أمريكا..وما أدراك ما أمريكا! فكما أن شعبها من كل جنس ولون, تختلف طباعه وعاداته تقاليده ومطالبه من منطقه لأخري, ولذلك من الطبيعي أن تجد ساسته أيضا يتلونون مثل' الحرباء', ويبرعون في ارتداء الأقنعة المزيفة التي يخفون من ورائها حقائقهم. ينطبق هذا بالطبع علي هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية المحتملة التي اضطرت طوال الأيام الماضية إلي ارتداء قناع من نوع غريب وفج, لكسب أصوات ناخبيها في ولاية نيفادا التي تشهد خلال الساعات الحالية الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي, ولهذا, وجدناها تظهر وسط عاملات النظافة وموظفي المطاعم ومديري صالات القمار وغيرهم من صغار موظفي فنادق مدينة لاس فيجاس, لكي تستقطبهمحتي يصوتوا لها في المرحلة الثالثة من الانتخابات التمهيدية الرئاسية. وبالفعل, نجحت طريقة كلينتون في استقطاب هذه الطبقة التي تشكل أغلبية أصوات هذه الولاية, فقد تعاطفت الكثير من الفتيات والسيدات العاملات في الملاهي الليلية وصالات القمار معها, بل وأطلقت بائعات الهوي اللواتي يمارسن نشاطهن في مدينة الترفيه واللهو بولاية نيفادا حملة صاخبة لانتخاب امرأة كأول رئيسة في تاريخ البلاد تحت شعار' نحن نساعد هيلاري ونساعد أنفسنا, يجب علي النساء أن تساعد النساء الأخريات أليس كذلك'؟! والأمر ليس هزليا, بل جاد تماما, فهذه الفئة من الفتيات تأمل في أن تنجح كلينتون في حل العديد منالمشاكل التي طالما عانين منها مثل العنف الأسري واحترام حقوق العاملين في مجال اللهو والترفيه, وكذلك في السيطرة علي تجارة السلاح, هذا بالإضافة إلي أن انتخاب كلينتون سوف يضمن لهن الإبقاء علي نظام' أوباما كير' والذي وفر لهم الرعاية الصحية التي طالما حلموا بها. وما فعلته كلينتون قد يساعدها بالفعل علي الفوز في هذه الولاية بسهولة, حتي وإن كان تصرفها هذا مثيرا للجدل في مناطق انتخابية أخري, فمدينة لاس فيجاس تمثل73% من إجمالي عدد سكان ولاية نيفادا, وينقسم سكانها ما بين البيض, فيما النصف الآخر منحدرون من أمريكا الجنوبية وسود ومن أصول آسيوية, ومنذ عام2008, اهتم الحزب الديمقراطي بنيفادا, ومنحها مكانة خاصة في برنامج الانتخابات التمهيدية بسبب صعوبةاحتواء وضعها الديموجرافي. ولهذا السبب, يوجد في الولاية الآن تأييد قوي للمرشحين الديمقراطيين هناك, بسببتوجهاتهم التي تتبني مشاكل السكان في هذه المنطقة, وخصوصا فيما يخص قوانين الحصول علي الجنسية, وهو عكس ما يفعل الجمهوريون, والذين يميل التيار المحافظ فيهم إلي عدم الاهتمام ببعض فئات الأقليات, بمن فيهم الفئة التي حصرت كلينتون علي كسب أصواتهم. وتتمتع كلينتون بميزة نسبية علي المرشح الديمقراطي السيناتور بيرني ساندرز أقوي منافسيها, بسبب الدعم الذي تحظي به بين الأقليات, إلا أن الفوز المدوي لساندرز في الانتخابات التمهيدية لولاية نيوهامشر يعطيه الكثير من الزخم الذي يمكن أن يغير هذا الوضع, ولكن ذلك لم يمنع ساندرز من استخدام نفس أسلوب منافسته في حملاته الانتخابية في العديد من الولايات الأخري لحشد السود حوله, وكان أكبر دليل علي ذلك أن حي هارلم في مدينة نيويورك- والذي يسكنه عدد كبير من السود- كان المحطة الأولي لساندرز بعد مغادرته لنيوهامشر, مع أنه أبيض البشرة, وذلك لأنه يدرك أن أصوات الأمريكيين السود واللاتينيين ستلعب دورا حاسما في التنافس الانتخابي في الولايات الجنوبية والغربية, وتقربه منهم سوف يداوي مشاكل العنصرية التي يتعرضون لها يوميا, والتي تعد واحدة من النقاط السوداء في ولاية أوباما الثانية, وبخاصة بعد أحداث ميزوري وبالتيمور. .. لكل ولاية أمريكية اللغة الخاصة بها, وكلينتون تعرف جيدا كيف تفوز بثقة الكتلة التصويتية الأكبر في نيفادا, ولا تري فيما فعلته عيبا, وإذا كان هذا هو ما فعلته في ولاية واحدة, فإن منافسها دونالد ترامب بتصريحاته المثيرة للجدل ضد المهاجرين يسلك النهج نفسه للفوز بثقة الكتلة التصويتية الأكبر علي المستوي الأمريكي بشكل عام, وقد يفلح نهجه في النهاية, كما سيحدث مع كلينتون في نيفادا!