كغيرى كثيرون، لم يقرأوا سابقا للروائى أحمد ناجى،ولكن حكم حبسه عامين بعد ما نشره من روايته فى مجلة أخبار " الأدب" ،و الضجة الاعلامية والتحركات النشطة لعدد كبير من النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية، جعلتنى أفتش عن هذه الكلمات، لتحرى الامر... وقد فعلتها ... وياليتنى لم أقرأ.. فكنت قبل قراءة تلك الحروف مع حرية الرأى والتعبير والابداع بلا حدود، لكونى من المؤمنين بمقارعة الحجة بالحجة والرأى بالرأي، فضلا عن أننى من ساكنى بلاط صاحبة الجلالة، الذين يرفضون مقابلة الرأى بالحبس، لكن ومنذ وقعت عينى على ما كتبه ناجى، والذى يعد وبتعبير مهذب جدا " قلة أدب"، أدير بوصلة تفكيرى، لتقفز أمامى ملاحظات أراه مشروعة وتتطلب من كل المدافعين عن حرية الرأى والتعبير والابداع التوقف أمامها . أولى هذه الملاحظات، إطلاق مسمى الإبداع على ما كتبه الروائى، ويلاحظ هنا أن المدافعين عنه لديهم التباس فى المصطلح، فأطلقوا على ما كتبه " إبداع"، أى كلام متميز وفريد،وقطعة أدبية لا مثيل لها، لما لهذه الكلمة من جاذبية خاصة ،ولم تستخدم كلمة تأليف ،لاضفاء هالة من القداسة على المكتوب، وبالتالى يكون محصنا من سهام النقد،بل يصبح المبدع بهذا الوصف خارج دائرة تقييم ما يكتبه. وثانيها، اختلاط المفاهيم بشكل مريب، فاختلطت حرية الرأى والتعبير بحرية الفوضى، وبات الشعار الذى يرفعه كل من يتجاوز حدود قيم المجتمع بأنه يمارس حقه الذى كفله الدستور، متجاوزا فى هذا حدود المنطق والعقل وأخلاقيات المجتمع، الذى يجب الحرص عليها ودعمها من آن لآخر،وتعظيم شأنها ،حرصا على أجيال ابتعدت للأسف عن قيمنا. وثالثها، حالة الانفلات الاخلاقى، التى نعيشها، على معظم وسائل التواصل الاجتماعى، وشاشات الفضائيات،وفى النوادي،والجامعات، والأفلام السينمائية والبرامج ، تستوجب التوقف أمامها فعلا، وهنا أسأل حملة " أخلاقنا" التى أطلقتها عدة جهات وشخصيات دينية، عن موقفها من نشر هذا الكلام، هل هو مع أخلاقنا أم ضدها؟! رابع تلك الملاحظات عن التعليق على الحكم القضائى الصادر بحقه، وأنه " محاكمة الخيال"، وأعتقد هنا أن الخيال فعلا لا يحاكم، لكن إذا ظل هذا الخيال فى وجدان صاحبه، أما إذا خرج على صفحات المجلات والجرائد وتجسد ، فأصبح محل تقييم ومحاكمة بالفعل، لانه اصبح موجها لجمهور من المتلقين، على اختلاف ثقافاتهم واعمارهم ، وإلا أصبحت الحياة " سداح مداح" ، كل يكتب ما يشاء بغض النظر عن آثاره السلبية . وأخيرا، قد أكون من المغردين القلائل خارج سرب "الدفاع عن حرية الإبداع بلا حدود" موضة هذه الأيام،لكننى أعتقد أننى مع الكثيرين الذين ما زالوا يتحدثون عن " العمل الأدبى" بمفهومه الشامل، وعن " العيب" بمفهومه المجتمعى، ويخشون من تفشى هذا الاسفاف .. وأسأل المدافعين عن هذا العمل وما على شاكلته، هل يقبل أن يقرأ أبناؤه المراهقون هذا الكلام، ألا يخجلون ، أم أن خدش حياء المجتمع أصبح أمرا مألوفا و" عادى خالص"؟! لمزيد من مقالات أمانى ماجد