جاء ل(سقراط) الحكيم شخص يقول له بحماس شديد: هل تعرف ما سمعته عن أحد تلاميذك؟! فأجابه سقراط: قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختبارا بسيطا، وهو اختبار مصفاة المثلث.. سأله الرجل مندهشا: وما هو هذا الاختبار العجيب؟ أجابه سقراط: هو اختبار يجب أن نجريه قبل أن نتكلم. سنبدأ في تصفية ما سوف تقوله، أول مصفاة اسمها الحقيقة: هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة؟ قال الرجل: لا لست متأكدا، أنا سمعته من ).....)، فقاطعه سقراط قائلا: حسنا، إذن أنت لست واثقا إن كان الأمر صحيحا، فلننتقل إلى المصفاة الثانية وهى مصفاة الخير: هل ما ستقوله لي هو للخير؟ فأجاب لا بل على العكس.. أكمل سقراط: حسنا تريد أن تقول لي خبرا سيئا، حتى وإن لم تكن متأكدا من صحته؟ ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهى مصفاة الفائدة:هل ما ستقوله لي سيعود عليّ بالفائدة؟ أجاب الرجل في خجل: لا ليس له فائدة.. ختم سقراط الحديث بقوله: إذن ما دام ما تريد أن تقوله لست متأكدا من حقيقته، ولا هو للخير، وليس له فائدة، فلماذا تريديني أن أسمع؟! الكثير منّا لديه شغف لسماع أى شىء، المهم أن يشغل نفسه بالاستماع لأي شيء عن الآخرين.. وفلان عمل كذا، وفلان قال كذا، وسمعت فلان بيقول على فلان كذا، ويسعى البعض دائما إلى إشباع رغباته بنقل الأخبار أيا كانت، ولا ينظر إلى أن ما سمعه قد يكون كذبا يؤدى إلى مصيبة عند انتشارها بين الناس، وما أكثر الأكاذيب والأخبار والشائعات التى تُغرقنا بها وسائل الإعلام المختلفة كل يوم، والدعايات الموجهة لغرض ما.. لماذا لا نترك لأنفسنا مساحة ولو ضئيلة فى التفكير فيما نسمعه أو نراه أو نقرأه قبل أن نردده أو نشيعه بين الناس؟! وهل نستطيع تطبيق مصافي سقراط الثلاث على ما نسمعه؟ يستطيع المواطن البسيط التمييز بين الخبر والدعاية والشائعة، والتفريق بين الخبر الجيد والسيئ، والخبر التافه المغلف بشيء من الأهمية والخبر الحقيقى المهم، ويمكنه الصمود وسط بنية اجتماعية هاجسها الأساسي ملء العقول بتوافه الأمور والثرثرة في أحاديث فارغة، وتضييع الوقت والعمر في متابعة القنوات الفضائية وبرامجها المتنوعة ما بين توك شو وملهاة مشاهير الفن والمسابقات، التى تهدف إلى تحويل الإنسان إلى كائن سلبي لا أمل فيه مشتت بين الحقائق والأكاذيب، وفى هذه الحالات تكون الآلة الإعلامية هى الأداة الأساسية للهيمنة على المجتمع وهدفها الأهم هو السيطرة على العقول وتوجيهها. يقول الإمام الشافعى: "إذا حارَ أمرك في معنيين ولم تدرِ أيهما الصواب.. فخالِف هَوَاك فإن الهوَى يقود النفوسَ إلى ما يُعاب"، لماذا لا ننتهى عن هذا العيب الذى استفحش بيننا حتى أصبح السواد الأعظم من الناس شغلهم الشاغل ترديد ما سمعوه أو قرأوه؟ لماذا لا نتبع تعاليم السماء فى الديانات السماوية التى حرمت الكذب والنفاق ونقل الشائعات وترديدها؟! وما المانع أن نضع مصفاة سقراط معيارا لما يدور حولنا ونُخضعه لهذا المثلث الرائع؛ لتصفية العقل والقلب والضمير من شوائب ما يُثار فى السماوات المفتوحة وقنواتها الفضائية، التى حولت اهتمام الإنسان بحياته إلى الانشغال بغيره. [email protected] لمزيد من مقالات على جاد