فى طفولتى اعتاد الكبار ان يعلقوا على اى سلوك لا يرضون عنه بعبارة» لعب عيال». ولا أدرى إذا ما كانت نفس العبارة لا تزال تتردد أم لا، لكنى أكاد أجزم أن نسبة لا يُستهان بها من القائمين على أمور التنشئة يجهلون حتى اللحظة وظيفة اللعب، ويعتبرونه وقتا ضائعا وشيئا تافها ثانويا، بل ومحرما فى بعض الأحيان.!! والحقيقة أن هذه الرؤية التى تربط «اللعب» بكل سلوك تافه لا عائد له ظلت حاكمة لسلوكيات الانسان أينما كان حتى القرن الثامن عشر عندما تعرض بعض الفلاسفة والتربويين لمفهوم اللعب وأسس فريدريك فروبل أول روضة للأطفال فى ألمانيا عام 1838 ليطبق نظريته فى تعليم الصغار من خلال النشاط الذاتى التلقائى للطفل والاهتمام بالأغانى واللعب لتنميته جسمانيا وعقليا وانفعاليا. منذ ذلك الحين ومع تعدد التجارب والدراسات التربوية وتأكيد أن اللعب مدخل وظيفى لعالم الطفولة، ووسيط تربوى فعال لتشكيل شخصية الفرد فى سنوات طفولته وأن تحقيقه لدوره التربوى فى بناء شخصية الطفل مشروط بوعى الآباء والمعلمين بأهميته وإتاحتهم الفرصة للطفل لتحقيق الذات، أصبح اللعب منهجا وخططا وبرامج التربية والتعليم فى دول العالم الأول حيث يتم توظيفها لاستثارة اهتمام الطفل وتعليمه وتنمية قدراته المعرفية. على صعيد مواز تناولت دراسات الموروث الشعبى وعلم الاجتماع والنفس اللعب باعتباره اسلوبا اجتماعيا يكتسب الطفل من خلاله مهارات التواصل والقيم الاجتماعية للتكيف مع البيئة ويلهم الكبار بمفاهيم ودلالات رمزية تعكس تفاصيل عناصر الموروث التقليدى وثقافة المجتمع. فى هذا السياق لابد أن نتساءل عن ماهية الشفرات الثقافية التى تنقلها باربى وفلة وحرب الكواكب بعد أن احتلت مكان الالعاب المحلية التقليدية ؟! وفى كتابها «اللعب والتنشئة الاجتماعية» تشير الباحثة فاديا حطيط الى ان اللعب وسيط مهم لنقل الثقافة، فتقول: «من خلال اللعب والألعاب المبتدعة يقوم ألمجتمع بواسطة أجياله المختلفين، ببث مجموعة قيم ومعارف ومواقف يحتاجها المجتمع لتأسيس سلوك متكيف ومساعد على استمراريته»، وتشير الباحثة إلى أن الألعاب فى الماضى كانت تأخذ شكل التفاعل الجماعى ولكن مع تغيير نمط الحياة والتطور التكنولوجى السريع وظهور ألعاب الكمبيوتر وما شابهها تراجعت الألعاب الجماعية لصالح ادوات ووسائط خاصة تقول عنها شيرى تركل باحثة علم الاجتماع بمعهد ماسوشتيس التكنولوجى فى كتابها «عزلة جماعية» الذى رصدت فيه طرق تفاعل إنسان القرن الحادى والعشرين فى مختلف مراحله العمرية مع منتجات التكنولوجيا الحديثة «اغلب الظن انك تمتلك سمارت موبايل لديك صفحة على الفيس بوك و تويتر والمؤكد انك كثيرا ما تضبط نفسك متلبسا بتجاهل صديق أو قريب يجلس معك فى نفس الغرفة لأنك منهمك تماما فى الحملقة فى شاشة «السمارت فون».. هذه التكنولوجيا الحديثة التى تمنحك شعورا أنك لست وحيدا وتطرد عنك الملل وتجعلك تتواصل مع أناس تفصلك عنهم بحار ومحيطات، تحرمك متعة التأمل فى خلوتك والتواصل مع ذاتك ومع أقرب الناس». ورغم أن الكثير من الدراسات التى تناولت تأثير ألعاب وبرامج الكمبيوتر والانترنت اشارت إلى ايجابياتها من حيث اكتساب مهارات جديدة وإقامة علاقات مع الآخرين، والتعامل مع الواقع الافتراضى والقدرة على التخيل، والبحث عن المعلومات والحصول عليها فى وقت قصير، بالإضافة إلى تطوير قدرة الأطفال والمراهقين على التعبير عن مشاعرهم من خلال ألكتابة واستحداث تعبيرات ونحت مصطلحات جديدة،إلا أن بعض منها رصد فى المقابل الكثير من السلبيات الناجمة عن إدمانها. فألعاب الكمبيوتر الأكثر انتشارا تعتمد على صور ورموز ودلالات تنتمى لثقافات مغايرة غالبا ما تكون مُحملة بقيم أو معلومات وأراء غير ملائمة للثقافات المحلية من قبيل العنف والفردية والتمييز وإعلاء شأن السلوكيات الاستهلاكية أو المستهجن مثل ألعاب «الشغب فى المدرسة» التى يتحقق الفوز فيها بممارسة الطالب لكل أنواع الشغب فى فصول وساحات المدارس بما فيها التحرش بمعلمين يبدون فى صور مزرية!!. وتتبلور العلاقة بين أشكال اللعب والقيم الثقافية فى دراستى د.ايمان مهران «الالعاب الشعبية والهوية الكونية» ودراسة فاديا حطيط «اللعب والتنشئة الاجتماعية» إذ تتفق الباحثتان أن الدمية باربى التى غزت الأسواق تعكس ثقافة استهلاكية تلخصها فاديا بقولها «إنها شخصية استهلاكية بامتياز ونموذج يكرس مفهوم الأنثى/ النجمة التى تنحصر اهتماماتها بتغذية نرجسيتها المظهرية. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات سناء صليحة