تحتفل هيئة الشرطة يوم 25 يناير من كل عام بعيدها، وقد وجدتها فرصة مناسبة لتناول ظروف هذا العيد من خلال إلقاء الضوء ساطعاً على جميع جوانبه التاريخية. عاد الجيش المصرى عام 1949 جريحاً مطعوناً من اثر هزيمته فى حرب فلسطين عام 1948، ومع تولى حزب الوفد مسئولية الحكم عقب انتخابات فارقة يوم 12 فبراير عام 1950 فى سياسته نحو اجلاء الانجليز عن قاعدة قناة السويس قبل الموعد المحدد فى معاهدة 1936 وهو عام 1956، وتأكيد الوحدة بين مصر والسودان، وعقب جولة مباحثات مضنية مع سلطات الاحتلال أعلنت الحكومة الوفدية فى خطاب العرش تهدديها بالغاء معاهدة 1936 اذا لم تسفر المباحثات عن نتيجة، وبحلول 26 اغسطس تاريخ توقيع المعاهدة وجدت الحكومة انها تفقد كثيراً من رصيدها الشعبى أمام موجة الحماس التى تجتاح الشعب فأعلن النحاس باشا رئيس الوزراء على منبر مجلس النواب يوم 8 اكتوبر عام 1951. عبارته التاريخية: «من أجل مصر وقعت معاهدة 1936، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها». وقد فوجئ البريطانيون بالصورة التى ألغيت بها المعاهدة، فقد توقعوا ان يكون الإلغاء شكلياً وليس بهذه الصورة الدستورية، ومن ثم يمكن الزعم بأن إلغاء المعاهدة كان بمثابة اعلان ببدء الكفاح الشعبى المسلح ضد قوات الاحتلال البريطانية فى منطقة القناة والذى تطور تطوراً ملحوظاً عندما بدأت كتائب التحرير الشعبية تعالج نقاط الضعف فيها، وزاد اقبال الضباط الاحرار على المشاركة الايجابية فيها، وتصاعدت العمليات حتى اصبحت خسائر القوات المحتلة مصدر قلق شديد للقيادة البريطانية بلورته جريدة التايمز يوم 26 ديسمبر عام 1951 بنشرها ان اعصاب الجنود الانجليز اصبحت شديدة التوتر وانهم يتساءلون عن جدوى الاحتفاظ بقاعدة عسكرية فقدت قيمتها نتيجة الشعور الوطنى المنادى لها. تصاعدت الاستفزازات البريطانية رداً على نشاط الفدائيين ووصلت ذروتها ليلة الجمعة الموافق «25 يناير عام 1952» عندما حاصر الجنود الانجليز بأسلحتهم ودباباتهم مبنى محافظة الاسماعيلية، وارسل الجنرال اكسهام القائد البريطانى بمنطقة القناة انذاراً لقوات البوليس المصرى بمحافظة الاسماعيلية بتسليم أسلحتهم والرحيل من منطقة القناة كلها وهنا وجد القائد المصرى نفسه امام احتمالين خطيرين إما تسليم السلاح أو المقاومة فارسل ضابطا . قفز من فوق السور بعد قطع الانجليز لأسلاك التليفونات ليتصل بفؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية بعد منتصف الليل ليسأله اذا كانوا مستعدين للمقاومة حتى آخر طلقة وآخر رجل ولما اجاب الضباط بالايجاب أصدر الوزير قراره بالمقاومة، وكان عدد جنود بلوكات النظام الف جندى مع كل منهم نحو الف طلقة وبدأت المعركة بقصف مدفعى على مبنى المحافظة فرد البوليس المصرى الذى كان مسلحاً ببنادق لى إنفيلد 303 التى تطلق نيرانها طلقة طلقة بمقاومة باسلة وانتهت المعركة باستشهاد 70 عسكرياً مصرياً ومقتل نحو 40 عسكرياً بريطانياً، ودخل الجنرال اكسهام مبنى المحافظة وصافح المرحوم اللواء مصطفى رفعت قائد القوة المصرية فى ذلك الوقت وبادره قائلا: «اهنئك واهنئ جنودك على الروح التى قاتلتم بها ولذا فلن أعاملكم كأسرى حرب ولن تخرجوا من هنا رافعى الأيدي» ووصل جنود بلوكات النظام بالاسماعيلية بالقطار الى القاهرة وعندما اذيعت الاخبار نشرت الصحف البريطانية صباح يوم 26 يناير بأنها تخجل لأن الجيش البريطانى حارب البوليس المصري، فى نفس الوقت الذى تحركت فيه بالقاهرة من المظاهرات العارمة التى أعلنت عن احتجاجها بحرق ما يقابلها من منشآت بالعاصمة، وكان اختيار اليوم مدروساً فى الخطة الملكية الانجليزية المشتركة بعناية فائقة ، فقد كان مفروضاً فى هذا اليوم ان تفى الحكومة بوعدها بقطع العلاقات نهائياً مع انجلترا ، فى نفس التوقيت الذى نشرت فيه الصحف البريطانية انها تتوقع اشتراك الجيش المصرى فى معركة القتال وذلك بعد سيل البرقيات التى أرسلها العديد من الضباط يطلبون فيها المساهمة فى الكفاح المسلح، وحلول 27 يناير 1952 صدر المرسوم الملكى بإقالة الوزارة الوفدية من الحكم. اللواء د. إبراهيم شكيب