ليس إعلان المملكة العربية السعودية مراجعة علاقاتها بلبنان هو المشهد الختامى فى فصل مضطرب ومرتبك شهده ذلك البلد العربى الصغير حجما والكبير تأثيرا. إذ كان تجميد الهبة السعودية (4 مليارات دولار ثلاثة منها لتسليح الجيش وواحد لقوى الأمن) مقدمة لإعادة ترتيب الصيغة اللبنانية بعد ما تعددت تجليات فشلها مؤخرا سواء فى الفراغ الرئاسى المضحك الذى جرت 37 محاولة لعقد مجلس النواب من أجل سده، أو فى تلك المشاهد التى راح فيها جبران باسيل وزير الخارجية يتبنى مواقف ضد الاجماع العربى بتأييد السعودية ضد التعديات الإيرانية سواء فى الإجتماع الوزارى بالجامعة العربية أو فى منظمة المؤتمر الإسلامي. فإذا وضعنا فى اعتبارنا أن جبران باسيل هو صهر الجنرال ميشيل عون زعيم التيار الوطنى الحر، ورجل دمشقوطهران فى لبنان، والذى تخلى مؤخرا عن خلافه التقليدى مع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وعقد معه صلحا يتحدث بتوحد عن اتفاق الطائف ذلك الذى كان عون أبرز مهاجميه سندرك أن باسيل كان بمواقفه يخدم حزب الله. ثنائية السلطة فى لبنان التى تسبب فيها (حزب الله) بسيطرته على ما يُسمى (الثلث المعطل) فى الحكومة تجعل من ذلك البلد رهينة فى قبضة الحزب وبالتالى طهران، فإذا كانت القوة الإقليمية العظمى الأخرى فى الرياض فى وضع تقاطع أو تصادم مع الجمهورية الإسلامية فإن لبنان وصيغته السياسية سوف يتمزقان تحت وطأة الشد المتبادل بين السعودية وإيران، وهو صراع له بُعد مذهبى (سُنة وشيعة) وجانب قومى (عربى وفارسي)، ثم إن الارتباطات الإقليمية والدولية للبلدين تجعل تخفيف حدة المواجهة بينهما من المستحيلات فى اللحظة الراهنة. وصحيح أننى من مؤيدى بقاء سلطة الرئيس الأسد للمرحلة الإنتقالية فى سوريا على الأقل، إلا أننى كنت حريصا جدا فى كل مرة أتعرض فيها للموضوع أن أؤكد عدائى لإيران وحزب الله، فهما فى عقيدتى السياسية كيانات عادت مصر ومن ذلك المنطلق- أيضا- أرى حزب الله فى لبنان عامل اضطراب يفرض على ذلك البلد ما يشبه سلطة احتلال، وتهجم حسن نصرالله على السعودية لصالح إيران كان ضارا بمصالح لبنان إلى ما هو أبعد- حتى- من هبة المليارات الأربعة. كل ما استغربه وسمعت فيه نداءات لبنانية حارة طوال العقود الماضية أن مصر تغيب عن ممارسة دور للحفاظ على لبنان وهو ليس بديلا لدور أحد ولكنه محاولة لمساعدة اللبنانيين على اختراع صيغة سياسية جديدة تحفظ استقلالهم وعدالة تمثيل قواهم. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع