لعل أهم ما سيذكر للدكتور بطرس بطرس غالى أنه نشر تقرير مذبحة قانا التى ارتكبتها إسرائيل فى لبنان ضد اللاجئين الفلسطينيين و هو أمين عام للأمم المتحدة ضد رغبة الإدارة الأمريكية التى كانت ترغب فى طى التقرير فى الأدراج و ينسي. و لعل عظمة هذا القرار أنه جاء فى النصف الأول من سنة التجديد له 1996 لولاية ثانية كأمين عام للأمم المتحدة، ورغم ذلك، ورغم ما هو متوقع من حرب ضروس من الإدارة الأمريكية ضده إلا أنه مضى و أعلن المصداقية والأمانة فى شخصه، وفى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وأن المنصب أكبر من أن يكون خادما لرغبات دولة عظمى أو دولة متغطرسة فى منطقة الشرق الأوسط. ولعل أيضاً ما يثلج صدر المصريين، وبصفة خاصة بين محبى وتلاميذ دكتور بطرس بطرس غالى وقفة مجلس الأمن امس الأول حدادا على رحيله. لقد دفع دكتور غالي ثمن موقفه الشجاع فى بث تقرير مذبحة قانا حين رفعت الولاياتالمتحدةالامريكية يدها مصوتة بحق الفيتو فى عدم إعادة انتخابه فى 1996 لكننا بعد 30 عاما قام مجلس الأمن بالوقوف حدادا عليه. صورة أبلغ من اى كلام. شرفت بالعمل مع دكتور بطرس بطرس غالي وهو أمين عام للأمم المتحدة من عام 1993 الى نهاية 1996، وكانت بصمات دكتور غالي الأكاديمية او التوليفة الأكاديمية المهنية تسيطر على جانب من إسهاماته فى الأممالمتحدة. وكما ساهم فى وزارة الخارجية المصرية بإصدار الكتب البيضاء عن أهم القضايا المصيرية قام فى الأممالمتحدة بإصدار الكتب الزرقاء وأهمها أجندة للسلام وأجندة للتنمية. و كان مهتما بانتشار هذه الإصدارات، وكلفنى من خلال مركز إعلام الأممالمتحدة بالعمل على انتشارها. واهتم دكتور غالى كثيرا بالعالم العربي، وقرر إنشاء وظيفة المنسق الإعلامى للأمم المتحدة فى منطقة الخليج العربى ويدار المنصب من القاهرة. ووصل صوت الأممالمتحدة فى ذاك الوقت إلى الغالبية العظمى فى منطقة الخليج العربى من خلال انتشار مكثف لرسائل الاممالمتحدة حيث نشرت كبريات الصحف الخليجية من الكويت إلى عمان، ومن الرياض إلى الإمارات، ومن قطر إلى البحرين مقالات للدكتور غالي. كما علا صوت الأممالمتحدة من خلال محطات التليفزيون والإذاعة. ولا أنسى عندما عينه الرئيس السادات وزيرا للدولة للشئون الخارجية، وكنت بالمطار فى استقباله، و لم يكن يعرف الخبر بعد، فدخلت إليه مهنئة بتعيينه، وهو قد ذكر هذا فى أحد كتبه. ورغم تواضعه الشديد كان معاونوه دائما فى حالة استنفار، ونعمل ليل نهار، عندما يكون فى زيارة مصر. وكانت أقرب الناس إليه فى الفريق مستشارة الرئيس السيسى للأمن القومى السفيرة فايزة أبو النجا، التى كانت تعمل فى ذاك الوقت كمساعد للأمين العام للأمم المتحدة. وكنا- أحمد فوزي، (وهو حاليا مدير الإعلام بالأممالمتحدة بجنيف ويظل برنامجه الشهير الشارع الغربى فى وجدان الأجيال) وأنا- نعمل سويا من أجل إعلام قوى فى المنطقة العربية وفى منطقة الخليج العربى بصفة خاصة. من بين المؤتمرات الكبيرة التى شهدتها القاهرة مؤتمر للأمم المتحدة للسكان، وكنا فرقة كخلية النحل لا نتوقف عن العمل إلا بعد منتصف الليل. وكان الدكتور بطرس بطرس غالى شديد التواضع يتعامل معنا- نحن العاملين بالأممالمتحدة- كفريق عمل وليس كرئيس أكبر مؤسسة فى العالم أجمع. وفى المقابل كنا نتفانى لخدمته كونه أول أمين عام للأمم المتحدة مصريا وعربيا وإفريقيا. ومن بين إسهامات فريق الدكتور بطرس بطرس غالى فى نيويورك أنهم غيروا مسمى المنصب الدولى من سكرتير عام الأممالمتحدة إلى أمين عام المنظمة الدولية، وهو الأمر السائد حتى الآن حين نتحدث عن منصب أكبر الموظفين الدوليين بالأممالمتحدة. وكان فريقه يطلق عليه بيير بيير غالى نسبة إلى ما ينتمى إليه من حب للحضارة الفرنسية وتعلمه فى فرنسا وللغته الفرنسية الرائعة. كنا فى الكواليس نقول بيير طلب بيير عايز كذا وكذا.... ومعروف أيضا أن الدكتور غالى كان عضوا ورئيساً للجان قانونية دولية فى لاهاى وجنيف. كما ترأس منظمة الفرانكوفونية بعد ولايته الأولى فى الأممالمتحدة. وكنا فى الأهرام- قبل أن يتولى المنصب الوزارى أو امانة الاممالمتحدة- ننظر إليه بإجلال، وشرفت فى ذاك الوقت بعمل بعض الموضوعات للأهرام الاقتصادى حين كان رئيساً لتحرير المجلة.. وكان يركب وقتها فيات 128وكانت فى ذاك الوقت من أفخم السيارات، ومرة بعد نشر مقال لى بالأهرام الاقتصادى حيانى أمام الاهرام من سيارته. ومن بين ذكرياتى الجميلة أنه خص الأهرام وخصنى بأحاديث صحفية وقت أن كنت مندوبة للأهرام بوزارة الخارجية. وسيظل بالنسبة لى أستاذا كبيرا تتلمذت معه على فنون العمل والعلم معا. العزاء في دكتور بطرس بطرس غالى لمصر وللأمة العربية والقارة الافريقية التى أحبها غالى حتى النخاع، وإلى أسرته الكريمة وزوجته السيدة الفاضلة والعزيزة ليا. رحم الله دكتور بطرس بطرس غالى وأدخله المولى الكريم فسيح جناته.