بات هناك الكثير ممن يلقون باللوم والعتب على آراء ومواقف ومبادرات الدكتور سعدالدين إبراهيم، بل هناك فريق بلغ به الشطط لشيطنة الرجل بسبب تناقضاته العديدة فى الفترة الأخيرة، وهذا عائد الى خوضه ملفات وقضايا مسكوتا عنها، أو تحظى برفض جماهيرى وتحريم يصل الى درجة التجريم لكل من يقترب منها، وأقصد هنا مبادرته وطرحه الأخير بشأن تصميمه على الطرح الخاص بالمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية. ناهيك عن مواقف وتجارب وعلاقات تحمل فى سياقها الغموض إن لم تكن الاستفزاز لمشاعر الغالبية من المصريين، مثل تلك التى كانت تربطه مع دولة قطر ويقف فيها ضد إرادة وجموع المصريين، واختار لنفسه مكانا على الضفة الأخرى المقابلة من النهر، وهو الأمر الذى صح معه القول، سواء اتفقنا أو اختلفنا، مع الدكتور سعدالدين ابراهيم، إنه أصبح شخصية مثيرة للجدل، فلاشك أن القامة الفكرية والمنظور الثقافى والعلمى للرجل لا يباري، لكن الآراء والمواقف والأطروحات لا يتفق معها الغالبية وتأتى دوما عكس رغبة المجموع والعقل الجمعى للمصريين فى السنوات الأخيرة، حتى احتار معه الكثير من النخبة وأهل الفكر والثقافة حول مضمون القرارات والمبادرات الجانحة التى يلجأ إليها د. سعد واختياره التوقيتات. فصرت أنا واحدا من هؤلاء الذين يضعون كثيرا من علامات الاستفهام حول مضمون الطرح والتوقيت لمبادرات وأطروحات د. سعد، وأتساءل مع غيرى كثير من المصريين: ما جدوى طرح مبادرة المصالحة مع تلك الجماعة الإرهابية بعد عودته أخيراً من تركيا، ولقاءاته هناك مع الكثير من قيادات وبارونات تلك الجماعة الفارة الهاربة التى تقود نضال الفنادق من أنقرة واسطنبول لتخطيط وتدشين وتقديم المال العابر للقارات والحدود للأعمال الإرهابية، سواء القتل أو التفجير والتفخيخ، أو نصب شرك الاغتيالات ضد قوات الجيش والشرطة والمواطنين العاديين فى مصر، ومما لا شك فيه، أن هذا الطرح بل والتصميم من قبل د. سعد على المضى قدما فيه بشأن اقناع الغالبية من الشعب والذهاب الى البرلمان ولقائه أعضاءه، كما قال أخيراً، يثير الدهشة والريبة، إذ يتساءل المرء فى مصر: لماذا كل هذا التصميم من د. سعد على طلب المصالحة مع الإخوان وفرض عدة شروط مبالغ فيها وهو يعلم أنه يستحيل أو يعجز أى مصرى حتى رئيس الجمهورية عن أن يقبل بها، مثل الافراج عن مرشد الإخوان القاتل الإرهابي، وكل قيادات الجماعة وأعضائها من السجون، ثم إسقاط الاتهامات والتهم وحفظ وتجميد القضايا التى يحاكمون بشأنها؟!.فضلا عن اقتراح د. سعد حسب اتفاقه مع هؤلاء الإرهابيين، فى السجون والخارج، على السماح بعودتهم من جديد للعمل السياسى وممارسة أنشطة تلك الجماعة مرة أخري، وكل ذلك فقط مقابل اعتذار تلك الجماعة الإرهابية. وبالتالى ما يفهم من طرح د. سعد أن الرجل صراحة يريد إسقاط الدولة المصرية، ولا معنى آخر أو تأويل سوى أن الرجل لا يعترف مثل تلك الجماعة بثورة 30 يونيو وإنما يراها مثلهم فى الإخوان الإرهابية أنها انقلاب، وهذا هو التفسير والمعطى الذى بات يثير حفيظة المصريين ضد د. سعد حاليا، وبرفع منسوب الغضب والرفض لمثل هذه المبادرة بل ربما يسخر منها البعض كما سمعت ورأيت. وبدورى اتساءل: لماذا لا يذهب د. سعد الى أصدقائه أو أتباعه ومريديه ضمن فريق فى تلك الجماعة ويطلب منهم وقف العنف والتفجير والتفخيخ فى القاهرة، والعديد من المحافظات وقبل هذا وذاك فى سيناء، وأن يقول لهم إن هناك استحالة فى قبول أو حتى مجرد التفكير فى طرح مثل هذا الأمر الخاص بالمصالحة، لأن الجماعة الإرهابية قد ماتت وبالتالى أى محاولة لإحياء وجودها وبعثها من جديد هى أقرب الى الانتحار الشخصى أو السياسى لأى شخص يتولى مثل هذا الأمر، وبالتالى الاستمرار فى الدعاية لها فى الشارع هى محاولة مفضوحة لإعطائها قبلة الحياة من جديد، كما أنها ستجلب مزيدا من الكراهية الشديدة للجماعة أو حتى للشخص الذى يتولى الدعوة الى مثل هذه المبادرة، لان الغالبية العظمى فى الشارع المصرى باتت على قناعة بأن الإخوان باتوا مصدر الشر المطلق كله فى مصر، وأن العقلية الذهنية للغالبية من الشعب كانت ولاتزال تراهن على أن مجرد التفكير فى المصالحة أو العفو عن تلك الجماعة، لن يجلب لمصر سوى الويلات والخراب والكوارث. قبل هذا وذاك، إنهم فى الشارع المصرى لم ينسوا هذا الجرح الغائر فى الصدر الذى ينزف دما كل ساعة جراء جرائم ومآسى الإخوان الإرهابية ضد الوطن. وبالتالى البعير قد سقط ولا ينفع معه التدليل، فلا مصالحة ولا عفو ولا يجرؤ أحد فى الدولة على أن يشرع لمثل هذا الطرح، الذى بات من الماضى وأصبح خلف ظهر المصريين لأنه لا يوجد بين المصريين، من يقبل أو يسمح بهذا التطرف المتهور من تلك الجماعة، وأن التصنيف المعمم بحق هؤلاء أنهم جماعة من السذج الذين انتهجوا العنف لتحقيق مكاسب سياسية، وبالتالى فليخجل الإخوان من أنفسهم الى الأبد، وليتوقف د. سعد عن التمسك بمثل هذه المبادرة التى ستنال من شخصه وتاريخه، وبات الطرفان يحتاجان الى تنقية الذاكرة ليعلما أنه لم يعد هناك ماض أو مستقبل لتلك الجماعة، وأن الشعب فى مصر قد لفظهم لعقود إن لم يكن للأبد، ويكاد ينساهم، فلماذا يتمسك د. سعد وحده بإحياء وانقاذ حياة هذه الجماعة وهو يعلم يقينا أنهم قد ماتوا وسقطوا فى المحرمات، وبالتالى يجب ألا ننسى الماضى حتى لا نكرره وأهم مما سبق فإن أفضل ما يصنعه د. سعد لشخصه وتاريخه هو أن يمضى ويسارع بالاعتذار للمصريين عن تبنيه فى لحظة ما مثل هذه المبادرة، وأنه قرر التخلى عنها وسحبها فى الحال، وأنه أراد أن يحفظ ما له من حب لدى البعض قبل أن يقترب خريف العمر. لمزيد من مقالات أشرف العشري