منذ نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فى خلع مبارك، والبدء فى البحث عن نظام سياسى واجتماعى واقتصادى أكثر عدلا، توالت الزيارات المتبادلة بين المسئولين فى منظمة العمل الدولية والمسئولين عن الشئون العمالية فى مصر، سواء فى وزارة القوى العاملة أو من النشطاء العماليين. البعض اعتبر أن عهدا جديدا فى العلاقة بين مصر والمنظمة سيبدأ بعد إعلان وزير القوى العاملة، أحمد حسن البرعى، عن إطلاق الحريات النقابية وزيارته لمقر المنظمة فى جنيف. المدير الإقليمى لمنظمة العمل الدولية، يوسف القريوتى، توقع، فى حواره مع «الشروق»، أن يكون لثورة الخامس والعشرين تأثيرات إيجابية على وضع العمال وحركتهم، مؤكدا أن الثورة نتيجة طبيعية لنمط النمو غير العادل، الذى ساد فى مصر على مدى سنوات حكم مبارك. وفيما انتهت زيارة منذ أسابيع وفد المنظمة الدولية لمصر، والتى استهدفت تقديم الدعم الفنى للحكومة فى مجال وضع سياسة متكاملة للأجور، على رأسها تحديد حد أدنى لها، أكد القريوتى أن هذه الزيارة، هى واحدة من زيارات عدة فى إطار التعاون بين المنظمة والحكومة المصرية، والتى تم الاتفاق عليها خلال الزيارة الأخيرة للمدير العام للمنظمة، خوان سومافيا لمصر. من حق العمال انتظار النتائج «كانت الثورة ضرورة، لكننى لم أتوقعها بهذه السرعة». توقع القريوتى حدوث التغيير، ولكن متى.. كان هذا هو السؤال، الذى لم يخطر على باله أن يأتى الرد هكذا. عدم عدالة نمط النمو فى مصر، هو السبب الرئيسى فى الثورة، بحسب القريوتى. «على صعيد المؤسسسة وعلى الصعيد الشخصى كان هناك إدراك أن نمط النمو القائم فى مصر لا يحقق القدر اللازم من العدالة الاجتماعية. لم يكن هناك توزيع بشكل سليم لعوائد النمو وهو ما خلق فروقا واضحة وكبيرة بين فئات المجتمع المختلفة، وأوجد بدوره شعورا بالغبن والاستبعاد لدى غالبية المصريين. فعندما يستثنى المواطنون من عملية التنمية يستثنون كذلك من المشاركة فى السياسة وفى صنع القرار السياسى». سوء نمط التنمية وعدم عدالته، أوجد حالة من الفساد والمحسوبية وغيرها من الأمراض الاجتماعية والإدارية التى تعكس نفسها سياسيا فى المحصلة النهائية، فكان الانفجار. وإذا كان الظلم الاجتماعى هو أحد الأسباب الأساسية للثورة، فمن الطبيعى أن يكون العمال مشاركين فيها، وكذلك مستفيدين من نتائجها. «العمال فئة مؤثرة ومهمة من فئات المجتمع وهى الفئة المنتجة، وسيستفيدون من التطورات الإيجابية التى حدثت فى مصر. بشكل أساسى، سيكون لهم صوت مسموع وتمثيل حر وديمقراطى من خلال تشكيل النقابات التى يرون أنها تمثل مصالحهم. سيكونون أكثر قدرة على الدخول فى حوار اجتماعى مع الأطراف الاجتماعية الأخرى فى المجتمع من حكومة وأصحاب عمل. هذا الدور الإيجابى سيعكس نفسه بمختلف الطرق على تحسين ظروف حياتهم ودخولهم ومكانتهم الاجتماعية». هذه هى أهم المكاسب التى ستعود على الحركة العمالية من الثورة، بحسب القريوتى، الذى طالب العمال ونقاباتهم بعدم تعجل انتظار النتائج، لأن «الثورة تحتاج مرحلة من الاستقرار ومن تعاون كل الأطرف.. أنا متأكد أن الحركة العمالية المصرية شريك أساسى فى هذه الثورة، وستأخذ بعين الاعتبار الضغوط الاقتصادية والسياسية المختلفة التى تتعرض لها مصر فى المرحلة الحالية». القريوتى، أكد أن هذه لا تعتبر دعوة للعمال للتخلى عن مصالحهم أو حقوقهم، فهم شركاء فى ما حققته الثورة، ومن الطبيعى أن يتوقعوا تحسن أحوالهم بعدها. وجهان لعملة واحدة بعد انتصار الثورة وتنحى مبارك، أصبحت الحرية والديمقراطية هى القضايا الأكثر إلحاحا فى المجتمع المصرى، باعتبار أنها من ضمن مطالب الثورة، ولكن الحديث عن العدالة الاجتماعية لم يتصدر المشهد. «القضايا الاجتماعية ليست بالضرورة دائما أن تبرز على السطح، لكنها