لا يمكن أن تدخل الجناح الرئيسى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته السابعة والأربعين، وتتجول بين الأجنحة الرسمية للدول المشاركة دون أن تلفت نظرك تلك الوجوه السمراء الباسمة التى تمثل البلدان الإفريقية المشاركة فى المعرض، فما بين مسئول يشرح للجمهور تاريخ بلاده، وزائر يبحث بشغف عن كتاب لم يصدق أنه سيتمكن من الحصول عليه فى القاهرة، وناشر أتى إلى مصر ليروج لثقافة بلاده، ومبدع أتى للاطلاع على آخر منجزات الثقافة المصرية، بين هذا وذاك تجتمع العقول والقلوب على هدف واحد، ألا وهو التواصل الثقافى مع مصر، الأخت الكبرى لكل دول القارة. وبالرغم من “رمزية” المشاركة الرسمية لدول القارة الإفريقية التى لها وجود فى المعرض، واقتصار أغلب المشاركات على الكتب وبرامج الكمبيوتر التعريفية التى تهدف إلى تعريف جمهور المعرض بالدول المشاركة وتاريخها وحضارتها ومجالات تميزها، فإن هذه المشاركة تعد بذرة لثمرة اجتمعت الآراء على العمل على إنضاجها خلال السنوات القادمة بزيادة التبادل الثقافى بين مصر ودول القارة. ويصف د. هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب المشاركة الإفريقية فى دورة هذا العام من المعرض بأنها متميزة جداً، ومتنوعة إلى حد كبير، وأنها تأتى فى ظل الاتجاه المصرى نحو العمق الإفريقى وتدعيمه وتقويته. وأضاف أن ترحيب مصر بالمشاركة الإفريقية جعل الكاميرون تطلب المشاركة فى فعاليات المعرض بعد افتتاحه بثلاثة أيام, وهو أمر يحدث لأول مرة، كما حرص وزير الثقافة بالكاميرون على أن يفتتح الجناح الكاميرونى بنفسه، وأن يُهدى بعض كتبه لوزير الثقافة المصري. وقال الحاج على: إن هذا الحرص الإفريقى على التواجد بالمعرض يدل على حرص مصر أيضا على التواجد فى المشهد الأفريقي، وأشار إلى أن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحاول دعم هذا التوجه عن طريق اتفاقيات النشر المشترك وتبادل الترجمات، وهو ما سيحدث مع كل الدول الإفريقية المشاركة بالمعرض، موضحا أن نائب رئيس اتحاد الكتاب بالصومال, الذى مثَّل الجناح الصومالى هذا العام, قرر إهداء مجموعة الكتب الصومالية الموجودة بالمعرض إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث سيكون ذلك إيذاناً ببدء مجموعة من الفعاليات بالاشتراك مع الهيئة على مدار العام. الصومال عندما يدخل الزائر الجناح الصومالى سيفاجأ بأن الكتب المطبوعة باللغة العربية فيه تنافس الكتب المؤلفة باللغة الصومالية، مما يؤكد استعداد القائمين على الجناح لاستقبال القارئ العربي، وتأتى فى الصدارة الكتب التى تُعَرِّف الزائر بالصومال, خاصة من حيث التاريخ والموقع الجغرافى وآثاره الاقتصادية، ثم تأتى بعد ذلك الكتب الأدبية، كذلك استعد الجناح بجهاز كمبيوتر مُحمَّل بالأفلام والصور التى تُقدم الصومال لزوار الجناح، وهو ما ساهم فى زيادة الإقبال على الجناح. يقول عبد الله الشيخ سعيد مساعد مستشار وزير الثقافة الصومالى (المسئول عن جناح الصومال بالمعرض): هذه هى المشاركة الثانية للصومال فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث نشارك بمجموعة من الكتب المطبوعة باللغة الصومالية، وهى كتب يقبل على شرائها الصوماليون المقيمون فى القاهرة، وكتب أخرى مكتوبة باللغة العربية، بعضها كتبها مؤلفون مصريون يعيشون فى الصومال، والبعض الآخر من تأليف كُتَّاب صوماليين وتمت ترجمتها للغة العربية. وأضاف: من أبرز الكتب التى يضمها الجناح الصومالى رواية “أجوران عين إفريقيا” للروائية الصومالية زهرة مرسل، وأجوران سلطنة مشهورة كانت ضمن الصومال فى القرن الخامس