لكل من مصر والسعودية مصالح يتم تحقيقها علي نحو أفضل إذا ما قويت العلاقة بين الدولتين. فالسعودية لديها امكانات اقتصادية يمكن أن تسهم في دفع حركة التنمية في مصر من خلال تدفق استثماراتها, ومن خلال ما تتيحه من فرص عمل لاعداد متزايدة من المصريين. ومصر بما تقدمه من خبرات بشرية ومن عمالة مدربة تسهم بلا شك في توفير أحد العناصر المهمة لتحقيق التقدم, مع الحفاظ علي التجانس الفكري والاجتماعي بالمملكة, وهو الأمر الذي يصعب تحققه في حالة استخدام قوي بشرية بديلة ولا تتوقف المصالح المشتركة بين الدولتين علي ما تقدم, فهناك الامكانات الواسعة لمزيد من التبادل في مجال التجارة السلعية والخدمات, إذ إن حجم السوق في كلتا الدولتين يسمح بمزيد من النمو.. ففي مصر توجد الكثافة السكانية وفي السعودية توجد المستويات المترفعة من الدخل. ولا تقتصر أهمية دعم العلاقات المصرية السعودية علي ما يحققه ذلك من الحفاظ علي مصالحهما الاقتصادية المشتركة وتنميتها بل هذا الدعم يعد ضرورة ايضا لتقوية فرص العمل العربي المشترك, وتحقيق المصالح السياسية للدولتين, وفي هذا ما يحقق الأهداف الاستراتيجية للأمة العربية سياسيا واقتصاديا. لقد بذلت محاولات عدة في الماضي لتحقيق المزيد من التكامل والتعاون بين الدول العربية, بل ولتحقيق الوحدة بين بعض دولها وكان هدف هذه المحاولات تحقيق القوة السياسية والاقتصادية لدول العالم العربي إلا أن هذه المحاولات لم تحقق الكثير حتي الآن, لقد أنشئت جامعة الدول العربية منذ أربعينيات القرن الماضي, كما ازدهرت الحركات السياسية الداعية إلي احياء فكرة القومية العربية ووحدة دولها. وفي مقدمتها حركة حزب البعث والحركة الناصرية, إلا أن النتائج ليست مرضية حتي الآن, بسبب عدم كفاءة من تولوا قيادة هذه المحاولات وعدم رؤيتهم الصحيحة لحقائق التاريخ, وبسبب ما تعرضت إليه هذه المحاولات من هجمات شرسة من القوي الاقليمية والدولية التي تري في تجمع العرب وفي قوتهم خطرا يهدد مصالحهم الاقتصادية والسياسية. والآن, وقد استعادت مصر حريتها بقيام ثورة 25 يناير سنة 2011 وضعت أقدامها علي أول الطريق لإقامة دولة ديمقراطية, مع توقع تبنيها مشروعا نهضويا يحقق ما تصبو إليه من تنمية وعدالة, فمن الطبيعي أن يؤدي هذا التطور إلي استنفار القوي المضادة إقليميا ودوليا من أجل وضع العقبات أمام تحقيق تقدم مصر ونهضتها, وما قد يؤدي إليه ذلك من استعادتها دورها الرائد في دعم العمل العربي المشترك. وبدون الدخول في الكثير من التفاصيل فإن أحد المصادر التي يمكن أن تعتمد عليها مصر لتحقيق مشروعها النهضوي بعد انتهاء الفترة الانتقالية وما استنفد خلالها من موارد, هو المزيد من التعاون وتقوية العلاقات مع دول الخليج الغنية بفوائضها وفي مقدمتها بالطبع المملكة العربية السعودية, وإذن فلتبذل العديد من المحاولات لوضع المزيد من العقبات أمام امكانية تقوية علاقات مصر مع هذه الدول, وتحقيق المزيد من التعاون بينهم اقتصاديا وسياسيا. وبذلك يتحقق هدفان الأول: عدم تحقق المشروع النهضوي المصري, والثاني: اضعاف فرص العمل العربي المشترك. ويستطيع المتتبع لتطور العلاقات المصرية السعودية في مرحلة ما بعد الثورة أن يتبين وجود قدر من الفتور في هذه العلاقات وقدر من التحفظ خاصة من الجانب السعودي الذي يبدو أنه قد ارتأي اتباع سياسة الانتظار حتي يري ما تسفر عنه أحداث الثورة في مصر وأحداث الربيع العربي بصفة عامة من تطورات ومن تحديد للقوي صاحبة القرار. هذا الفتور وذلك التحفظ قد أدي إلي صدور عدد من التصريحات من بعض المسئولون عن اتخاذ القرار في مصر تتضمن قدرا من العتاب لعدم قيام الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية بدعم الاقتصاد المصري في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها, واستغلت بعض أجهزة الإعلام للأسف هذه التصريحات لتزيد من حالة الاحتقان في العلاقات المصرية السعودية, ولتزيد من التعبئة النفسية للجماهير المصرية وعدم رضائها... وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه المسئولون بمصر بما فيهم الإعلام بتجاوزه وإثارته الجماهير, ويتمثل الخطأ في عدم قدرة هؤلاء المسئولين والإعلاميين وتلك الجماهير علي التفرقة بين ما هو استراتيجي لا يجوز التخلي عنه, وبين المواقف الوقتية التي يسهل معالجتها بقدر من الصبر وضبط النفس. ولقد بدأت هذه المواقف الخاطئة وعدم القدرة علي التفرقة بين ما هو استراتيجي وما هو مؤقت إلي المزيد من التعبئة النفسية للجماهير, وكان من الطبيعي أن تلعب القوي المعادية اقليميا ودوليا دورها استغلالا لهذه التطورات لتزيد من توتر العلاقات المصرية, السعودية بل وتسعي إلي انفصامها إذا استطاعت. وجاءت حادثة المواطن المصري الذي ذهب لأداء العمرة وزوجته وتم القبض عليه لتكون الشرارة التي استغلتها القوي المضادة وتقوم بالاعتداء علي السفارة السعودية وقنصلياتها وعلي شخص ملك السعودية والمسئولين بها علي نحو فوضوي لا يتفق مع أبسط قواعد القانون, وما يتسم به المجتمع المصري من تسامح وخلق حميد, كما لا يتفق مع أهمية وضرورة تقوية العلاقات المصرية, السعودية, مما أدي إلي رد فعل السعودية بغلق سفارتها وقنصلياتها واستدعاء سفيرها للتشاور, وبذلك دخلت العلاقات بين الدولتين في أزمة حقيقية. والآن وبعد الخروج من الأزمة والعودة بالعلاقات إلي طبيعتها وإلي ما يحقق المصالح المشتركة للدولتين علي أفضل وجه, وإلي دعم العمل العربي المشترك, فإنني كمواطن مصري يؤمن وبقوة أهمية التعاون والتكامل العربي وبالدور الرائد الذي يمكن أن تلعبه مصر والسعودية لتحقيق ذلك وابادر بالتأكيد أن ما حدث من بعض المجموعات من اعتداء لايعبر عن حقيقة المشاعر الطيبة التي يحملها المصريون عموما تجاه السعودية وقياداتها. كما أن التهديدات السياسية والاقتصادية التي تعرض لها البلدان من قوي خارج المنطقة العربية كثيرة ولا يجوز التقليل من خطورتها, وهذه التهديدات لا يمكن مواجهتها بقوة وفاعلية دون تقوية ما بينهما من علاقات ثنائية ودون مشاركتهما معا في دفع التعاون والتكامل العربي إلي مزيد من التطور والتقدم.