من أين تأتى لجنة جائزة نوبل للسلام بهؤلاء المرشحين؟ وكيف تختار اللجنة من بينهم فائزا غالبا ما يكون بعيدا عن المعنى الحقيقى للسلام؟ هذا العام، كانت الطامة الكبرى بظهور اسم الملياردير الأمريكى والمرشح للرئاسة دونالد ترامب ضمن الترشيحات للجائزة، وهو الذى أثار عاصفة من الانتقادات ضده فى مختلف أنحاء العالم بعد التصريحات العنصرية التى أدلى بها ضد المسلمين بدعوته لمنعهم من دخول الولاياتالمتحدة، وهى التصريحات التى رفضها العالم كله إلى حد جعل البرلمان البريطانى يناقش منع دخوله هو نفسه إلى بريطانيا، فى حين اتهمت الإدارة الأمريكية ترامب "ضمنيا" بأنه يساعد على تعزيز قوة التنظيمات الإرهابية بعد استخدام جماعة الشباب الصومالية تصريحاته المناهضة للمسلمين فى فيديو دعائى لها لتجنيد مزيد من المقاتلين. والأسوأ من هذا كله أن ترامب رفض التراجع أو الاعتذار عن تصريحاته أو حتى الإعراب عن آسفه إزاء استخدامها من قبل جماعة إرهابية فى تجنيد مزيد من الإرهابيين. ويقول كريستيان برج هاربفيكن مدير معهد الأبحاث حول السلام فى أوسلو أن رسالة ترشيح ترامب لنوبل للسلام جاء فيها أن ترامب يستحق أن يكافأ لعقيدته المتشددة للسلام عبر القوة والتى استخدمها كسلاح ردع فى مواجهة الإسلام المتطرف وتنظيم داعش أو امتلاك إيران سلاحا نوويا والصين الشيوعية. والحقيقة أن تلك الرسالة مثيرة للشفقة أكثر منها للسخرية لما تحمله من تناقضات، فما علاقة السلام بالقوة؟ وهل استخدم ترامب بالفعل "عقيدته المتشددة للسلام" - كما يقولون - فى مواجهة إيران والصين مثلا؟ وهل واجه بعقيدته المتشددة للسلام تنظيم داعش الإرهابي؟ أم أنه بتصريحاته هذه أجج المشاعر المتطرفة لكل متشددى العالم؟ ومن ضمن المرشحين أيضا لنوبل للسلام لهذا العام إدوارد سنودن المتعاقد السابق لدى وكالة الأمن القومى الأمريكى والذى فجر ضجة كبرى عام 2013 بتسريباته التى كشفت حجم برنامج التنصت الذى تقوم به وكالة الأمن القومى الأمريكى على العالم أجمع. وسنودن من وجهة نظر واشنطن خائن لوطنه بعد تسريبه أحد أهم أسراره، ووجهت الإدارة الأمريكية له اتهامات تتعلق بالتجسس، وهو الآن فى روسيا بعد أن منحته موسكو حق اللجوء السياسي. سنودن الآن مرشح لأن يكون بطلا للسلام، حيث يقول مدير معهد أبحاث السلام إن العديد من الدول على رأسها الولاياتالمتحدة بدأت الآن فى إصلاح قوانينها لتقييد جمع المعلومات المخابراتية ومساندة حقوق الإنسان بعد تسريبات سنودن، مما يجعل من الصعب تصنيفه بعد الآن كخائن للوطن. وتوقع المراقبون أيضا أن يكون المفاوضان الأمريكى إيرنست مونيز والإيرانى على أكبر صالحى من بين المرشحين الأوفر حظا للحصول على نوبل للسلام لهذا العام نظرا لجهودهما التى أدت فى النهاية إلى توقيع الاتفاق النووى الإيراني. والعجيب أن إيران التى كانت قبل يوليو الماضى عدوة لأوروبا وأمريكا و"المجتمع الدولي" أصبحت الآن صديقة، وتفرش لها الدول الأوروبية البساط الأحمر لاستقبال الرئيس الإيرانى والوفود الإيرانية لعقد أكبر الصفقات الاقتصادية بمليارات الدولارات، وتغطى لها إيطاليا تماثيلها الآثرية العارية خوفا على خدش مشاعر الرئيس الإيراني، فحرية الفن والإبداع لا مكان لها اليوم فى ظل استضافة عملاق البترول العائد من عزلة دامت سنوات، وإيران عدوة الأمس أصبح أحد رجالها اليوم مرشحا لنوبل للسلام بعد توصله إلى اتفاق "تاريخي" مع الغرب يتضمن مصالح "مستترة" قد تجلب الوبال للشرق الأوسط .. فأى هرج سياسى ذلك الذى يعيش فيه العالم؟! ومن بين المرشحين أيضا سكان جزر يونانية قدموا العون للمهاجرين الذين يجازفون بحياتهم عبر المتوسط للوصول إلى أوروبا، ومرشح أيضا للجائزة طرفا عملية السلام الكولومبية : الرئيس خوان مانويل سانتوس وقائد "القوات المسلحة الثورية فى كولومبيا" المتمردة تيموليون خيمينيز، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والطبيب النسائى دينيس موكويجى الذى يعالج النساء ضحايا الاغتصاب فى شرق جمهورية الكونجو الديمقراطية، والأيزيدية نادية مراد التى تمكنت من الهرب بعد تعرضها للسبى من قبل تنظيم داعش الإرهابي. ولابد من الإشارة هنا إلى أن آلاف الأشخاص عبر العالم من بينهم برلمانيون ووزراء وحائزون سابقون على الجائزة وأساتذة جامعة، يمكنهم اقتراح ترشيحات للجائزة، لكن الترشيح وحده لا يعنى أن يتبناه معهد نوبل. وأخيرا، لا عجب فى ترشيح ترامب لنوبل للسلام، فتلك الجائزة سبق منحها سابقا للرئيس الأمريكى باراك أوباما بعد تسعة أشهر فقط من توليه منصبه عام 2009، وأيضا إلى زعيمة المعارضة فى ميانمار أونج سان سوتشى عام 1991، وأثبتت السنوات عدم أحقية الإثنين للجائزة، وبالأخص سان سوتشى بعد صمتها المريب إزاء المذابح التى ترتكب ضد المسلمين فى بلادها، والأمر نفسه ينطبق على الناشطة اليمنية توكل كرمان التى لم نسمع لها صوتا بعد الخراب الذى حل ببلادها، وكذلك رباعى الحوار التونسي، فى وقت ما زالت فيه تتعثر فى مطبات التوتر والإرهاب والأوضاع الاقتصادية الصعبة. إذن، علينا الانتظار إلى أكتوبر المقبل حتى نرى من استحق أن يصبح رمزا للسلام من وجهة نظر لجنة نوبل للسلام من بين هذه الأسماء التى ترددت، وبالتأكيد سيكون ترشيح أسماء أخرى غيرها هو الخيار الأنسب!