجبة الجماعية. وهناك غناء معروف عن كرم العريس ومقدرته على إطعام الأهالى يوم زفافه. وغناء «الكف» عند الكنوز عامة يبدأ مع الخطوبة، فى الأمسيات الصيفية، و عند الآخرين يكون فى النهار، ويكون الغناء على أنغام الدفوف وأكف الرجال، وبالتوازى تنعقد حلقات الغناء للنساء والصبايا، ويكون شجيا، ومفعما بالمدح والفخر بمهارات العروس المنزلية، وتتحدث إدى الأغنيات عن بدلة العريس عند الخياط، التى إن تأخر فى حياكتها تقوم إحدى أخواته بالمهمة. وبعد ساعة الأصيل يستعد العريس لاستقبال الأهالى بمنزله حيث يقوم بإعداد وجبة عشاء مكونة من أطباق شتي، بعدها تبدأ مراسم «ليلة الحنة»، ويقوم أهل العريس، أمه وأخوته وأبناء عمومته وأخواله وجيرانه بوضع الحناء على يديه وقدميه باطناً وكعباً حتى الكاحل يتخللها غناء وأهازيج، وتقوم أم العريس بإلقاء بعض النقود الفضية الصغيرة فى إناء ماء، ويرفع رجل كبير السن السيف على رأس العريس ثلاث مرات. ثم يتم تقديم النقوط للعروسين ليلة الزفاف، فينادى أحدهم: فلان الفلانى نقط العريس بألف جنيه (وهى فى الحقيقة 1000 قرش مثلاً!) خلف الله وخلف الخير (أى يخلف الله له مالاً عن النقوط) ويمكث العروسان بالحناء الليل ومنتصف النهار كله حتى تجف الحناء.و تقوم «الماشطة» بتحنية العروس، وعادة تكون بارعة فى رسم الحناء، وتجيد الغناء. وفى النهار يذهب العروسان كلاً بمفرده فى موكبين منفصلين للنيل للاغتسال من الحناء فى موكب وزفة تصدح بالأغانى والزغاريد، ثم يذهب لبيت العروس ومعه حارس الوزير وخاصته وأهله، ثم يؤتى بالعروس فى غرفة الزواج، ويدخلها العريس بالقدم اليمنى ويضع رجل السيف ثلاث مرات على رأسه، وتقدم بعض السيدات العروس لعريسها، مغطاة الوجه والرأس واليدين والقدمين، بالطرحة (الفركة) والجلباب الطويل، ويضع العريس السيف ثلاث مرات على رأس عروسه، ويرش اللبن أو الماء على وجهها تيمناً وبركة. وتنطلق الزغاريد. ويرى العريس وجه وجسد زوجته باختلاس النظر والتلصص وفق خبرته، وفى طقس عند الكل يضع العريس قدمه اليمنى ثلاث مرات على قدمه عروسته اليمني، فتخرج العروس مسرعة من الغرفة، ولا تعود إليها إلا فى ليلة الدخلة (التالية)، ويبيت العريس تلك الليلة بمفرده، ويحرسه أمام غرفته ياوره الخاص (الوزير الدوشي) آناء الليل وأطراف النهار. وفى ليلة الدخلة تقوم بعض النساء بدفع العروس نحو غرفة الزوجية مغطاة الوجه والرأس إلى إخمص قدميها، حيث يعتريها الحياء، أما العريس فيكون فى لهفة لتلك اللحظة! وغالباً ما تكون الدخلة عند الفجر حيث ينام غالبية الناس. وفى الصباحية يذبح العريس لأهل قريته كبشين للإفطار، ويكون الطعام لحم بالبصل والصلصة (سخينة أو كباب حلة)، ويتغذى العريس بالحمام والدواجن والأرز والسلطات. وفى اليوم التالى تدخل العروس إلى غرفة العريس وتخرج قبل صلاة الفجر، وفى اليوم الثالث من الدخلة، تدخل العروس مع آذان الظهر إلى عريسها إلى أذان العصر. وبعدها لا تدخل إليه إلا عند منتصف الليل. وبعد 40 يوما تخرج العروس من بيت الزوجية نحو نهر النيل للبركة والنماء،و تطوف فى موكب نسائى صغير إلى منزل والد الزوج ومعها بعض الهدايا الصغيرة لهم. وكانت العادة أن يمكث العريس فى منزل العروس ما شاءت له الإقامة، وهناك عرسان مكثوا فى منزل أصهارهم مدى الحياة! وكان التكافل الاجتماعى القاسم المشترك فى أفراح النوبة والآن على استحياء وكانت البساطة السمة العامة. وكان الغناء النوبى القديم شجيا ومليئا بالفخر والحماس، حيث تلعب القبلية دورا مؤثرا فى الحياة. وتختلف أفراح النوبيين فى المدن الكبرى عن النوبة القديمة، كما كانت العادات والتقاليد تختلف وتتنوع فى كل منطقة جغرافية (كنوز عرب عقيل فديجة)، وتتمازج وتتشابه مع عادات وتقاليد النوبة السودانية (حلفا سكوت محس دنقلة) وتختلف فى بعض التفاصيل الجزئية لكنها نابعة من بيئة نوبية واحدة. وكانت مواسم حصاد البلح مرتبطة بالزواج عند زُرَّاع النخيل ومُلَّاكه، وكان الصيف هو الفصل المفضل لدى النوبيين فى الزواج، حيث لياليه القمرية المبهجة، وصباحاته المشرقة. كانت عادات وتقاليد الزواج الصارمة فى النوبة القديمة هى التى تحكم بين الناس لا فرق بين كبير وصغير، ولا غنى وفقير. وكان لكل فرد فى المجتمع النوبى دوره فى الحياة خاصة فى المناسبات السعيدة حيث لا عمالة وافدة ولا مراسم خارج نطاق المكان والزمان. واختلفت العادات والتقاليد الآن فى قرية كلابشة (باتت مدينة) عن العادات القديمة، وتم اختصارها فلم تعد اسبوعا كاملا كما كانت فى السابق، وتلاشت معظم الطقوس لاختلاف الواقع عن البيئة الأم فى النوبة القديمة حيث كان هناك نهر النيل. ومن العادات النوبية الجديدة الجميلة اتساع مدى التصاهر والنسب بين القرى النوبية كافة، فى حين أنها فى النوبة القديمة أقل نسبة وأدنى درجة. ولاشك أن الحياة الوادعة الهادئة فى كنف نهر النيل والصحراء الشرقية والغربية والبيئة النوبية المحض كان لها تأثيرها على أنماط الحياة. و 70 % من النوبيين فى المدن الكبري، وهم يتحسرون الآن على العادات والتقاليد الصارمة التى جعلت نسبة الطلاق فى النوبة القديمة الأقل فى مصر، ونسبة العنوسة أيضا هى الأقل. أما الآن فانقلبت الأوضاع الاجتماعية، وكثرت نسبة الطلاق والعنوسة بدرجة مخيفة خاصة فى المدن الكبري. وبالرغم من كل هذا لا تزال بعض القرى النوبية تناضل من أجل الحفاظ على نقائها التراثى التقليدي، رغم زحف التطور التكنولوجى بوتيرة متصاعدة.