هل من الطبيعى أن يكون للنساء مطالب خاصة من البرلمان؟ ألا نتطلع جميعا، نساء ورجالا، إلى البرلمان كى يقوم بإصدار التشريعات اللازمة لتحقيق آمالنا فى العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟ ألا نطمح جميعا إلى برلمان قوى قادر على تمثيل الشعب فى الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، ووضعها موضع المساءلة والمحاسبة؟ ألا يؤدى تحسن حالة البلد ككل إلى تحسين أحوال الجميع رجالا ونساء؟ الإجابة ببساطة هى أننا لا يمكن أن نفترض أن ثمار النمو والتحسن تتوزع تلقائيا بالعدل والقسطاس على كل من النساء والرجال، أو أن ارتفاع معدلات الاستثمار يقترن تلقائيا بفرصة متكافئة لكل من النساء والرجال للتعليم و العمل والتدريب والترقي. التقارير الرسمية تعترف بأن نسبة البطالة بين النساء تبلغ 24.7% مقابل 9.1% فقط للرجال، كما تعترف بأن معظم المنشآت فى القطاع الخاص تشترط عند الإعلان لشغل وظائف أن يكون المتقدمون من الرجال. بيانات الجهاز المركزى للتعبة العامة والإحصاء وتقارير البنك الدولى تؤكد أن هناك فجوة دائمة فى الأجور فى غير صالح النساء فى القطاع الخاص، وأن هذه الفجوة تتسع مع ارتفاع مستويات التعليم، فضلا عن افتقار العمل لدى القطاع الخاص إلى الظروف الداعمة للأسرة، فيما يتعلق بإجازات الوضع مدفوعة الأجر، وتوافر دور الحضانة وعدد ومواعيد ساعات العمل، بما يجعل من الصعب التوفيق بين مسئوليات العمل ومسئوليات رعاية الأسرة، وهى المسئوليات التى تستمر النساء فى تحملها بشكل يكاد يكون منفردا حتى بعد خروجها للعمل. البيانات المستخرجة من المسح التتبعى لسوق العمل 2012 تؤكد أن النساء المصريات يتحملن نصيبا كبيرا من عبء العمل الذى يعيش عليه المجتمع المصري. الرجل يمكن أن يكون مشتغلا أو غير مشتغل، أما النساء فهن مشتغلات فى كل الأحوال حتى ولو اقتصر الأمر على العمل المنزلي. متوسط ساعات العمل الأسبوعية لأى ربة بيت مصرية متفرغة للعمل المنزلى لا تقل عن 30 ساعة مقابل أقل من ساعتين للرجل غير المشتغل. أما المرأة المصرية العاملة فتتحمل عبء ورديتى عمل كاملتين إحداهما داخل المنزل والأخرى خارجه، بواقع 69 ساعة فى المتوسط أسبوعيا مقابل 54 ساعة فى المتوسط للرجال. ببساطة شديدة .. نساء مصر المشتغلات يعملن أكثر من الرجال المشتغلين و ربات البيوت يعملن أكثر من الرجال غير المشتغلين! نساء مصر لسن عالة على أحد، و يقدمن نصيبهن العادل من إجمالى ساعات العمل التى يعيش عليها هذا المجتمع. المشكلة أن الجزء الأكبر من ساعات عملهن بدون أجر ولا تأمينات اجتماعية. الزوجة المصرية غير العاملة لا تحصل على أى معاش عن سنوات تعبها الطويلة فى الأعمال المنزلية. تمشى مشوار الحياة مع الزوج خطوة خطوة، وتبنى معه طوبة طوبة، فإذا قرر أن يتركها، استأثر وحده بثمار تعب السنين. نريد من البرلمان استصدار التشريعات الخاصة بحق النساء فى اقتسام الثروة التى تم تكوينها خلال فترة الزواج، مع الاسترشاد بتجارب بعض الدول الإسلامية مثل ماليزيا، وبعض الدول العربية مثل تونس والمغرب. الدستور ينص على حق المرأة المصرية فى المساواة. نريد من البرلمان إصدار التشريعات الكفيلة بتفعيل نصوص الدستور بخصوص عدم التمييز، واستصدار التشريعات التى تكفل حظره وتجريمه، وملاحقته. نريد من البرلمان تفعيل النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور. هل تصدقون أن قانون العمل ينص صراحة على استبعاد العاملات الزراعيات وخادمات المنازل من حمايته؟ نريد من البرلمان إلزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور و تعديل قانون العمل ليشمل خدم المنازل والعمالة الزراعية، كخطوة أساسية لتوفير الحماية القانونية والتأمينية للنساء العاملات فى هذين المجالين. الأم المصرية، ككل الأمهات، عندما تتحمل مسئولية تربية الأبناء، تقدم عملا من أعمال الخدمات العامة، واستثمارا بشريا للمجتمع ككل، وإعدادا لقوة العمل التى تكفل استمرار الانتاج فى المستقبل. نريد من البرلمان الحفاظ على وتفعيل النصوص الحالية فى كل من قانون العمل وقانون الطفل فيما يتعلق بإنشاء دور الحضانة فى المنشآت التى يعمل بها حد أدنى محدد من النساء، وبما يتفق مع توصيات منظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة. نريد تعديل قانون الخدمة المدنية بحيث يتضمن النص على أحقية العاملة المرضعة فى فترات راحة، أو تخفيض ساعات العمل لإرضاع طفلها، بما يتفق مع ما ينص عليه قانون العمل الحالى والاتفاقية الدولية رقم 183 لحماية الأمومة. نريد من البرلمان إصدار التشريعات اللازمة لإعداد وتفعيل الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعى فيما يتعلق بمنظومة التعليم والصحة والمرافق العامة وخاصة فى الأقاليم. فلا يكفى رصد المخصصات اللازمة لبناء مدارس جديدة، دون التأكد من أن بينها مدارس للفتيات، ولا يكفى رصد المخصصات لبناء مستشفيات ووحدات صحية دون تعيين طبيبات فى تلك الوحدات. ولا يكفى كل ذلك دون رصد مخصصات لتوفير طرق ووسائل انتقال آمنة، خاصة فى ظل القيود الاجتماعية المفروضة على حركة النساء فى ظل نظام القيم السائد. مع مقدم الاحتفالات بيوم المرأة العالمى نريد من البرلمان، خاصة من عضوات البرلمان، تفعيل النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور، وعلى رأسها حق النساء فى المساواة وعدم التمييز... ليس فقط لأنه حق من حقوق الإنسان، ولكن أيضا لأن النساء يسهمن بنصيب وافر من العمل الكلى الذى يعيش عليه المجتمع المصري. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى