«بدران» يبرئ نفسه من خيانة «أدهم الشرقاوى» و«محمد رشدى» يحذف اسمه من «الموال» بعد تسجيله ! ولد «أدهم عبد الحليم عبد الرحمن الشرقاوي» وشهرته «أدهم الشرقاوي»، عام 1898 بقرية «زبيدة» التابعة لمركز إيتاى البارود بمديرية البحيرة، وليس محافظة الشرقية كما يقول البعض ، وكان ينتمي إلى أسرة من الفلاحين تولت «العُمدية». وتمتع بقوة بدنية هائلة، كانت تمكنه من رفع حجر الطاحونة الثقيل وحده، وأجاد ركوب الخيل، وتمتع بذكاء حاد مُكَّنه من إجادة الإنجليزية حيث تلقى تعليمه الأولي بإحدى مدارس طنطا. واعتبرته الجماعة الشعبية بطلاً، لقيامه بعمليات مقاومة ضد القوات الإنجليزية، والإقطاعيين. لكنه لم يعش طويلا ، حيث قتل في الثالثة والعشرين من عمره عام 1921 بيد الشرطة. وألهمت قصته مُخيلة المبدعين ، وقُدمت في السينما، والغناء، والتلفزيون، وكانت سببا في ذيوع صيته، وحب الناس له، حتى باتت سيرته ملحمة شعبية تناقلها العامة علي مدار عقود ممتدة. وبالرغم من تباين الحقائق حول حياته وأسباب سجنه، يظل مرجحاً، وفق شفاهيات متوارثة، وبعض أوراق رسمية، أنه ثار لمقتل «عمه محمود» بتحريض من شخص يدعى «إبراهيم حافظ»، كان يمتلك عزبة مجاورة لأرضهم، ولما علم «إبراهيم» هذا بنِية «أدهم» الثأر منه لدم عمه، دبر محاولة لقتله، لكن «أدهم» اكتشفها في وقت مناسب وقتل من استأجرهم «إبراهيم» لقتله. وقُبض عليه، وسُجن بتهمة القتل. وذهب البعض إلى أن أحدهم دسِّ مخدرات له، وضُبطت بحيازته، وسُجن بها، وهناك تعرض للتعذيب. وسيرة «أدهم الشرقاوي» الشعبية بدأت وهو في التاسعة عشرة، بارتكابه حادثة القتل تلك، وشهد ضده فيها عمه «عبد المجيد بك الشرقاوي» عُمدة «زبيدة». وأثناء محاكمته سمع «أدهم» أحد الشهود يدلي بأقوال ضده، فهجم على أحد الحراس بقصد انتزاع سِنجَته ليطعن بها الشاهد، وحكمت المحكمة عليه بسبع سنوات مع الأشغال الشاقة في ليمان طُرة، وهناك التقى «عبد الرؤوف عيد» قاتل عمه «محمود»، وكان محكوماً في جريمة أخرى، فضربه «أدهم» على رأسه بآلة فقتله، وحُكِم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة. واندلعت وقتها «ثورة «1919 » فاستغل السجناء الفوضى والاضطراب وهربوا من السجن، وفرَّ «أدهم» معهم. ونسبت إليه المخيلة الشعبية بطولات خارقة اختلطت بمواقف وطنية، فقالت الروايات إنه تحدى المأمور الإنجليزي «باكيت»، وقاد تمرداً للسجناء وقال لهم جملة شهيرة: « انتم محبوسين زي الفراخ وإخوانكم برَّه بيتضربوا بالرشاشات» إشارة منه لأحداث ثورة 1919. وقالوا إنه بقوته الجسمانية خلع باب الزنزانة، وقيَّد حارسه بالسلاسل، وهرب مع زملائه بعد معركة دامية مع البوليس سقط خلالها قرابة ثمانين قتيلا. واختفى في بلده. وبدأ التخطيط لقتل عمه العُمدة «عبد المجيد» لأنه شهد ضده، وانضم إليه عدد كبير من الأشخاص ، وقام «أدهم» بعمليات قتل وسطو بناحية «زبيدة» ليعطي إيحاء للسلطات بأن عمه «عبد المجيد» عاجز عن السيطرة على منطقة «عُمديته» أمنياً، لتستبعده من منصبه، لكنها تمسكت به لأنه كان مرضياً عنه تماما، بالرغم من اضطراب الأحوال بمنطقة نفوذه! وقالت التقارير الرسمية أن «أدهم» استغل التفاف عدد كبير من الرجال حوله، وبدأ بارتكاب جرائم بمقابل، فقتل البعض لحساب آخرين، ومنهم خفير في عزبة «خلجان سلامة وشقيقه الشيخ أبو مندور»، من أعيان المركز، وابتز العُمَد والأعيان مقابل المحافظة على أرواحهم، فكانوا يعطونه ما يطلب خوفا من بطشه، كما سطا على التجار وأشاع الرعب بين الناس. وشاعت عنه براعته في التنكر، وتخفيه ذات مرة بملابس امرأة، وتحدثه الإنجليزية كأنه خواجة، مما صعَّب مهمة البوليس في اقتفاء أثره. وبقي في المخيلة الشعبية بطلاً يناضل ضد الإنجليز وأعوانهم، وينتصر للفلاحين «الغلابة»، وهو ما جعل البوليس يدرك أنه لن يستطيع النيل منه إلا من خلال صديقه «بدران» الذي استمالته السلطة، وكان «بدران» يذهب إليه بالطعام، وفي آ خر مرة تواطأ مع البوليس الذي تتبعه. وبناء على التقارير، عززت الحكومة قواتها بالمنطقة، وضاعفت دورياتها، إلى أن تخاصم «أدهم» مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه "«حمود أبو العلا حمروش» فأرشد البوليس إلى مكانه، وأحس أعوانه بمحاصرة مخبأهم فتركوه خوفاً على حياتهم، وتنقل هو بين مراكز «إيتاي البارود»، و«كوم حمادة»، و«الدلنجات». وأرسل البوليس الجاويش «محمد خليل» و «أومباشي سوداني» و «خفير»، فكمنوا له في «غيط ذُرة» بزمام «عزبة جلال»، مجاور لحقل قطن كان يختفي فيه «أدهم»، وكان يتأهب لتناول غدائه لكنه أحس بحركة في «غيط الذرة» فأطلق عدة أعيرة من بندقيته، لكن الجاويش «محمد خليل» عاجله برصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول طعامه، ووجدوا بحوزته نحو مائة طلقة وخنجراً. وحين غنَّى الفنان «محمد رشدي» مواله الشهير : «آه يا خوفي يا بدران ليكون ده آخر عشا»، وتحول إلى موال خاص بأدهم في الغناء الشعبي، كان «بدران» ما يزال على قيد الحياة، وذهب إلى القاهرة وقابل الفنان «رشدي» وأكد له أنه برئ من دم «أدهم» ولم يَخُنه، وطلب حذف ا سمه من الموال، فاستجاب له «رشدي» وأعاد غناءه : «آه يا خوفي يا صاحبي ليكون ده آخر عشا». ويرجح البعض أن «أدهم الشرقاوي» قُتل عام 1921 عن ثلاثة وعشرين عاماً فقط، ولأنه كان يقاوم الإنجليز وعملائهم وأتباعهم، عمدوا لتشويه صورته، بتعليمات من المعتمد البريطاني، تلقفتها الصحف الموالية للسلطة وروَّجت لها، ويرجح أن ما قيل عن سرقته أموال الأثرياء وتوزيعها على الفقراء لم يكن غير نزوع شعبي لأسطورة «أدهم الشرقاوي» بطريقة البريطاني «روبن هود».