ورث المصريون عن أجدادهم (الفراعنة) عادة سيئة وهى عبادة الحاكم أو الرئيس، سواء كان رئيس شركة، أو مؤسسة، أو رئيس دولة مادام كان فى موقعه ومنصبه، ثم انتقاده والسخرية منه ومن قراراته وأعماله التى كانت موضع إشادة ونفاق فى حياته بعد رحيله أو وفاته، حتى صار المثل الشعبى يقول مات كلب العمدة فذهبت البلدة عن بكرة أبيها للعزاء، وعندما مات العمدة خلا السرادق من المعزين إلا أهله!. وهكذا نحن مازلنا على هذه الحال حتى يومنا هذا، نعشق تأليه الحاكم فى حياته، ونرجمه بالجمرات بعد مماته. والآن ثمة حملة إعلامية يطلق عليها البعض مراجعة تراثنا أو إعادة النظر فى رموزنا السياسية والدينية، والهدف كما يبدو لى هو تدمير تاريخنا الوطني، وإظهار رموزنا السياسية الدينية على أنهم لم يكونوا إلا مجموعة من الخونة، والجواسيس الذين عملوا لحساب دول ومنظمات أجنبية وماسونية. وهكذا فقد اكتشف مفجرو هذه الحملة المثيرة للريبة، أن الإمام محمد عبده والكواكبى كانا يعملان لحساب الماسونية العالمية، ويحصلان على أموال من جهات أجنبية!، وأن الزعيمين الوطنيين محمد فريد ومصطفى كامل لم يكونا إلا عميلين يمولهما السلطان العثمانى وفرنسا نكاية فى الاحتلال الإنجليزى!! بل إن الزعيم الوطنى أحمد عرابى لم يكن زعيما، ولم يكن وطنيا، بل عميل ممول من السلطان العثماني، وأن ما قام به لم يكن ثورة ضد الخديو والحكم الفاسد فى مصر، وإنما «هوجة» هدفها إثارة الفوضى والبلبلة فى بر مصر المستقر المطمئن الغارق فى النعيم والعدل!! ولم تسلم أسماء مثل طه حسين.. أحد أهم رواد التنوير.. من اتهامات بالعمالة لفرنسا بهدف تدمير الأزهر الشريف، وعبدالله النديم (خطيب الثورة العرابية)، وامتدت حتى الزعيم الوطنى جمال عبدالناصر، الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاده. ولكن الأخطر من ذلك أن الحملة المسعورة الحالية أنها تستهدف الأزهر بشكل أساسي، بهدف تدميره كمؤسسة عالمية تحظى باحترام المسلمين وغير المسلمين. ونحن لا نرفض تناول أى شخصية تاريخية أو دينية بالنقد العلمى المبنى على معلومات وأسس، وليس على هلفتة إعلامية من جهلة بالدين والسياسة معا، فليس كل من قرأ مقالتين أو كتابين فى الدين أو السياسة يزعم أن من حقه الفتوى! نعم.. ارتكب هؤلاء الزعماء بما أنهم بشر أخطاء وربما خطايا، فعرابى وناصر وطه حسين والنديم ومصطفى كامل والكواكبى ليسوا ملائكة، ومن حقنا أن ننتقد أعمالهم وقراراتهم حتى تكون دروسا وعبرا لنا فى المستقبل، نتجنب السلبي، ونستفيد من الإيجابي، ولا يكون هدفنا محو تاريخ هؤلاء وتدميرهم من خلال اتهامات يحتاج إثباتها إلى عقود من العمل البحثى الممنهج! لمزيد من مقالات منصور أبو العزم