بهدوء رحل المستشار حامد عبدالدايم رئيس محكمة الاستئناف السابق ورئيس جمعية المساعى المشكورة السابق، ثم رئيسها الشرفى عن عمر يناهز التسعين عاما بعد أن تفانى فى خدمة تلك الجمعية الأهلية العريقة على مدى أكثر من عقدين، ليبعث فيها من جديد حيويتها ونهضتها ودورها الرائد فى خدمة التعليم، وريادتها فى العمل الأهلى الذى كان قد سلب منها بسبب مفاهيم مغلوطة ومغرضة. لقد وضع المستشار عبدالدايم تقليدا سوف أتذكره دائما، وهو الاحتفال ب «يوم الوفاء والجزاء» على مدى تسعة عشر عاما، كان آخرها عام 2013 من أجل تكريم المؤسسين والرؤساء الأوائل للمساعى المشكورة، والأعلام من أبناء المنوفية، وطلائع الخريجين فى الكليات المختلفة من الجامعة، وأصحاب الملكات والأيادى البيضاء. كان يعقد الاحتفال السنوى دوما بقاعة احتفالات الجامعة بشبين الكوم، ليعقبه غداء بدعوة من المحافظ، لينهى اليوم بزيارة لمقر الجمعية الجديد الذى شيد عام 1996 على مساحة 2000متر مربع، اعترافا بدور الأسلاف الأوائل الذين أوقفوا أملاكهم، وكرثوا جهودهم من أجل نشر التعليم فى ربوع المحافظة. كان دائما يشيد بدور جمعية «المساعى» ورسالتها التنويرية والحضارية، وإلحاقها بالعصر والعولمة فى مدينة كفر المصيلحة التى أطلق عليها اسم «كفر باريس»، لأن عبدالعزيز باشا فهمى قاضى القضاة قضى نهائيا على الأمية فى مسقط رأسه، وتقلد رئاسة مجلس إدارة «المساعى» عام 1923. لقد نجح الراحل الكريم المستشار عبدالدايم فى رفع شعار للجمعية اتخذتها كمجال رئيسى من مجالات نشاطها، وهو «اكفل طالبا فى الجامعة وارعى صبيا فى الكتاب»، ونجح فى رصد نصف مليون جنيه من ميزانية الجمعية لحساب المشروع، و75 ألف جنيه لرعاية وتشجيع حفظة القرآن من تلاميذ مدارس المنوفية. لقد قام المستشار عبدالدايم بتوثيق تاريخ «المساعى» بجدارة من خلال الكتيبات التى كانت تصدر بمناسبة «يوم الوفاء والجزاء» على مدى عقدين، وخطبه المؤثرة، وتواصله مع الإعلام، ومع أحفاد المؤسسين. فهذه الجمعية هى أم الجمعيات الإقليمية فى مصر، وأسسها كبار ملاك الأراضى الزراعية عام 1882، حيث اكتتبوا فى شراء ألف فدان سنة 1920 تم وقفها على الجمعية لمساندتها من أجل خدمة التعليم فى ربوع المنوفية. كما انها انفردت بتحمل هذه المسئولية الكبرى خمسين عاما قبل أن تفتح الحكومة مدارسها الرسمية، ثم أنشأت مدرسة ابتدائية بشبين الكوم 1899، فكانت المدرسة الثانية للبنات فى مصر بعد مدرسة السنية التى أنشأها الخديو إسماعيل، وفى عيدها المئوى 1993 تم تخصيص أرض من أملاك الدولة بلغت قيمتها أيامها 30 مليون جنيه للجمعية التى أقامت عليها مقرها، ولقد شرح لى المستشار قبل رحيله أن الجمعية تسهم فى تنفيذ خطط بشأن بناء المدارس الجديدة فى المواقع التى لا تتوافر بها أرض مناسبة من أملاك الدولة للبناء عليها. لقد حرص المستشار عبدالدايم على الترويج لتاريخ الجمعية العريقة فى مختلف المؤتمرات بمصر، وعلى مستوى العالم العربى. كان المستشار عبدالدايم يعطى دائما للتاريخ حقه، وفى حديث أجريته معه شرح لى كيف أن «المساعى» كان لها هدف اجتماعى كبير متجرد من المصلحة الذاتية، لأن أثرياء المنوفية لم يكونوا فى حاجة إلى مدارس لتعليم أبنائهم بهذه المحافظة، لأن أكثرهم كانوا مقيمين فى القاهرة أو الإسكندرية، حيث توجد المدارس «إذن من الظلم أن أصف أثرياء المنوفية وأعيانها بأنهم كانوا إقطاعيين.. لأن الإقطاعى هو الذى يريد أن يظل الناس على حالهم، ولا يسعى لنشر العلم»، مشيرا إلى أن اسم الجمعية مستوحى من القرآن «إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا». ومن إنجازات المستشار عبدالدايم استرداد الجمعية لربع أطيانها الموقوفة من وزارة الأوقاف، وتبلغ ألف فدان، واستردادها لأملاك أخرى مغتصبة بلغت عشرين مليونا من الجنيهات من خلال القضاء. لقد تحمل الرجل النزيه المسئولية التنويرية باقتدار، وبكل عيون واعية، وأصابع حانية، ويجب أن يسير أبناء المنوفية جميعهم على دربه، ولقد أثبت الاحتفال العشرين للوفاء والجزاء الأحد قبل الماضى برئاسة د. صفوت النحاس إن رسالة تلك الجمعية العريقة مستمرة وسوف تتوج عقب إعلان رئيسها الجديد تعبئة الجهود لإنشاء جامعة للمساعى المشكورة.. وليوفقه الله فى ذلك المشروع الطموح... لمزيد من مقالات عائشة عبد الغفار