أنبأت الوقفات الاحتجاجية والإضرابات المتوالية التي قادها العمال والعاملات في عدد هائل من الوحدات الصناعية المصرية خلال السنوات القليلة التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 عن شيء جديد يولد في مصر. فلم تكن الوقفات ولا الإضرابات مجرد تحركات مطلبية بحتة وإنما كان لها مذاقها السياسي والاقتصادي المختلف عن تلك الوقفات المطلبية التقليدية. نأخذ إضراب عمال المحلة الذي استمر قرابة الثلاثة شهور. في هذا الإضراب تقدم العمال والعاملات بمطالبهم الاقتصادية ومعها مجموعة أخري من المطالب خاصة بتجديد الآلات وتدريبهم علي الجديد منها وتطوير الإنتاج واستبدال الإدارة بأخري تستطيع المساهمة في إعادة بناء صناعة الغزل والنسيج من جديد وعلاج مشكلة القطن مع وزير الزراعة ثم عدم خصخصة وحدتهم الصناعية شركة مصر المحلة للغزل والنسيج وفي النهاية كان الهتاف السائد هو تسقط اللجنة النقابية. لذا كان من الصعب الوقوف أمام المطالب الاقتصادية وتسمية هذا التحرك مجرد إضراب عمالي مطلبي بحت. وخلال نفس الفترة, فترة السنوات القليلة التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير, نظم العمال والعاملات المئات من النقابات المستقلة التي كانت تعمل خارج التنظيم النقابي الرسمي. وجرت محاولات محاصرتها وتصفيتها وتجفيف منابع عضويتها بالتهديد وبالوعيد وعدم خصم اشتراكاتهم لتحويلها إلي منظماتهم الوليدة و.. اتهامها بالعمالة وتمزيقهم وحدة الوطن ووحدة وصفوف العمال, ولكن دون جدوي. فقد استمر العمال والعاملات صامدين في مواقعهم إلي أن تم لهم ما أرادوا. وقد كان لتحرك العاملين والعاملات في مصلحة الضرائب العقارية نموذجهم الخاص بوقفتهم المتواصلة أمام البرلمان, الأمر الذي دفع بوزارة القوي العاملة والتدريب قبل الخامس والعشرين من يناير إلي منحهم ترخيصهم النقابي. كما حصلوا من وزارة المالية علي حقوقهم المالية. هكذا في الوقت الذي كانت تسعي فيه مصر إلي رفع شعارها الخبز والحرية والعدالة, كان الأجراء والأجيرات في مصر يتقدمون مطالبين بذات المطلب الخبز والحرية والعدالة ولكن بأسلوبهم وبتقاليدهم الخاصة, منظمين وحدتهم ومعهم عائلاتهم وقد حملت لهم الوجبات اليومية الثلاثة. واليوم تسعي مصر إلي الحوار المجتمعي الواسع وتطالب به. وهو الحوار الذي يتجمع حوله كل أبناؤها وبناتها من أجل الأخذ بهذا الشعار إلي موقع التطبيق, بعد أن مر علي الثورة أكثر من عام وعدة شهور وبدأ يشعر الجميع أن ثمة خلافات سياسية عميقة توجد بين الصفوف السياسية, تقطع الأوصال وتشد الانتباه إلي شيء آخر غير البناء, بما يؤكد أن بعض القوي السياسية تعتبر البلد غنيمة يمكن أن توزع بدل أن تنظر إليها كوطن لا يمكن أن يحرز التقدم إلا بوحدة صفوفه واتفاقه علي الحد الأدني من الاتفاق الذي ينقذ السفينة وما عليها. يحتاج هذا الحوار إلي وحدة العمال والعاملات في تنظيمات مستقلة تستطيع لا أن تشارك فيه فحسب ولكن أن تكون جزءا من قيادته وتشارك في قيادة سفينته. فحتي الآن دار العديد من الحوارات ولكنها كانت كلها في يد السياسيين ولم يشارك فيها الأصحاب الحقيقيون للشعار الثوري الشهير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. فهم الذين يعانون أكثر من الفقر ومن الاضطهاد ومن الظلم الاجتماعي. كما أنهم العالمين بكل الخبايا الاقتصادية الموجودة في الوحدات. وإذا كانت مصر ومستقبلها يحتاجان إلي هذا الحوار فهم أيضا يحتاجون إلي أن تعطيهم مصر أغلي ما يمكن أن يقدمه وطن لعماله وهو الحرية والاستقلال. وأن يعترف هذا الوطن أن حرية التنظيم العبارة الواردة في المواثيق الدولية, لا تعني فقط حرية التنظيمات السياسية قدر ما بعني, بذات القدر وبذات الأهمية, حرية التنظيمات النقابية. المزيد من مقالات أمينة شفيق