لو أن حزبا أو جماعة أو جهة أعلنت أنها التى أشارت على المتظاهرين بالذهاب إلى وزارة الدفاع والاعتصام هناك كنا ارتحنا وعرفنا من أين تأتى الفتن والمصائب التى لا تتحملها مصر.. لكن الكل تبرأ ونفى، وسارعت كل الأحزاب الليبراليية والقوى السياسية والقوى الثورية والإخوان والسلفيين بنفى مسئوليتهم عما حدث وأنهم لم يشاركوا فى التظاهر بالعباسية ومحاولة تخطى الحاجز الأمنى لوزارة الدفاع. وتبقى الأزمة والمأساة.. ويبقى الألم لفقد شباب لا ذنب لهم، ويصبح الحدث برمته قيد مجهولين لا نعرف انتماءاتهم ولا نعرف كيف نصنفهم ومن الذى استدرجهم للوقيعة وصناعة أزمة نحن فى غنى عنها ونحن على أبواب انتخابات رئاسية ستضع حدا لهذه الفوضى بإعلان رئيس مصر القادم.. لم تكن المواجهات مع الشرطة العسكرية فقط، بل رأينا ولأول مرة سكان العباسية يطاردون المتظاهرين ويتوعدونهم، وبدلا من أن يساعدوهم ويرموهم بالورود أيام كان يحدث فى أول أيام الثورة كانوا ضدهم.. غضب سكان العباسية كان خوفا من تطور الموقف وشعورهم بالخطر على حياتهم وحياة أبنائهم بعدما تحولت المظاهرات السلمية إلى مواجهات مع الشرطة العسكرية.. فالثائر لا يحرق لا يخرب لا يدمر لا يقتل، ولا يمكن بأى حال من الاحوال أن يكون مشاركا فى سقوط ثورته بتهور غير مسئول. حكى لى متأثرا أحد سكان شارع عبده باشا أن ثلاثة شباب من أبناء الشارع استشهدوا، منهم ابن صاحب محل حاتى شاب طيب يلقبونه ب(قطة) عمره 17 عاما، وكان سقوطه صدمة أذهلت سكان الشارع فتوعد أهله وسكان الشارع بالثأر له مِن مَنْ لا نعلم؟! ومن الذى قتله لا نعلم؟ لتصبح الأزمة بين ثلاثة أطراف العسكر والمتظاهرين وسكان العباسية، ولولا فرض حظر التجوال لكان الأمر دخل بنا فى شبه حرب أهلية، وهو ما ينتظره أعداؤنا ويخطط له المتربصون وصناع الخطر الذين يريدون سقوط الثورة والدولة معا. أخطأوا من كانوا بالعباسية وكبر الخطأ واستفحل عندما حاولوا تخطى الحاجز الأمنى لوزارة الدفاع.. غير مدركين خطورة ذلك، بينما الفاعل الأساسى والمدبر يتجاوز فكريا عشوائية هدف المتظاهرين لامتلاكه رؤية ما يريد تنفيذه وتحديد الهدف، ولديه من الاموال والإمكانيات والعقول المدبرة ما يساعده على نجاح الفتنة والوقيعة بين الجيش والشعب.. لماذا لم يتظاهروا ويعتصموا فى ميدان التحرير أليس هذا هو الميدان نفسه الذى أسقط نظاما عاتيا أم تم نقله فقرروا التظاهر فى العباسية؟! ووقت الاعتراف بفداحة ما جرى تبرأت الاحزاب مما حدث وهددت وحذرت من التلاعب واتخاذ ذلك ذريعة لتأجيل الانتخابات الرئاسية ولو حدث فستكون هناك كارثة وثورة أخرى فى كل بقاع مصر، وأحزاب أخرى وزعت دماء الشهداء بين العسكرى وأبو إسماعيل والقوى الدينية.. الكل يلقى التهم على الآخر ويخونه، والخاسر فى المعركة هو الذى قتل غدرا.. والأم الثكلى التى ربت وعلمت وسهرت الليالى لتنشئ رجلا يروح فى غمضة عين.. والخاسر الأكبر هى مصر التى تعيش كابوس الأزمات ويبيع ويشترى فيها أغبياء القرار السياسى. لحظة: لا يَأمَنِ الدهرَ ذو بغيٍ، ولو مَلِكاً جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ المزيد من مقالات على جاد