عشر، وهذه الرواية كتبتها المؤلفة باللغة العربية، وهناك رواية أخرى لنفس المؤلفة اسمها “خادمة”, لكنها كانت مؤلفة باللغة الصومالية، ثم تُرجمت للغة العربية، وهى من أشهر الروايات الصومالية. ويبدى عبد الله الشيخ سعيد سعادته بالإقبال على الجناح الصومالى فى المعرض، مشيرا إلى أن الإقبال يتعدى الصوماليين المقيمين فى القاهرة إلى القراء المصريين والعرب أيضا، وقال إن الجناح الصومالى استعد لذلك بإعداد مجموعة من أفلام الكمبيوتر التى تُعرِّف الزائر بالصومال وتاريخها وثقافتها وتقاليد شعبها، حيث يقوم بنفسه بشرحها لزوار الجناح من غير الصوماليين، وأضاف: أنا هنا سفير للثقافة الصومالية فى المعرض، ودورى الأول هو تعريف ثقافة بلدى للناس. إريتريا وإلى جوار الجناح الصومالى يقع جناح دولة إريتريا، ويقتصر الجناح على الكتب التعريفية التى تُقدم معلومات كاملة عن دولة إريتريا لزوار الجناح، هذا إلى جانب وثيقة تعريفية أصدرتها سفارة إريتريا فى القاهرة بعنوان “إريتريا فى سطور” ويوزعها الجناح على الزائرين، وتقدم الوثيقة معلومات عن الموقع الجغرافى لإريتريا ومساحتها ومناخها وأقاليمها وسكانها وديانتهم ونمط حياتهم، والموارد الطبيعية للبلاد من زراعة ومصادر مياه ومعادن وثروة حيوانية وسمكية، أما أبرز ما تقدمه الوثيقة فهو ملخص كامل لتاريخ دولة إريتريا من الاحتلالات المتعاقبة إلى التحرر الكامل. وبالإضافة إلى ذلك تقف إحدى موظفات السفارة الإريترية بالقاهرة لتشرح بكل براعة تاريخ إريتريا للزوار، ومن أبرز الصور التى تعرضها صور لمسجد “الصحابة” فى ميناء مصوع المطل على البحر الأحمر، حيث تظهر رنة الفخر واضحة فى صوتها وهى تخبر الزائرين بأنه أول مسجد بنى فى صدر الإسلام. ويقول عبد الرحمن السيد: “أنا من أبناء إريتريا المهاجرين، وأزور مصر حالياً، وكانت فرصة طيبة أن أزور هذا المعرض لأول مرة, للاطلاع على الحضارة والثقافة المصرية وأيضا على الكتب العربية”، وأثنى السيد على مستوى الكتب، مشيراً إلى أنه وجد الكثير من الكتب القيمة التى كان يبحث عنها، وأبدى سعادة كبيرة بمشاركة بلاده فى المعرض، قائلاً إنه سعيد بوجود جناح لإريتريا بالرغم من أنه جناح رمزى فقط. وأضاف السيد أنه كان يعتقد أن معرض القاهرة للدول العربية فقط، لكنه وجده معرضاً عالمياً يتميز بالتنوع الجغرافي، حيث قابل فيه جمهوراً من دول عديدة مثل بريطانيا وباراجواى وغيرهما من الدول، فهو فى رأيه معرض دولى بكل ما تعنيه الكلمة. السودان وتتميز مشاركة السودان عن كل المشاركات الإفريقية بالمعرض، حيث تتميز إلى جانب التمثيل الرسمى (جناح وزارة الثقافة) بمشاركة أربع دور نشر سودانية كبرى غير حكومية تعرض كتبها للبيع بالمعرض. وفى الجناح الرسمى كان اللقاء مع تيجانى محمد إبراهيم مندوب وزارة الثقافة السودانية بالمعرض، الذى وصفه بأنه معرض ثقافى واجتماعي, حيث يلتقى فيه المثقفون من دول شتي, وهى فرصة لتعريفهم بالسودان وبالثقافة السودانية، وأضاف: كنا حريصين جدا على المشاركة فى هذا المعرض لإبراز الجانب الثقافى والفنى السوداني، وقال إن جناح السودان يشهد إقبالاً من الزائرين المصريين الذين يريدون التعرف على تاريخ السودان وثقافتها. وأشار إلى أن المشاركة السودانية تنقسم إلى شقين: الأول يتمثل فى جناح وزارة الثقافة السودانية بالقاعة الرئيسية، والثانى تمثله دور النشر السودانية التى أقامت أجنحتها فى جناح “ألمانيا ب”, حيث تعرض كتبا ثقافية واجتماعية وأدبية قيمة، وأوضح أن المسئولين السودانيين حرصوا على أن يعرض الجناح الرسمى كتباً فى مجالات متعددة لتعبر عن الثقافة السودانية. وفى الجناح الخاص بإحدى دور النشر السودانية كان اللقاء مع نور الهدى محمد صاحب دار عزة للنشر، الذى أشار إلى أنه يشارك فى المعرض بصفة دائمة منذ عام 1983 وحتى الآن، حيث كان أول ناشر سودانى يشارك فى المعرض باسم جامعة الخرطوم، ثم بدأ المشاركة فى عام 2002 باسم دار عزة للنشر. وقال إن جناح دار “عزة” يشهد إقبالا كبيرا من أبناء الجالية السودانية بالقاهرة، ومن المثقفين المصريين الراغبين فى التعرف على الثقافة السودانية، حيث يقبلون على كتب التاريخ والكتب التى تتحدث عن القضايا الساخنة فى السودان، مثل دارفور وجنوب السودان، كما تحظى الروايات السودانية باهتمام خاص من جمهور المعرض, خاصة الروايات التى نالت جوائز. ويقول المترجم والاقتصادى السودانى عبد المنعم عثمان: أشارك فى المعرض بصفتى قارئا ومؤلفا فى الوقت نفسه، حيث لى هنا كتابان, الأول من تأليفى وهو بعنوان “الدين والجماعات والوحدة”، والثانى من ترجمتى وتعليقى بعنوان “هل الدول الإسلامية إسلامية؟”. الكاميرون يمكن أن يُقال إن جناح دولة الكاميرون هو الظاهرة العجيبة بالفعل فى معرض الكتاب، فالجناح افتتح بعد الموعد الرسمى للمعرض، ويضم عدداً قليلاً جداً من الكتب المطبوعة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، والمشرفة على الجناح لا تجيد اللغة العربية على الإطلاق, مما يجعل التعامل مع الجناح صعباً بالنسبة للغالبية العظمى من جمهور المعرض، وبالرغم من ذلك فإن الإقبال على الجناح الكاميرونى هو الأكبر بالنسبة للأجنحة الرسمية للدول الإفريقية بالدور الأول للقاعة الرئيسية، فلا تكاد تمر دقيقة واحدة إلا وتجد زائرين مصريين يدخلون إلى الجناح، يتفحصون كتبه، ويتبادلون حديثاً باسماً (أحيانا يكون معظمه بالإشارات) مع المشرفة، وبعضهم يلتقط معها الصور، ثم يرحلون وسرعان ما يأتى غيرهم ليفعل نفس الشئ. وقد أبدت “آن باني” المشرفة على الجناح الكاميرونى بالمعرض دهشتها من هذا الإقبال قائلة: كنت أعتقد أن الجمهور العربى لن يزور الجناح, لأن كل الكتب لدينا مطبوعة إما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، بينما يحتاج الزائرون لكتب مطبوعة باللغة العربية، ولسوء الحظ فإنه ليس لدينا كتب مكتوبة بالعربية أو حتى مترجمة إلى العربية، وهذه مشكلة حقيقية نواجهها فى مشاركتنا بالمعرض، وبالرغم من ذلك فإنى فى غاية الدهشة لهذا الإقبال العجيب، فدائماً يأتى إلينا الجمهور المصرى ويسأل عن الكتب العربية. إثيوبيا وفى الدور الثانى للقاعة الرئيسية, وبجوار المخيمات التى تستضيف الندوات والفعاليات الثقافية المختلفة، أقيم الجناح الإثيوبى بالمعرض. واللافت للنظر أن الجناح لا يعتمد على عرض الكتب، وإنما يعرض لوحات للآثار والحضارة الإثيوبية. ويقول “أيالينيه مولاتو”, نائب رئيس جمعية الكُتَّاب الإثيوبيين, إن المشاركة الإثيويبة فى هذه الدورة رمزية، وإن اللوحات المعروضة تظهر قدم وعمق الحضارة الإثيوبية، حيث إنها تمثل مخطوطات قديمة جدا تعبر عن أصالة الشعب الإثيوبي. وأضاف أن تبادل المشاركة فى معارض الكتاب والفعاليات الثقافية يقوى العلاقات بين الدول، وأن عدم وجود علاقات ثقافية بين الدول هو الذى يسبب المشاكل بين الشعوب والحكومات المختلفة، لافتاً إلى أن مصر شاركت العام الماضى فى معرض الكتاب بإثيوبيا، وأن الإعلام الإثيوبى يهتم جدا بتغطية أخبار معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث إن وجود إعلام يعكس العلاقات الثقافية يشجع على زيادة وتقوية هذه العلاقات. وأوضح أن اللافت للنظر هو كثرة المصريين الذين يترددون على الجناح ويسألون عن “سد النهضة”.