قصر سباهى الذى يقع على الكورنيش فى منطقة ستانلى بالإسكندرية حائر هذه الأيام بين لجنة الحفاظ على التراث بالمدينة ووزارة الآثار ، وقد يتصور البعض أنه سباق بين الجهتين للحفاظ على المبنى لأنه »نادر الطراز« وحمايته من الضياع والهدم ، ولكن الحقيقة الصادمة أنه »حائر« بينهما ل «تحديد تبعيته« للجهة التى يمكن أن تحميه وتحافظ عليه من الهدم والاندثار .. فبينما تقاتل لجنة حماية التراث بالمدينة للحفاظ على المبنى ، وتؤكد هويته المعمارية والتراثية وخطورة المساس به وأهمية الحفاظ عليه ، سارعت وزارة الآثار لتنفى أثريته وخرجت علينا ببيان يؤكد أنه لا يتبعها ولا تعرف شيئا عنه وكأنها تنفض يدها منه . وقصر ستانلى الحائر هذا يُطل على أجمل بقعة من الكورنيش وهى خليج وشاطئ ستانلى ملتقى الباشوات والنبلاء الى سنوات قليلة مضت وبالتحديد حتى السبعينيات من القرن العشرين ، وحتى بعد انتهاء الملكية عام 1952 ظل شاطئ ستانلى وكبائنه ملتقى الصفوة والأجانب من المجتمع السكندرى .. وعلى بعد أمتار من الشاطئ وعلى مرتفع لا يتعدى العشرة أمتار تقبع فيلا أو قصر سباهى بمكوناتها المعمارية الفريدة التى تقدم أجمل نموذج للطراز النيو إسلامي فى العمارة ، والتى أصبحت أحد المعالم السياحية والأثرية المميزة للمدينة .. فمن فى الإسكندرية كلها لا يعرف فيلا سباهى تلك الفيلا المستديرة المتميزة بشكلها الغريب وعمارتها التى تحاكى الطراز الإسلامى ؟ وكثير من السكندريين جلسوا على سور الكورنيش يتأملون جمالها ويتساءلون عن أصحابها !!. تسريبات خبيثة وقصر سباهى هذا الذى عاصر ملوكاً ورؤساء يعانى هذه الأيام من حملة شرسة تسعى بشكل خبيث لهدمه واقتلاع جذوره من رمال الإسكندرية بطريقة مبتكرة .. والبداية كانت منذ فترة حينما نشرت بعض المواقع الإخبارية أن هناك خطراً على القصر الجميل وأن هناك محاولات لهدمه وزرع مبنى خرسانى بلا روح مكانه .. وهو الخبر الذى نفاه كل من له علاقة بالقصر وسارع الصحفيون الى موقع القصر وتأكدوا بأنه على حاله ولم تمتد اليه يد التخريب منذ فترة ، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل سرب بعض الأشخاص خبراً الى بعض المواقع الإلكترونية مفاده أن الأثريين قدموا طلباً للوزير بضم القصر الى حوزة الأثار خوفاً عليه من الهدم والتخريب ، وبدا الأمر كأن هناك محاولات متعمدة لتخريبه ويجب التحرك بسرعة لإنقاذه .. وبالتحرى عن هذا الطلب أكد الأثريون أنهم لا يعرفون عن هذا الأمر شيئاً وأنها قد تكون محاولات فردية لا يعرفون من وراءها .. ثم كانت المفاجأة حينما أصدرت وزارة الأثار بياناً إعلامياً تنفى تبعية القصر لها وجاء نصه كالآتى : »أكد أحمد مطاوع مدير إدارة الآثار الإسلامية بوزارة الآثار أن قصر سباهى بالإسكندرية غير أثرى ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983«، جاء ذلك بعدما أثير فى بعض الصحف اليومية بمطالبة الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار بحماية القصر بعد تعرضه للهدم والتخريب من قبل ملاكه لتحويله لبرج سكني…وأشار مطاوع الى أن القصر يُعد ضمن المبانى ذات الطابع التراثى والتاريخي، لافتاً إلى أنه تم معاينته منذ عدة سنوات عن طريق لجنة أثرية أوصت بعدم تسجيله فى قائمة الآثار الإسلامية والقبطية لأنه لا يخضع للمادة رقم 1 فى قانون حماية الآثار والتى تنص على مرور 100 عام على إنشاء المبنى ليعد أثراً… ثم انتهى الخبر بفقرة عن تاريخ القصر تقول يذكر أن القصر يعود تاريخه لبدايات القرن العشرين حيث بناه المليونير سباهى باشا أحد كبار التجار بالإسكندرية ورائد صناعة الغزل والنسيج فى مصر .. الى هنا وإنتهى الخبر الذى أقام الإسكندرية ولم يُقعدها لأنه أصاب المهتمين بالثقافة والتراث والتاريخ فى المدينة بالصدمة .. فمثل هذه الأخبار قد تكون أداة قوية فى أيدى أصحاب الفيلات للتعجيل بهدمها بدعوى أنها ليست أثرية وبالتالى فلا ضرورة للحفاظ عليها، وهو ما أكده الدكتور محمد عوض رئيس لجنة حفظ التراث بالإسكندرية الذى أضاف أنه لا يدرى السبب وراء إثارة هذا الموضوع فى هذا التوقيت وخاصة أن القصر على حاله منذ فترة ولم يتعرض لأى تخريب، وقال أن القصر لا يتبع «الآثار» بأى حال من الأحوال ، بل يتبع لجنة الحفاظ على التراث بالمدينة وهو مسجل بمجلد التراث المعماري الذى وافق عليه مجلس الوزراء برقم 1104 وبالتالى فأن كل ما يتعلق بالمبنى هو من اختصاص اللجنة وأن كون المبنى ليس أثرياً لا يقلل من شأنه وأهميته أبداً بل على العكس فهذا القصر من آروع وأهم الطرز المعمارية بالمدينة وقد بُنى فى الثلاثينيات من القرن العشرين على الطراز الإسلامى المستوحى من سوريا وبلاد الشام بإعتبار أن أصحابه كانوا من الشوام حيث كان مملوكاً للحاج فاضل سباهى صاحب أكبر وأول مصنع للغزل والنسيج فى منطقة السيوف وهو الذى تم تأميمه عام 1961 وقد قام ببنائه مهندس شامى هو وليام فارس وقد أقامت به الأسرة لفترة حتى حدث التأميم لشركاتهم وإنتقل أفرادها الى القاهرة وبقيت الفيلا على حالها ، ومع كثرة عدد الورثة وتوزعهم فى البلاد ظهرت فكرة بيع الفيلا ولذا أقام ملاك القصر دعوة لإخراجه من مجلد التراث لمحاولة هدمه منذ عدة سنوات ولكن تم رفض التظلم ومن وقتها والقصر على حاله، ويضيف عوض أن هذه الفيلا رغم حالتها السيئة والتخريب الذى تعرضت له قديماً أعمدتها وجدرانها إلا أنها الوحيدة من هذا الطراز بالإسكندرية بعد أن هُدمت مثيلتها والتى كانت مملوكة لعائلة فالستوبولو اليونانية فى منطقة الحى اليونانى بوسط المدينة، ولأهميتها تجب الاستماتة فى الحفاظ عليها باعتبار أنها قد تكون مهددة بالخروج من مجلد الحفاظ على التراث فى أى لحظة من خلال ألاعيب المحامين واستغلال الثغرات فى القانون الذى ينظم الحفاظ على التراث ، ولكن الشئ المؤكد كما يقول عوض أن عدم خضوع القصر للآثار لا يقلل من أهميته ولا يعطى أى فرصة لهدمه بدعوى عدم أثريته .. فالتراث لا يقل أهمية بأى حال من الأحوال عن الأثار وتراث المدن هو هويتها وبطاقتها الشخصية . محاولات توثيق من شباب المعماريين ومن جهة أخرى قام مجموعة من شباب المعماريين والفنانين المهتمين بتراث المدينة بقيادة المهندس محمد جوهر بمحاولة لتوثيق بعض المبانى الهامة من خلال عمل حوليات عن هذه المبانى تحت عنوان وصف الإسكندرية منها مدرسة الجيزويت ومبنى المعهد السويدى وفيلا سباهى التى كتب يقول عنها محمد الجوهرى أنها تقع على مساحة 3000 متر مربع وقد أنشأها المعمارى المصرى على ثابت الذى كان ضمن فريق عمل المعمارى الإيطالى ماريو روسى حيث تم البدء فى البناء عام 1946 لينتهى فى عام 1948 بتكلفة إجمالية بلغت 50 الف جنيه مصرى وقتها ، وهو ما نفاه الدكتور محمد عوض تماماً حيث أكد أن الفيلا صممها وأنشأها المهندس وليام فارس وتم الإنتهاء منها قبل الحرب العالمية الثانية ، ولكنه أضاف أن المهندس على ثابت قد يكون قد عمل داخل الفيلا بعد بنائها … أما عن وصف الفيلا فيقول محمد الجوهرى إنها ترتفع 12 مترا عن سطح البحر وتتكون من أربعة طوابق وتتميز الواجهة الرئيسية بكتلة دائرية كبيرة كتراس يطل على البحر مقسمة لخمسة عقود على شكل حدوة حصان زين سقفها بالقرميد الأحمر مما يضفى عليها روح مبانى البحر المتوسط وقد أغلق القصر منذ أن هجره أهله وبسبب مواجهته للبحر وأغلقت فتحات المبنى فى الدورين الأرضى والأول بالطوب الأحمر لحماية المنزل. وفى النهاية تبقى فيلا سباهى رمزا من رموز الإسكندرية الجميلة وشاهدا على عصر أنيق مضى، ولذا وجب أن نتمسك بها وبما تبقى لدينا من رموز الأصالة والعراقة لننقل لأحفادنا ولو جزءا بسيطا من عصر ساحر تمتعنا بالحياة فيه على الا يكون ذلك على حساب أصحاب هذه القصور والفيلات إذ يجب أن تقوم الدولة بوضع قانون عادل يضمن لصاحب القصر أو الفيلا الحصول على مقابل مناسب لممتلكاته حتى لا يسعى الى تدميرها ليحصل فى مقابلها على حفنة من الجنيهات وهذا هو التحدى الأكبر الذى تواجهه الإسكندرية لكى تحافظ على تراثها.. فهل تنجح فيه؟