دائما موجودة. فكلنا يعرف أن طبيعة النظام السياسى والإدارى والبيئة القانونية فى أى بلد من البلدان هى التى تحدد إلى حد ما الإطار العام للظروف الاقتصادية والاجتماعية. بمعنى آخر لا أرى فاصلا بين رغيف الخبز والموقف السياسى». وبحسب القريوتى فعلينا أن نتذكر أن «هناك ثورات شعارها اجتماعى وهناك ثورات تكون نقطة انطلاقها السياسة. الثورة فى مصر انطلقت تطالب بثلاثة مطالب: حرية، كرامة، عدالة اجتماعية. هذه الشعارات الثلاثة وإن ظهرت كأنها مطالب سياسية لكنها فى جوهرها مطالب اجتماعية»، ويشرح القريوتى الصلة بين طبيعة النظام السياسى والاجتماعى. «برامج الحماية الاجتماعية والحد الأدنى للأجور، ومساعدة العاطلين وغيرها من القضايا ذات الطابع الاجتماعى كلها ستناقش إذا بنينا نظاما سياسيا ديمقراطيا. وبالتالى أتفهم أن التركيز الآن على العملية السياسية، سيؤدى لوجود مناخ ملائم لنقاش ديمقراطى سليم لتحقيق المطالب الاجتماعية». شهدت الفترة التالية لتنحى مبارك استمرارا لموجة الاحتجاجات العمالية، التى سبقت الثورة والتى اعتبرها الكثيرون من أهم أسباب الانتصار النهائى لها. لكن وبخلاف الترحاب الذى قابل هذه الاحتجاجات قبل الحادى عشر من فبراير، بدأت موجة من الهجوم على العمال والموظفين الذين يضربون ويحتجون، وكانت التهمة هى ما أُطلق عليه «الفئوية»، أو بصياغة أخرى الأنانية وضيق الأفق. «لقد أعطت التحركات العمالية فى السنوات الأخيرة المثل لإمكانية التحرك لانتزاع الحقوق، وكانت عاملا محفزا بل وأحد إرهاصات عملية الثورة. فعدد الإضرابات وطريقتها كانت مؤشر على وجود حراك اجتماعى وسياسى. من جهة أخرى فالأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وسع من دائرة الفساد والرشوة وهذه كلها عوامل تثوير». ويعتبر القريوتى أن بروز القضايا المطلبية بعد أى عملية تغيير كبرى أمر طبيعى. «هذا أمر طبيعى لأن الناس تجد فى الظرف الجديدة متنفسا للتعبير عن طموحهم، خاصة أنهم بنوا توقعات كبرى بعد انتصار الثورة. العمال يحاولون بهذه الاحتجاجات توصيل رسالة للحكومة: لنا مطالب لا تنسوها. هم يسعون لإبقاء قضاياهم على بساط البحث. لأنهم مروا بمرحلة تم فيها تجاهلهم، ومعدلات النمو فى السنوات الماضية كانت كبيرة لكنها لا توزع بشكل جيد». المنظمة ومصر على الرغم من طول العلاقة بين مصر ومنظمة العمل الدولية، فإن السنوات الأخيرة شهدت توترا فى العلاقة بسبب عدم احترام الحريات العمالية والنقابية. «كل سنة نختار عدة دول بآلية معينة لدراسة مدى التزامها بالاتفاقيات الدولية الموقعة عليها فيما له علاقة بحقوق العمال. هذه اللجنة تقدم ملاحظات عن الدول، التى توجد لديها إشكاليات فى تطبيق الاتفاقيات وحول كيفية تطبيقها وتعرض عليها المساعدة. وعندما تمت دراسة الحالة المصرية، وجدت اللجنة عددا من الملاحظات السلبية، خاصة فيما له علاقة بالحريات النقابية». وكان إعلان وزير القوى العاملة إطلاق الحريات النقابية فى مصر، مدعاة لتفاؤل الكثيرين بأن علاقة مصر بالمنظمة الدولية فى طريقها للتحسن، وأن مصر ستخرج من قائمة الدول التى يطلق عليها البعض «القائمة السوداء». «لا نستطيع القول بخروج مصر من هذه القائمة لأنه ليس قرارا إداريا، فهناك لجنة خبراء تنعقد قبل المؤتمر السنوى للمنظمة للنظر فى وضع هذه الدول ثم تعرض نتائجها على المؤتمر، الذى يعد الجهة القادرة على القول إن مصر أصبحت ملتزمة بالاتفاقيات الدولية فى المجال العمالى». وتطرق القريوتى إلى الاتهامات التى توجه للمنادين بالتعددية النقابية، بأنهم مع تفتيت العمل النقابى. «نحن مع وحدة الحركة النقابية ولكن عندما تأتى نتيجة قناعة. فلا توجد وحدة إلا بعد وجود تعدد. كذلك فهناك بلاد كثيرة مثل المغرب بها عدد من المنظمات النقابية، فهذا خيار العمال أنفسهم».