هى ست الدار وعموده وهى الضلع الأعوج ونذير «الشوم» الذى تسود الوجوه لحظة استقبالها للدنيا وهى الحنون ووش الخير التى تتفتح ابواب الرزق على اسمها وهى التى تساوى رعايتها وتزويجها حجة كاملة وهى التى يتم توظيفها «على الفاضى والمليان» كلما عنَّ للبعض تحقير البعض الآخر وتقليل شأنه... إنها صاحبة نون النسوة وتاء التأنيث الشهيرة الصابرة المثابرة التى لايزال الفضاء محملا بصدى صوتها وبحكايات عن الحياة عن الخير والشر، والفرح والحزن، والانتصار والانكسار، وإن أهملتها صفحات التأريخ الرسمية تكشف أسرار علاقتها بذاتها وبالعالم الخارجى المثقل بالتناقضات والهموم. ويعلل البعض كم المتناقضات التى التصقت بصاحبات نون النسوة لترفعهن أحيانا لعنان السماء أو تخسف بهن الأرض بتدنى وضع المرأة فى ثقافتنا المصرية وتحديدا الموروث الشعبى الذى يمثل أهم روافدها والذى حول المرأة المصرية لإشكالية مثيرة للحيرة فى الذهنية المصرية!!. فما بين تعاليم السماء وما تفرضه قوانين وأسلوب الحياة المعاصرة من احترام وتقدير للمرأة وبين موروث شعبى محفور فى الوجدان المصرى يحقر المرأة ويتعامل معها باستهانة ومجرد تابع لابد أن يُقرع بالعصا احتار دليل المصرى افندي!!.. وهنا أظن أنه لابد من التوقف أمام هذه الفرضية لمراجعتها ومطابقتها بما تحفظه السجلات وما لا تغفله العين فى واقعنا اليومي. فلاتزال البرديات القديمة تروى لنا حكايات صاحبة نون النسوة المصرية التى اعتاد أن يناديها أجدادنا «أختاه» تقديرا واحتراما واعتزازا بها، وعن يوم اختار المصرى القديم حتحور رمزا للحب والجمال، ويوم اعتبرها المصرى القديم رسالة السماء للأرض فكتب الحكيم المصرى بتاح حتب قبل خمسة وأربعين قرنا من الزمان «.. فإذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك.. قربها من قلبك فقد جعلها الله توءما لحياتك.. اعمل على سعادتها ففى سعادتها سعادتك وسعادة قلبك.. حافظ عليها ما دمت حيا فهى هبة الإله الذى استجاب لدعائك..»، و يقول فى موضع آخر «إنها أمانة فى يدك وقلبك.. فأنت مسئول عنها أمام الإله الأعظم الذى أقسمت فى محرابه أن تكون أخا وأبا وشريكا لحياتها»، وفى كتابه المرأة فى المعابد الفرعونية يعدد بلاكمان ايلوارد المناصب التى تولتها المرأة فى مصر الفرعونية فيقول «إنها تبوأت أكبر المناصب الدينية وإن من بين سيدات مصر القديمة من تخصصن فى علوم المعرفة السرية بالمعابد واشتغلن بعلوم الطب والفلك والتنجيم» وإذا ما قفزنا بالزمن قرونا لنصل للحظة الراهنة سنلاحظ أن صاحبة نون النسوة التى يرى البعض ان سبب مأساتها الثقافة الشعبية، لا يزال المصرى المحدث فى الريف والأحياء الشعبية يشير لها بلفظ «الجماعة أو الولاد» بما يشى بمكانتها وقدرها المسكوت عنهما فى قلبه. وتتبلور الفكرة بصورة اوضح عندما يتحدث د. أحمد مرسى استاذ الأدب الشعبى بجامعة القاهرة عن الوظائف الاجتماعية والثقافية للمرأة فى المجتمعات الشعبية اذ يشير الى انها المبدعة لمعظم اشكال المأثورات الشعبية والحافظة لها فيما تبدع من فنون الحكى والغناء وتشكيل الوجدان وأن المرأة على عكس ما هو شائع تحظى بمكانة وتقدير فى الوجدان الشعبى المصرى وأن الأمثال التى تعكس صورا سلبية للمرأة يجب تحليلها فى السياقات التى وردت بها وملاحظة أن الضمير الشعبى ألصقها بالمرأة الغريبة ورفض أن يقرنها بالأخت والأم والابنة. ورغم ان الباحثين درجوا على ربط السيرة الشعبية على مستوى الاداء الشفاهى والرواية بعالم الذكور، والحكى والغناء والعديد بعالم النساء فإن الباحث د محمد عبدالحافظ استاذ الادب الشعبى بأكاديمية الفنون يشير فى دراسته «هل الهلالية سيرة نسوية؟» لعدم قطعية هذا التقسيم، إذ التقى بأكثر من راوية للسيرة ولاحظ أنهن رغم الحفاظ على تقاليد الاداء وقيم البطولة أعدن صياغة كثير من المواقف وأضفن تفاصيل، الامر الذى دفع بالباحث لطرح فكرة تأمل فضاء السيرة باعتباره فضاء لخضرة وشيحة والجازية والتاعسة وعالية وواطفة وعزيزة وسُعدة وغيرهن.. وحيث إن فن السيرة صناعة مصرية خالصة ولو دارت أحداثها خارج الحدود وفى سياق ما ورد فى السطور السابقة، وبينما أتقدم لصاحبة النون بالتهنئة بيوم المرأة المصرية أظن أنه حان الوقت لإبراء ساحة تراثنا الشعبى من الجور على حقوقها والكشف عما لحق بثقافتنا لتواجه حفيدات ايزيس وحتحور وهاجر مواقف لا أظن أن المجتمع المصرى عرفها إلا فى عصور الغزو والانحطاط .. لمزيد من مقالات سناء صليحة